قالت ورقة بحثية إن "تآكل شعبية المؤسسة العسكرية هو نتيجة حتمية لفرض وصايتها على الأمة واستئثارها بالسلطة والثروة، وتبنيها نظام حكم دكتاتوري يسقط الشعب تماما من حساباتها".
وأكدت الورقة التي جاءت بعنوان "لماذا فقد المصريون الثقة في الجيش؟" أن القوات المسلحة تحولت من جيش الأمة إلى حزب سياسي مسلح يحكم البلاد بالحديد والنار؛ وتتعامل مع المجتمع بمنطق المعادلة الصفرية.
وأشارت الورقة التي نشرها موقع "الشارع السياسي" إلى أن جنرالات الجيش ينظرون إلى مصر بوصفها إقطاعية عسكرية يحكمها الجنرالات جيلا بعد جيل، وليس للشعب سوى الخضوع والإذعان ، وإلا فالبطش مصيره والسجن أو القتل مثواه".
نمطية المستوى السياسي
ومن أول أسباب التآكل الحتمي، النمط السياسي الذي تفرض المؤسسة العسكرية بنظام جمهوري دكتاتوري ، شرط أن يكون على رأس هذا النظام جنرال برتبة رئيس الدولة.
وأضافت أن الاستفتاءات والانتخابات للرئاسة والبرلمان والمحليات إجراءات صورية يتم طبخها في غرف الأجهزة، مستنبطة أن همها أصبح الشكل الديمقراطي، وإن كانت هذه الديمقراطية مزيفة أو ميتة والمؤسسات الناتجة عنها لا تمت للشعب وإرادته بصلة.
وأوضحت أن النمط "يرفض أي شكل من أشكال التمثيل الشعبي، سواء أكان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا"، كونه "يمثل خطرا على مصالح من يحكمونها ويسيطرون عليها".
ومن شروط النمط بحسب الورقة "تفكيك أي تكوينات أو تنظيمات أو حركات قد تمثل قطاعات شعبية معينة، إذا تجرأت أي من هذه القوى ودخلت المجال السياسي منافسا للجيش".
علمانية لا إسلامية
وأشارت الورقة إلى أنه من بين حتميات المؤسسة العسكرية هو فرضها "نمطا علمانيا على الشعب ومؤسسات الدولة في الوقت الذي تعمل فيه على تهميش الهوية الإسلامية والحد من انتشارها من خلال التضييق المستمر والمتواصل على الحركات والشخصيات التي تدعو إلى الإسلام".
وأن ما تسمح به في هذا الإطار إسلام على مقاس السلطة يخدم أجندتها ولا يعارضها في شيء، مشيرا إلى تبني المؤسسة الدينية الرسمية تسويق هذا الإسلام التفصيل.
وخلصت إلى أن "الرئيس" صاحب المرجعية العلمانية سيحظى برضا المؤسسة العسكرية التي تتبنى العلمانية وتفرضها بالإكراه على المصريين جميعا، هي الرسالة المباشرة والمفهومة من تصريحات السيسي.
الفلك الأمريكي
أما ثالث الأسباب هو التزام الجيش بمعادلة للعلاقات الدولية والإقليمية تجعل من مصر على الدوام تدور في فلك السياسة الأمريكية الغربية،
وأن المؤسسة العسكرية المصرية فعليا حارس لهذه المصالح وحام لها.
وأشارت إلى أن نماذج ذلك "التطبيع مع الاحتلال والعمل على دمجه في المنطقة ضمن مخططات الشرق الأوسط الكبير".
واستنبطت الورقة أن تصورات السيسي وكبار الجنرالات "تقوم على اعتبار أن أي تحولات سياسية أو اجتماعية تحدث في مصر تفضي إلى زعزعة هذه العلاقة وتلك المعادلة أو تضعفها، هي في حد ذاتها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري.
سياسات رأسمالية
وعن المحددات الاقتصادية لحكم الجيش قالت الورقة إنه "يفرض سياسات رأسمالية بالغة الخطورة على معظم فئات الشعب المصري؛ كالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والاعتماد على القروض في إدارة الدولة حتى أوشكت على الإفلاس، والانحياز لرجال الأعمال مع الحد المستمر من مخصصات الدعم التي تستفيد منه الطبقات الفقيرة من محدودي الدخل".
وأن إنماء المؤسسة العسكرية ب"إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف؛ كان هدفا منذ قرار محمد أنور السادات -وهو يعترف بالكيان الصهيوني- سنة 1977 منح بمقتضاه حق امتياز إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمرة للجيش، فالعسكر أكبر قيِّم على الأراضي المصرية، وذكرت تقديرات أنها تصل إلى 87% من مساحة البلاد".
وأضافت أن من أمثلة الاستحواذ أن موازنة الجيش سرية وتكتب رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة دون أي مراقبة من أي جهة، أو بالنسبة لشركات الجيش ومشروعاته والتي تقدر بين (40 إلى 60%) من جملة الاقتصاد.
ولفتت إلى أن الإمبراطورية الاقتصادية جعلت من الثورة والديمقراطية عدوا، وأن تعاملهم مع غيرهم بكونه مؤسسة فوق جميع مؤسسات الدولة ، بل فوق الدولة ذاتها أو بمعنى آخر أكثر وضوحا فإن الجيش يرى نفسه الدولة.
واعتبرت الورقة أن نموذج الفوقية تسرحه مفردات وبنود "وثيقة السلمي" في 2012، والتي رفضها الإخوان.
بضاعة الفشل
وقالت الورقة إن "تآكل شعبية المؤسسة العسكرية ، سببه الواضح الفشل المستمر في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح؛ فنظام السيسي هو نظام الجيش، وجاء بانقلاب الجيش، والمؤسسة العسكرية هي التي تحميه وتدعمه، ولولا هذا الدعم لسقط منذ زمن طويل، وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية تتحمل أوزار هذا النظام وأوزار فشله لا سيما وأنه وعد الناس بالسمن والعسل بكرة تشوفوا مصر، فلم يحصدوا سوى الفقر والجوع".
وأن مع الفشل كرس البطش والقمع الأمني كسياسة ثابتة للنظام الذي ارتكب مئات المذابح، ومزق النسيج الوطني، وفرط بدعم من الجيش في تراب مصر الوطني تيران وصنافير ، وشرعن عملية بناء سد النهضة أكبر تهديد للأمن القومي بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م ، فضلا عن إهدار آلاف المليارات على مشروعات بلا أي جدوى اقتصادية تفريعة قناة السويس العاصمة الإدارية العلمين الجديدة وغيرها.
وكشفت الورقة أن فشله امتد لإدارة الأموال الطائلة التي دخلت مصر في عهد السيسي مساعدات خليجية قروض ضخمة، حيث لم ينعكس مطلقا على تحسين مستويات المعيشة ، بل تراجعت بفعل تبني سياسات صندوق النقد الدولي، حتى هبط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر؛ فوصل عدد الفقراء وفق تقديرات البنك الدولي في 2019م نحو 60%، ومع تداعيات تفشي جائحة كورونا.
التنشئة غير القويمة
واستنبطت الورقة أن عوامل التنشئة شديدة التأثير في الفلسفة التي تتبناها المؤسسة العسكرية المصرية في عقيدتها السياسية والعسكرية والقتالية؛ فالجيش الفرعوني القديم كان يمارس أبشع صور الظلم والانتهاكات حتى استحق عن جدارة أن يدمره الله بيده في معجزة تتلى في القرآن إلى يوم القيامة، كما وثقها الكتاب المقدس على نحو مشين للفرعونية.
وأن الجيش الحديث مع تولي محمد علي باشا حكم مصر (1805 ـ 1849) وأن مؤسسة «چوزيف إنتيلمي سيف Joseph Anthelme Sève» وهو ضابط فرنسي كان من جنود نابليون في غزوه لمصر، وهو نفسه سليمان باشا الفرنساوي، بعدما أعلن إسلامه، لكن بلده الأصلي في ليون الفرنسية مسقط رأسه لا تزال تحتفظ بتمثال لجوزيف الفرنساوي الذي أسس الجيش المصري الحديث.
وأن "الشكوك حول سيرة الرجل وما دفع به إلى مصر للقيام بهذه المهمة وتشكيل جيش مصر على النمط الغربي العلماني القائم على القهر والإذلال".
وأن مع إشراف "الفرنساوي" جاء الإنجليز في 1882م ليحتلوا مصر فلم يجدوا شعبا يقاومهم؛ بعدما فشل الجيش بقيادة أحمد عرابي في حماية مصر ضد الغزاة المحتلين؛ وحكم الإنجليز مصر نحو أربعين سنة والشعب في قمة الخنوع والإذعان حتى اندلعت ثورة 1919م ثم رحلوا باتفاق الجلاء في يونيو 1956م.
وأضافت "قبل ضباط الجيش المصريين الخدمة في ظل حكومة احتلال أجنبي على مدار 74 سنة من الاحتلال، فالحكم العسكري كفيل بتدمير أي معنى للولاء والانتماء؛ فهو بظلمه وطغيانه يخلق شعبا يائسا محبطا لا يتصدى لطغاة ولا يقاوم غزاة".