قمة المناخ.. كشف حساب السيسي ومعارضيه

- ‎فيمقالات

أنهت القمة العالمية للمناخ أعمالها في مدينة شرم الشيخ المصرية، وبعيدا عن صلب أعمال القمة المختصة بالبيئة والمناخ والخلافات بين الدول المتقدمة والمتخلفة حول تلك القضايا والمسئول عنها، فإن هذا المقال سيركز على الجانب المصري فقط، بعبارة أخرى تقديم كشف حساب لمكاسب وخسائر النظام المصري وكذا معارضيه من هذه القمة التي راهن عليها كل طرف لتحقيق بعض أهدافه.

بحسبة بسيطة، سيتضح أن كلا الطرفين حقق مكاسب مع اختلاف الوزن النسبي لها لدي كل طرف، كما أن الطرفين تعرضا لأضرار متباينة.

فالنظام المصري سجل نجاحا مهما بقدرته على تنظيم القمة على أرضه بصورة معقولة، كما أن حضور عدد كبير من قادة العالم للقمة على خلاف ما توقعه الكثيرون وكنتُ منهم؛ مثّل دعما غير مباشر للنظام المصري، بل ظهر الدعم المباشر في لقاء عدد من القادة العالميين مع السيسي؛ وأهمهم الرئيس الأمريكي بايدن الذي رفض مقابلة السيسي بشكل منفرد على مدار العامين الماضيين، على خلفية ملفه السيئ في حقوق الإنسان. ولا ننسى أنه كان يعتبر السيسي ديكتاتور ترامب المفضل ويرفض منحه شيكات على بياض، لكنه منحه في هذه القمة 500 مليون دولار لدعم مشروعات الطاقة النظيفة في مصر، كما منحت ألمانيا مصر مبلغ 250 مليون يورو للهدف ذاته.
 

لقد كانت تلك المعونات المالية بالإضافة إلى اللقاءات السياسية، والعقود التي وقعتها الحكومة المصرية لعديد المشروعات الجديدة والتي تتجاوز قيمتها المائة مليار دولار، بمثابة دعم واضح لنظام السيسي.

ولكن في مقابل هذه المكاسب فإن النظام المصري تعرض لحصار سياسي وإعلامي وإهانة بالغة على أرضه وفي عقر داره، من خلال قدرة المجتمع المدني العالمي على خطف الأضواء نحو انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. ظهر ذلك منذ اللحظات الأولى لانطلاق القمة، وفي تظاهرات النشطاء الدوليين التي عوضت غياب التظاهرات المصرية التي كانت مقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر بالتزامن مع القمة، والهتافات لتحرير سجناء الرأي في السجون المصرية، والتحركات اللافتة للناشطة سناء سيف، شقيقة سجين الرأي علاء عبد الفتاح، وتمكنها من عقد مؤتمر صحفي عالمي على أرض مصر لشرح قضية شقيقها الذي كان مضربا عن الطعام في حينه، ثم تحركات بعض الحقوقيين المصريين الآخرين وترؤسهم لبعض جلسات المجتمع المدني.

لقد عاش النظام المصري على مدار أسبوعين كابوسا طويلا، وضغطا عصبيا شديدا في مواجهة مطالب القادة والرؤساء سواء في كلماتهم العلنية أو لقاءاتهم الخاصة مع السيسي؛ للمطالبة بالإفراج عن علاء عبد الفتاح والسجناء السياسيين الآخرين، وهي الضغوط التي حاول النظام أن يبدو متماسكا تجاهها، لكن الحقيقة غير ذلك، فمن المؤكد أن هناك تعهدات بإنهاء هذا الملف ولكن بطريقة تحفظ للنظام ماء الوجه.
 

لم تفلح المظاهرات المصطنعة التي رتبتها أجهزة النظام في تحسين صورته بل زادتها قبحا، سواء تلك المظاهرات في شرم الشيخ أو في بعض العواصم الأوروبية للتنديد بسجناء الرأي في مصر وخاصة علاء عبد الفتاح، واتهامهم بالعمالة للخارج وخيانة الوطن. وحتى حين انبرى أحد النواب الموالين للنظام للرد على الناشطة المعارضة سناء سيف في مؤتمرها الصحفي فإنه لاقى استهجانا كبيرا وتعرض للطرد بطريقة مهينة من المؤتمر من قبل رجال الأمن الدوليين، وهو موقف في منتهى الإحراج لنائب برلماني كان يظن أن صفته تلك وحمله لحصانة برلمانية سيحميه من الطرد، ولم يستطع النظام المصري حماية نائبه، فعمد لتنظيم مظاهرة هزلية داعمه له.

لقد تحولت قمة المناخ بين عشية وضحاها وعلى عكس ما توقع أو خطط النظام؛ إلى قمة لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وكم كان منظرا مبهجا ذلك الاجتماع الختامي لأعمال المجتمع المدني، حيث تعالت هتافات النشطاء الدوليين مطالبة بالحرية لجميع المعتقلين.

تظاهر النظام المصري بصموده في مواجهة الضغوط الدولية، واعتبرها عبر إعلامه تدخلا غير مقبول في الشأن الداخلي المصري، لكنه في الحقيقة سعى لإيجاد مخرج لأزمته بالإيعاز بضرورة أن تتقدم أسرة علاء عبد الفتاح بطلب عفو رئاسي، ورغم أن الأسرة قدمت هذا الطلب بالفعل من قبل إلا أنها لم تتوان عن إعادة تقديمه، فما يهمها ليس المناكفة بل خروج عائلها، كما أن ثمة تفاهم جرى مع علاء نفسه في محبسه أقنعه بفك إضرابه عن الطعام تمهيدا لخروجه خلال أيام، وقد لا يقتصر الأمر عليه بل سيشمل معتقلين آخرين.
 

الخسائر التي تعرض لها النظام في هذه القمة تصب مباشرة كمكاسب لمعارضيه الذين نجحوا في فرض قضية المعتقلين على أجندة القمة رغم أنها قمة خاصة بالمناخ. أعرف أن جهودا كبيرة بذلها نشطاء وحقوقيون مصريون على مدار الشهور الماضية للتنسيق مع منظمات حقوقية ونشطاء دوليين شاركوا في القمة لعرض الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في مصر، وهو ما حدث بالفعل، سواء في كلمات بعض القادة والمتحدثين أو بعض الندوات والتظاهرات، ولم يستطع ممثلو النظام المصري تقديم ردود مقنعة على تلك الاتهامات، ولم يجد وزير الخارجية المصري سامح شكري ردا سوى أن هذا مؤتمر للمناخ وليس لحقوق الإنسان.

لكن المعارضة سجلت في مرماها هدفا بدعوة غير ناضجة للتظاهر على هامش قمة المناخ؛ أطلقها بعض نشطائها المقيمين في الخارج ولم تلق استجابة لأسباب مختلفة، لكن أبواق النظام حسبتها هزيمة للمعارضة وهللت لها، والحقيقة أن تلك الدعوة التي لم تتبنها أي حركة أو كيان معارض، ورغم أنها أربكت النظام وأجهزته الأمنية والإعلامية منذ إطلاقها، إلا أنها تسببت في حالة إحباط شعبية جديدة تحتاج لبعض الجهود لإزالتها.

والسؤال الآن: ما هي ملامح المشهد السياسي المصري المتوقعة بعد انتهاء القمة؟
 

قد يعتقد النظام أنه خرج من القمة منتصرا بما حققه من دعم دولي سياسي أو مالي، ولكنه يستشعر في الوقت نفسه جرحا أصابه من تحركات معارضيه الوطنيين وداعميهم الدوليين، ولذا فقد يضمر لهم نوايا انتقامية بعد انتهاء القمة وعودة الوفود إلى بلدانها. ولا تأبه المعارضة كثيرا بهذا الانتقام الذي لم يتوقف أصلا، لكن رد فعل النظام سيكون محكوما باعتبارات أخرى؛ أهمها الحوارات والتفاهمات التي جرت مع بعض القادة وخاصة الجانب الأمريكي بعيدا عن الأضواء، فالإدارة الأمريكية اعتمدت أسلوبا جديدا في التعامل مع نظام السيسي عبر حوارات الغرف المغلقة مع عدم إحراجه علنا بمطالب عن الديمقراطية. وقد ترك بايدن السيسي نفسه يتحدث عن حقوق الإنسان في لقائهما الأخير في شرم الشيخ، وكان واضحا أن ذلك بترتيب مسبق، وسيكشف تعامل النظام مع المعارضة عن طبيعة تلك التفاهمات، ومن ذلك الموقف من الناشط علاء عبد الفتاح وغيره من السجناء السياسيين.

المعارضة من ناحيتها مطالبة بإعادة تقييم موقفها، وطرح بدائل متنوعة للتعامل مع حالة الانسداد السياسي، وبما أن الانتخابات الرئاسية ستكون بعد عامين فهي فرصة للمعارضة للاستعداد لها من الآن، بمرشح توافقي وبرنامج وطني، والضغط باتجاه تحويلها إلى معركة سياسية حقيقية

قد تفرز التطورات مرشحين أقوياء آخرين من خارج المعارضة أو من رموز نظام مبارك، أو عسكريين سابقين، وهذا لا ينبغي أن يكون مزعجا لأحد، بل الصحيح أنه سيكون مفيدا في فرض مشهد انتخابي جاد.

سيرد البعض بأن السيسي لن يسمح بانتخابات جادة، وأنه سيلاحق أي مرشح قوي محتمل، وهذا غير مستبعد فعلا، ولكنه لا ينبغي أن يخيف المعارضة ويبقيها حبيسة مقراتها، كما أن الأوضاع قد تتدحرج باتجاه حلحلة إجبارية على غير هوى السيسي نفسه، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية ورغبة بعض حلفاء النظام في الداخل أو الخارج في هذه الحلحلة التي تخفف عنهم بعض الأعباء. وبشكل عام فإن واجب المعارضة هو الاستعداد، فأساس شرعية وجودها هو التنافس على السلطة فإن لم تفعل فلتحل أحزابها ولتحمل عصاها وترحل.

وأخيرا، فإن هذا العمل السياسي ليس إغلاقا للباب أمام التغيير الثوري الذي سيكون دوما البديل المر في حال انسداد طرق الإصلاح السياسي.

………….

نقلا عن “عربي 21”