«الآن أشعر بالأمان».. تغريدات المصريين في المهجر تفضح جمهورية الخوف الجديدة

- ‎فيتقارير

في ظل الأوضاع الإنسانية المأساوية الراهنة في مصر تتلاشي الرغبة في العودة للعديد من المصريين الذين هاجروا قسرا عقب الانقلاب العسكري في صيف 2013، إلا أن شيئا ما حصل عليه المصريون بالخارج بات بعيد المنال لمن هم في الداخل وهو الأمان والحرية.

وربما لم تمتلئ سجون مصر بالمعتقلين الأبرياء مثلما امتلأت في عصر الانقلاب الثاني للعسكر في 3 يوليو 2013م، فالأعداد الضخمة التي تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من ستين ألف معتقل ومعتقلة من جميع الاتجاهات الوطنية، وإن كانت الغالبية العظمى من معتقلي الشرعية من جماعة الإخوان ومؤيديهم، غير المختفين قسريا.

هذا غير من قُتلوا بأيدي قوات الانقلاب من الجيش والشرطة في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة وما قبلها وما بعدها وحالات الإعدام الظالمة، والتي جرى بعضها بغير انتظار لحكم محكمة النقض، في سوابق قانونية باغية سيظل التاريخ يؤرخ بها لإجرام العسكر وفساد القضاء على مدى الأجيال القادمة.

 

قصة كل مطارد

رغم أن بعض ممن لم يحالفهم التوفيق بالخروج من مصر، يغبطونهم على نعمة الأمن والحرية النسبية التي يتمتع بها هؤلاء المطاردون في البلدان التي فروا إليها، إلا أن كل مطارد منهم تقف وراءه قصة.

وتختلف طبيعة التحديات والمعاناة، من شخص لأخر، بحسب عمره، ومهنته، وحالته الاجتماعية، وأيضا "القضائية"، ومؤهله الدراسي، فضلا عن طبيعة الدولة التي ساقته الأقدار للإقامة بها، ومدي تعاونها وعلاقتها بالانقلاب العسكري، سواء كانت إقامته في هذه الدولة باختيارها الشخصي، أو مجبرا على الإقامة بها.

يقول الكاتب الصحفي المهاجر للخارج جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة المصريون  " لاحظت في تغريدات ومنشورات الشباب المصري الذي هاجر من مصر في السنوات الأخيرة، أنها متشابهة جدا في تعبيرات حزينة محددة ، الآن أشعر بالأمان، الآن أنام قبل الفجر دون خوف، الآن لا رعب من استدعاءات الأمن، أمشي في الشارع دون ملاحقات، تخيل بلدا لا يمنحك هذه المعاني البسيطة ويسمونه وطنا".

ويقول الكاتب المهاجر للخارج أحمد عبد الحليم  " النهار ده بكمل عاما على خروجي من مصر، عام من الأمان، عام من النوم قبل الفجر عادي، عام من المشي في الشوارع عادي، عام من غير استدعاءات، عام من عدم الرعب لو في حركة تحت البيت، أو صوت سارينة شرطة، عام من حاجات كتير حلوة، وبرضه عام على حضن أمي".

ويرد صاحب حساب "الدنيا كده" بتغريدة قائلا  " وفين ومنين نطول الإحساس دا يا بختهم بقالي ٩ سنين ما نمتش في بيتي بنام في اماكن مهجورة وإحنا ونصيبنا والله بدون ما أعرف حتى إيه تهمتي هو كده وخلاص".

ويرد الناشط المغترب وليد المصري بالقول  " زرعوا فينا الخوف والخنوع رغم إحنا الشعب الوطن الحقيقي لو استأسد الشعب المصري لقلب الكفة وتبدلت الأوضاع ولخافت الأنظمة وخنعت للشعب ولكن للحرية ثمن ، فعلي الشعب أن يدفع الثمن أولا ولكن ثمن بإرادة لا تلين بتغيير المستحيل".

 

غياب الأمن

ويقول الناشط المغترب محمود النمر، تبدأ معاناة المطارد قبل مغادرة الوطن، مؤكدا أنه ظل فترة يطارده السؤال نفسه " ما الذي يجبرني على ترك  وطني وعملي  وأهلي وزوجتي ونحن على موعد بعد شهور قليلة لاستقبال مولودتنا الأولى؟".

وتابع " إنه غياب الأمن، بعد أن أصبح الخوف يحيط بنا في الشوارع والطرقات والبيوت، ولم يعد هناك مجال للحركة ولا العمل سوى انتظار دوري في القتل أو الاعتقال أو الإخفاء القسري".

وأشار إلى أنه رأى كيف عبثت محاكم الانقلاب العسكري، بمستقبل العشرات من أصدقائه، وجيرانه، فضلا عن اختفاء الكثير منهم بالشهور دون أن يعلم أحد عنهم أي شيء، ثم يظهرون بعدها إما جثث هامدة ماتت تحت وطأة تعذيب أجهزة الانقلاب الأمنية، أو هياكل عظمية فقدوا غالبية وزنهم، وتغيرت ملامحهم من شدة ما تعرضوا له من التنكيل بهم، وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها".

وأضاف " ثم تأتي بعد ذلك المرحلة المعقدة لرحلة الفرار، فغالبية الأسماء بالتأكيد مسجلة في قوائم الممنوعين من السفر، وبالتالي ليس أمامك سوى أحد الخيارين، إما أن تخاطر وتسافر من المطار، وتتبع الإجراءات الأمنية في استخراج تصاريح السفر، أو تبحث عن طريق غير شرعي وتخاطر في دروب الصحراء وتصبح حياتك رهن مافيا التهريب".

وقال خلال حديثه إنه "بمجرد وصولك إلى بلد الإقامة، تبدأ رحلة أصعب من المعاناة، تبدأ بالتأقلم مع ظروف البلد خاصة إذا كانت بلدا غير عربية، ثم المرحلة المرة في البحث عن فرصة عمل، أو أي مصدر رزق يحقق لك على الأقل الحد الأدنى من المعيشة".
ولفت النمر، إلى أن المعاناة الأكثر ألما ، أن يتنكر لك الأصدقاء الذين تعول عليهم وسبقوك في المجيء شهورا أو سنينا،  ورتبوا حياتهم على غيابك وأصبح حضورك زائدا، إلا ما ندر، فالكل يبحث عن كيف يكفي نفسه، مؤكدا أن أصعب اللحظات قسوة على قلبه، ومرارة في حلقه لا تنتهي، عند سماع خبر ولادة ابنته " أول فرحته"، دون أن يكون بجوار زوجته، أو يحمل رضيعته، وهو لا يدري حتى هذه اللحظة متى يلتقي بها ويضمها إلى صدره.

يذكر أنه في يوليو منذ تسع سنوات خرج السفاح السيسي حين كان قائدا للقوات المسلحة بخطاب عزل أول رئيس مدني منتخب في مصر، وكان ذلك مساء يوم الأربعاء 3 يوليو 2013، حيث خرج السيسي على المصريين بزيه العسكري في صورة ستظل هي الفارقة في تاريخ الانقلاب بمصر.

خرج الجنرال السفاح من عتبة المقاعد الخلفية بعد أن أعد العدة وملك زمام الجيش وخضعت له الأحزاب السياسية ودعمته المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر والكنيسة، وقام بالإطاحة بالرئيس الشهيد محمد مرسي الذي تم انتخابه بعد ثورة 25 يناير المجيدة، ليطيح بهذه الخطوة بكل مكتسبات ثورة يناير، وعلى رأسها الأمن والأمان