بدلا من حل أزمة المدارس الآيلة للسقوط وعجز المعلمين الذي يفوق 340 ألف معلم في مراحل التعليم الأساسية، وحاجة العملية التعليمية لبناء نحو 250 ألف فصل سنويا، لما تعانيه المدارس من زحام في الفصول وصل عدد التلاميذ في الفصل نحو 119 تلميذا ، ما يفوق عدد الديسكات وهو ما يدفع المدارس لإجلاس الطلاب على الأر ض لتلقي دروسهم، وأيضا مشاكل انهيار البنية الأساسية بالمدارس، وأيضا مشاكل المعلمين بالحصة والتطوع التي لا تعرفها أي دولة في العالم وتؤثر على جودة التعليم وتدني مستويات الطلاب.
وبدلا من هذا كله يعلن وزير تعليم الانقلاب رضا حجازي خطة قومية للاستفادة من الدروس الخصوصية وشن الحرب عليها لا إغلاقها، بل لتقنينها وتحصيل الرسوم والضرائب منها ، بل والأدهى إخضاعها لسيطرة العسكر "جهة سيادية" وهو ما يمكن اعتباره عزفا على وتر رئيسه وقائد نظامه الفاشل عبد الفتاح السيسي، الذي أدمن الجباية وورثها لوزرائه وموظفيه كل في مجاله.
سيطرة جهة سيادية
وأعلن "حجازي" عن تنسيق الوزارة في الوقت الراهن مع إحدى الشركات التابعة لجهة سيادية، من أجل الإسناد لهذه الشركة (لم يسمها) مهمة إدارة مجموعات الدعم الطلابية "الدروس الخصوصية" وفق ضوابط محددة ، وذلك بديلا عن مجموعات التقوية الحالية في المدارس، بدعوى أنها أصبحت غير فعالة.
وقال حجازي، في كلمة له أمام مجلس نواب الانقلاب الثلاثاء إن "تكلفة الدروس الخصوصية في مصر تصل إلى نحو 47 مليار جنيه سنويا ، والدولة لا تعلم شيئا عن هذه الأموال، أو تتقاضى ضرائب بشأنها، ولذلك من المستهدف ترخيص مراكز الدروس الخصوصية (السناتر التعليمية) ومنح المعلم الذي يعمل في هذه المراكز رخصة لمزاولة المهنة مقابل رسوم سنوية.
وتناسى الوزير أن من يعطي الدروس الخصوصية تلك هم معلمون يمارسون المهنة في المدارس التابعة للوزارة سواء الحكومية أو الخاصة، أي أن مسألة الرخصة مجرد وسيلة للجباية فقط، لا تفيد الطلاب ولا العملية التعليمية، إذ إنها أمر واقع بالأساس.
ومنذ وقت طويل ومنذ استيلاء السيسي على السلطة، يسعى لمص دماء كل الفئات، فارضا الضرائب والرسوم على كل شيء، سواء العقارات أو ري الأراضي واستعمال المياه والهواتف والمواصلات والبنزين والطرق ولم يعد ينقص شيء في مصر سوى استنشاق الهواء حتى يفرض عليه الضرائب.
ويسعى رضا حجازي لإرضاء السيسي الذي اختاره ورقاه من وكيل وزارة ، موظف كبير إلى وزير، لكي يكون أكثر انسياقا وخضوعا لكل أحلام وأوهام السيسي ، ولعل فرض الرسوم والأموال هو أكثر شيء يرضي السيسي ويكسب وده، ومن ثم الاستمرار في الوزارة، حتى لو كان الوزير محدود الخبرات والرؤية.
عسكرة التعليم
وتأتي خطوة إخضاع الدروس الخصوصية لسيطرة جهة سيادية، ضمن خطة طويلة وممتدة لعسكرة التعليم، حيث يسيطر ضباط جيش وشرطة على مناصب وكلاء الوزارة، ويضعون الخطط وينفذونها، كما أن تقارير الجهات الأمنية باتت معيار التقدير والتقييم داخل وزارة التربية والتعليم، كما جرى تحويل معظم المدارس الثانوية الصناعية والتجارية والزراعية والعامة إلى مدارس عسكرية يسيطر عليها الجيش ويطبق سياسات العسكرة وإخضاع الطلاب، كما تختص شركات الجيش بتقديم الوجبة المدرسية التي تكلف 7 مليار جنيه، تذهب لشركات الجيش، كما تضطلع المخابرات بوضع الأسئلة الامتحانية للطلاب في مطابعها، وكذا توريد شركات الجيش للأوراق والكتب المدرسية، ومؤخرا جرى استحواذ جهة سيادية تابعة للجيش على كتاب "سلاح التلميذ" الأشهر لدى تلاميذ المدارس.
واستحوذ تحالف يضم صندوق مصر السيادي ومنصة "مصر للتعليم" المملوكة لبنك الاستثمار "هيرميس" على حصة أغلبية من أسهم شركة سلاح التلميذ الذي يعد مرجعا تعليميا مهما لملايين الطلاب في مصر منذ عقود.
وذكرت منصة مصر للتعليم في بيان لها، وفق نشرة إنتربرايز الإلكترونية المعنية بالشأن الاقتصادي المصري، أن الصفقة تأتي لتقديم محتوى تعليمي متنوع وجذاب لمختلف شرائح الطلاب.
ولم يفصح البيان عن قيمة الصفقة وتوزيع الحصص، لكن وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن التحالف استحوذ على 56% من شركة سلاح التلميذ بحصة أقلية للصندوق السيادي، بينما الحصة الأكبر لصالح الكيان التابع لهيرميس التي توسعت في السنوات الأخيرة في قطاع التعليم بالتعاون مع مدارس "جيمس" الإماراتية.
وبدأ "سلاح التلميذ" في عام 1960 وتعد كتب سلاح التلميذ التي يصفها المصريون بـ"الكتب الخارجية) مصدرا مهما لطلاب المدارس منذ عشرات السنوات، ومرجعا مميزا لشرح المناهج الدراسية تعتمد عليه ملايين الأسر.
وإلى جانب كتب شرح المناهج الدراسية، تمتلك منصة سلاح التلميذ أيضا عددا من امتيازات الكتب المصرية، وقد أطلقت مؤخرا تطبيقا يقدم للطلاب ألعابا تفاعلية ومقاطع فيديو تعليمية.
وشهدت منصة "مصر للتعليم" التابعة لمجموعة هيرمس نموا كبيرا على مدار السنوات الثلاث الماضية مع محفظتها التي تغطي حاليا مجموعة متنوعة ، تتضمن نحو 18 مدرسة وطنية ودولية تعمل في أنحاء القاهرة والإسكندرية تحت أسماء تجارية مختلفة مثل مدارس "حياة"، و"جيمس".
واتجهت مصر نحو بيع أصول هامة كالبنوك والفنادق والشركات التي تحقق أرباحا لمستثمرين إماراتيين وسعوديين، في مواجهة تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي نتيجة التوسع في الاقتراض من الخارج، من أجل استكمال إنشاءات العاصمة الإدارية الجديدة، وبعض المشاريع الضخمة التي تصفها الحكومة بـ"القومية" بينما يشدد خبراء اقتصاد أنها من دون جدوى اقتصادية.
أزمات بالمدارس
وشهدت بداية العام الدراسي أزمة كبيرة في استقبال التلاميذ، لأسباب عدة، أهمها عدم صيانة الفصول والمقاعد والكهرباء وطلاء الجدران، كما أن دورات المياه تعد سببا رئيسيا في نقل الأمراض والأوبئة، وسط حالة من الارتباك تسيطر على الجميع نتيجة تفشي فيروس كورونا.
ويعاني القطاع التعليمي نقصا شديدا في أعداد المعلمين، وهذه أزمة مستمرة منذ سنوات ولا حلول لها، بعد توقف تعيين الكثير من الخريجين من كليات التربية، والمتخصصين في التعليم، منذ 22 عاما وتحديدا عام 1998 وحتى اليوم، واقتحم المجال خريجون من كليات وتخصصات مختلفة.
ولا تقتصر أزمة نقص المعلمين على المدارس الحكومية ، بل تشمل المدارس الخاصة التي واجهت الأزمة نفسها خلال السنوات الماضية، بسبب ضعف الرواتب (لا يتجاوز الراتب الألف جنيه وربما أقل من ذلك) وإن كان يسمح لهم بإعطاء دروس خصوصية، ويواجه المعلمون خطر تشريدهم في أي وقت نتيجة أزمة تعيين مبتدئين لا يتمتعون بالخبرة في مجال التعليم، ويرضون بأجور أقل، ما أثر على سير العملية التعليمية.
مشاكل بلا حصر
وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة في وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب، فإن إجمالي عدد المدارس الحكومية في المحافظات يقترب من 48 ألف مدرسة حكومية، تضم نحو 23 مليون طالب بالمقارنة مع 19 مليون عام 2015 بينما يقدر عدد المعلمين بـ 93 ألفا بعدما تقاعد الآلاف، ومع بداية العام الدراسي، تُعاني العملية التعليمية من مشاكل كثيرة، أبرزها قلة عدد المعلمين في المدارس الحكومية. وبحسب الوزارة، فإن ميزانية التعليم لعامي 2012 – 2020 وصلت إلى 109 مليارات جنيه علما أنه يفترض ألا تقل عن 150 مليار جنيه.
فيما يرى عدد من المتخصصين في القطاع التربوي والتعليم في البلاد، أن أزمة نقص المعلمين المتكررة خلال السنوات الخمس الأخيرة، تؤكد على عدم اهتمام الحكومة بهذا القطاع، الذي يعد أساسيا للتقدم في دول أخرى.
ويوضح مسؤولون أن المؤسسات التعليمية داخل البلاد تحتاج إلى أكثر من 300 ألف معلم، لكن الوزارة ترى أن الميزانية المخصصة لها لا تسمح بتعيينات.
ويكشف خبراء أن ما بين 70 إلى 80 في المائة من المعلمين تزيد أعمارهم عن الـ 50 عاما، ما يعني وصولهم إلى درجة "معلم خبير" وبالتالي تُقلل ساعات التدريس الممنوحة لهم، وكل عام يتقاعد المئات، وخلال سنوات، سيكون جميعهم خارج العمل لبلوغهم الستين من العمر، في وقت تكتفي الجهات المسؤولة بالتفرج، أمام هذه الضغوط، تقوم إدارات المدارس في المحافظات بتحميل عدد من المعلمين حصصا إضافية تصل إلى 22 حصة أسبوعيا في بعض المواد بدلا من 19، بسبب قلة عدد المتخصصين في بعض المواد.