بعد مصافحة السيسي وأردوغان.. موقع المعارضة المصرية في مستقبل العلاقات مع تركيا

- ‎فيأخبار

هناك إجماع بين الخبراء والمحللين على أن تطبيع العلاقات المصرية التركية سيكون بوتيرة أسرع بعد المصافحة الشهيرة التي جرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي زعيم وقائد الانقلاب العسكري؛ على هامش حفل افتتاح كأس العالم قطر 22 بالعاصمة القطرية الدوحة  مساء الأحد 20 نوفمبر 2022م.

وقد كشفت صحيفة "حرييت" التركية عن خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين الدولتين خلال الأيام والشهور المقبلة، تتضمن الخطوات التالية:

أولا، ساهمت المصافحة الشهيرة في تجاوز عقبة كبرى بين البلدين، وأنه جرى التوافق بين أردوغان والسيسي على أن تكون المصافحة ، بينهما بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

ثانيا، الخطوة المقبلة ستكون بعقد اجتماع رسمي بين وزيري خارجية البلدين،  وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو عقد محادثات ثنائية مع نظيره المصري سامح شكري على هامش بعض الاجتماعات الدولية، ومع ذلك لم يعقد بينهما اجتماعات ثنائية رسمية، ومن المتوقع عقد لقاء رسمي بينهما.

ثالثا، بعد اجتماع وزيري الخارجية، سيتبادل البلدان تعيين سفراء بينهما، حيث يمثل البلدان حاليا على مستوى القائم بالأعمال في القاهرة وأنقرة، والسفير التركي الجديد سيقدم كتاب اعتماده من أردوغان إلى السيسي؛ في إشارة إلى أن ذلك يعني بشكل مباشر  اعترافا تركيا بشرعية نظام الانقلاب المصري، وبعدها سوف يتحقق التطبيع الكامل للعلاقات.

رابعا، يعتزم البلدان التوقيع على اتفاقية الطاقة، التي تم دراستها بالتفصيل، مع التطبيع الكامل. ويشير المسؤولون إلى أنه إذا تم توقيع اتفاقية الولايات البحرية بين البلدين، فإن الورقة الرابحة لليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط ستضعف.

وتؤكد الصحيفة أن التوتر السياسي بين البلدين لم يؤثر على العلاقات التجارية بينهما؛ لكن مع التطبيع الكامل سوف يزداد حجم التبادل التجاري بينهما بشكل أكبر. وحسب الصحيفة التركية فإن شركة  أرتشيلك، وهي شركة تركية لإنتاج الأجهزة الكهربائية الاستهلاكية والإلكترونية المنزلية، تستهد لاستثمار مهم في مصر؛ مشيرة إلى أن الاستثمارات التركية أوجدت فرص عمل لـ60 ألف شخص في مصر التي تمر بأزمة اقتصادية، وشهدت العلاقات التجارية بين البلدين قفزة  ملموسة منذ سنة 2020م؛ فقد أقدمت تركيا على سلسلة من الخطوات للتقارب مع مصر، من بينها زيادة قيمة الصادرات، لتبلغ عام 2021 نحو 4.5 مليار دولار، بزيادة 44.2%، مقارنة بـ2020 في حين بلغت قيمة وارداتها من مصر 2.2 مليار دولار بزيادة 28.4%.

ومصافحة السيسي وأردوغان يمكن أن تعتبر خطوة لاستعادة الحوار؛ لأن هناك خلافات كثيرة وعميقة في رؤية البلدين لقضايا بالغة الأهمية، منها الوضع في ليبيا وأمن  ثروات المتوسط ، بالإضافة إلى ملف المعارضة المصرية والعلاقات المصرية مع نظام الأسد في سوريا.

 

الموقف من المعارضة المصرية

هذا الملف تحديدا استجابت فيه أنقرة لكثير من طلبات الجانب المصري؛ فقد تم تهميش المعارضة المصرية هناك، وتم وضع قيود صارمة على الفضائيات التي كانت تناهض نظام السيسي؛ حتى أُجبرت على البث من دول أخرى؛  كما ألزمت الحكومة التركية رموز المعارضة المصرية السياسية والإعلامية وحتى النشطاء السياسيين على وقف أي هجوم على مواقع التواصل الاجتماعي على النظام العسكري في مصر، وكان آخر هذه المواقف احتجاز الإعلامي حسام الغمري عندما انتقد بشدة نظام السيسي ، ودعا إلى التظاهر ضده، كما اعتقل نجله الطالب في كلية الهندسة على يد سلطات الانقلاب في مصر.

ورغم تصريحات الإخوان على الدوام أنهم يحترمون الدولة التركية، ولا يمكن أن يقوموا بأفعال تضر مصالح أنقرة،  وإيمانهم بأن الدولة التركية في عهد الرئيس أردوغان لن تسمح بتسليمهم إلى نظام الجنرال السيسي؛  إلا أن كثيرا من المعارضين المصريين آثروا ـ أمام هذا التضيق التركي ــ الرحيل عن أنقرة متجهين إلى بلدان أخرى يمارسون فيها دورهم وجهادهم ضد ظلم السيسي وطغيانه على نحو أفضل، وأكثر أمنا وحرية؛ شاكرين للحكومة التركية إيواءهم على مدار السنوات الماضية.

ورغم ذلك فتركيا حتى اليوم لم تسلم رموز المعارضة من الساسة والإعلاميين اللاجئين بها إلى نظام السيسي، على أمل تحقيق شيء من التوازن بين المصالح المتمثلة في التقارب مع نظام السيسي، والقيم والمبادئ المتمثلة في نصرة المظلومين وضحايا الاستبداد والطغيان. لكننا لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن تثبت هذه المعادلة وذلك التوازن الدقيق بين القيم والمصالح أمام ضغوط أجهزة السيسي التي تطالب أنقرة على الدوام بتسليم رموز معارضة، لا سيما وأن الرئيس أردوغان مندفع في تبني فلسفة المصالح، وهو اتجاه لا يمكن التنبؤ  بمداه وحدوده في التنازل والرضوخ لضغوط الطرف الآخر؛ فما كان يراه أردوغان قبل سنوات يخالف هذه القيم والمبادئ فعله اليوم، وما كان يعاير به الغرب قبل سنوات في انحيازهم لطغيان السيسي رغم جرائمه الوحشية وانتهاكاته المتواصلة لحقوق الإنسان، ها هو يفعل اليوم نفس السلوك ويتبني ذات الفلسفة، ثم يضع يده في يد الرجل الذي تلطخت يداه بدماء الآلاف من المسلمين الأبرياء.

إضافة إلى ذلك فإن عملية التقارب بين السيسي وأردوغان قد تضر بالرئيس التركي على المستوى الداخلي؛ فقد يخسر نسبة من الأصوات التي كانت تؤيده على الدوام في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد شهور في منتصف 2023  بسبب هذا الموقف الذي يرون فيه تخليا عن مساند المظلومين، بينما يمكن أن تتسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع نسبة التضخم في خسارة أردوغان نسبة أخرى من الأصوات؛ ولا ننسى أن الرئيس التركي فاز في الانتخابات الماضية بفارق طفيف قد لا يزيد عن 2% فقط؛ الأمر الذي يجعل مستقبل من تبقى من رموز  وعناصر االمعارضة المصرية وعلى رأسهم الإخوان  في تركيا محفوفا بالمخاطر من كافة النواحي؛ وبالتالي يتعين عليهم البحث عن ملاذ أكثر أمنا وحرية في ظل هذا الوضع المعقد والمتشابك والغامض.