بعدما حوّل السفاح منصة العدالة إلى مسرح للعرائس.. “الدستورية” تتغزل في حياد السيسي!

- ‎فيتقارير

طوال سنوات الانقلاب التسع الماضية، أصدرت الدوائر القضائية بمصر أحكاما قضائية عديدة بالإعدام والحبس لمدد طويلة توازي أعمار أمم كاملة، حيث بدت تلك الأحكام كأنها أحكام انتقامية، وبدا هؤلاء القضاة كسوط في يد الجنرال السفاح يجلد به جميع خصومه، بل الشعب المصري كله، ورغم ذلك خرج المستشار بولس فهمي إسكندر، رئيس المحكمة الدستورية العليا، مادحا ومغازلا للسفاح السيسي وزاعما أن الجنرال القاتل لا يتدخل نهائيا في أي عمل تباشره السلطة القضائية.

ويظهر السؤال كيف رضت السلطة القضائية التي طالما ادعت النزاهة والشموخ أن يصدر عنها تلك الأحكام وتسمح بالاعتداء على قواعد العدالة والنزاهة ويصبح الواقف أمامها مفقودا والخارج من بين أصابعها مولودا، وهو ما يجعلنا نتساءل، هل صدق المستشار بولس فهمي فيما يقول أم أنه يجامل الجنرال الذي وضعه على أعلى كرسي قضائي في مصر؟

 

دور الدستورية الانقلابي

في الرابع من يوليو 2013 أقسم المستشار عدلي منصور اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا لمصر لحين انتخاب رئيس جديد، وفق ما نصت عليه خارطة الطريق التي أعلنها المجلس العسكري بقيادة السفاح السيسي في بيان انقلابه على الرئيس الشهيد محمد مرسي.

وكان منصور عضوا في المحكمة الدستورية منذ عام 1992، وأصبح رئيسا لها في 30 يونيو 2013، أي في اليوم نفسه الذي انطلقت فيه التظاهرات المطالبة برحيل مرسي عن السلطة، وقد أدى اليمين الدستورية رئيسا للمحكمة في الرابع من يوليو 2013 قبل أداء اليمين الدستورية رئيسا للبلاد بدقائق معدودة.

بيد أن هذه المشهد الذي يعتبر مشهدا هزليا في تاريخ الدول وتاريخ القضاء، لم يأت مصادفة، بل تم الترتيب السابق له، فبعد أن لعبت المحكمة الدستورية العليا، ومعها كثير من القضاة في مقدمتهم رئيس نادي القضاة أحمد الزند، دورا مهما في التمهيد للانقلاب.

استغلت الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية ما تتمتع به من استقلال في اختيار رئيسها وعقدت اجتماعا في 19 مايو 2013، أي قبل شهر ونصف الشهر من الانقلاب وأيضا من موعد انتهاء ولاية رئيسها المستشار ماهر البحيري، ثم اتفقت على تعيين المستشار عدلي منصور النائب الأول لرئيسها رئيسا للمحكمة بدءا من أول يوليو 2013 خلفا للبحيري لبلوغه السن القانونية للتقاعد.

وافق الرئيس الشهيد محمد مرسي على اختيار الجمعية العمومية وفقا للتعديل الذي أُجري على قانون المحكمة بالمرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2011 الذي نص على أن "يُعيّن رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة" وهو القانون الذي غيّره السفاح السيسي لاحقا.

قبل ذلك بنحو عام، وتحديدا في يوليو 2012، عندما أصدر الشهيد مرسي قراره بعودة مجلس الشعب للانعقاد، أعلن المستشار أحمد الزند أن نادي القضاة قد أمهل الرئيس الشهيد مرسي 36 ساعة لإسقاط قرار عودة المجلس، وأعلن أن القضاة طالبوا مرسي بالاعتذار صراحة وبوضوح تام للشعب المصري والسلطة القضائية عما حدث، وتابع الزند مصرحا أن "القضاة لن يُطبقوا أي قانون يصدر عن مجلس الشعب المنحل، ولن يعبأوا به لأنهم لن يُطبقوا قانونا باطلا".

وقبلها صرح الزند أن القضاة لن يُطبّقوا القوانين التي يُصدرها برلمان الإخوان، أما في 21 نوفمبر 2012 فقد أصر القضاة على ضرورة سحب الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2012 بتحصين قرارات الرئيس ضد الرقابة القضائية والتي كانت تعمل على عرقلة عمل المؤسسات المنتخبة بشكل واضح.

كما اعترضوا على قرار عزل النائب العام، وهدد القضاة بتعليق العمل بالمحاكم، وعدم الإشراف على الانتخابات، والاعتصام بنادي القضاة، وقد اعترفت القاضية الوحيدة في المحكمة الدستورية العليا تهاني الجبالي في 3 أغسطس 2012 في صحيفة أمريكية بأنها نصحت المجلس العسكري بألا يسلم السلطة للمدنين قبل إصدار الدستور الجديد.

 

العسكر يحتلون المنصة

مع بداية عام 2013 انخرط القضاة في التحريض السياسي على الرئيس الشهيد مرسي، بل وشاركوا في أعمال تُمهد الطريق للانقلاب العسكري، حيث أكد المستشار أحمد سليمان وزير العدل السابق أن أحمد الزند ومعه محمد عبد الرزاق ومحمد عبد الهادي فتحوا أبواب نادي القضاة لحركة "تمرد" لتوقيع استمارات انضمام القضاة إلى الحركة في سابقة لم تحدث في تاريخ القضاء المصري، ما يُعد اشتغالا صريحا بالسياسة".

وفي 27 إبريل من العام 2017 صادق السفاح السيسي على قانون رقم 13،  المعروف بقانون ” السُلطة القضائية“، والذي أعطى الرئيس حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وهو ما أثار غضب القضاة، حيث أعلن نادي القضاة رفض القانون، واعتبروه مخالفا لأحكام الدستور، وانتهاكا لاستقلال القضاء، كما أعلن نادي قضاة مجلس الدولة عدم إشراف القضاء على الانتخابات البرلمانية مستقبلا، كما رفض مجلس القضاء الأعلى القرارات.

الجدير بالذكر أن السفاح  السيسي أصدر في يونيو 2019 القانون رقم 77  بتعديل قوانين إعادة تنظيم هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة والسلطة القضائية ومجلس الدولة، والخاص بتعديل طريقة اختيار رؤساء تلك الهيئات، حيث يُتيح القانون للجنرال القاتل تعيين رؤساء تلك الهيئات بالاختيار من أقدم 7 نواب لمدة 4 أعوام، كما يتيح القانون للرئيس تعيين النائب العام من بين ثلاثة مرشحين لمدة أربعة أعوام.

وفي يوليو 2015 أصدر السفاح السيسي القانون رقم 89 الذي يمنحه الحق للمرة الأولى بإعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية من مناصبهم، وهي صلاحيات لم تُعطَ لأي رئيس سابق.

وجاء القانون بعد تصريحات لهشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، قال فيها إن "المبالغ المفقودة بسبب الفساد بلغت 600 مليار جنيه مصري بين عامي 2012 و2015، فيما أعلن السفاح السيسي لجنة للتحقيق في التصريحات انتهت بأنها مبالغة، وأن الفساد 6 مليارات وليس 600 مليار كما يدعي جنينة".

أعقبها السفاح السيسي في مارس 2016 بقرار إعفاء جنينة من منصبه، وفي 28 مارس أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارا بالقبض عليه، وفي فبراير 2018 اعتقل على إثر تصريحات قال فيها إن "الفريق سامي عنان يملك وثائق تدين قيادات في مصر بشأن الأحداث منذ ثورة 25 يناير، وفي إبريل من العام نفسه حكمت المحكمة العسكرية عليه بالسجن 5 سنوات".