قال ورقة إن “الأجهزة العسكرية والأمنية تدرك أن نموذج السيسي قد فشل، لكنها في ورطة كبرى بشأن البديل والطريقة التي يمكن بها الإطاحة به والبدء من جديد وفق منظومة جديدة وسياسات جديدة”.
وكشف الورقة التي سجلها موقع الشارع السياسي بعنوان ” التعويم القادم للجنيه بالصدمة أم بالاستنزاف؟ وما التداعيات المحتملة؟” أن سياسة الحفاظ على النظام من التآكل بتغيير رأسه كما جرى مع مبارك، بات حلا لا يجدي؛ فالتغيير الذي ينقذ البلاد يستلزم تغيير السياسات والأشخاص”.
واستندت في ذلك إلى رؤيتين من جهة واحدة “مقال عماد الدين أديب في 14 أغسطس 2022 عن سقوط بعض الأنظمة العربية خلال الشهور المقبلة على مقاس نظام السيسي تماما؛ وهو في ذلك لا يعبر عن وجهة نظره بل الراجح أنه ينقل وجهة نظر وتحذيرات بعض الأجهزة في الدولة والتي ترى أن مآل نظام السيسي مع بقاء ذات السياسات هو السقوط الحتمي، وهو عين ما توصلت إليه مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تحليل للكاتب ستيفين إيه كوك”.
معاناة قريبة
وخلصت الورقة إلى أن معاناة مصر تتمثل في حاجتها إلى “40” مليار دولار سنويا لسد العجز في الميزان التجاري، وتحتاج نحو 35 مليار دولار سنويا لسد فوائد وأقساط الديون؛ معنى ذلك أن مصر تحتاج نحو 75 مليار دولار سنويا لسد العجز في العملة المحلية في ظل تراجع موارد الدولة وإهدار الأموال على مشروعات إنشائية بلا أي جدوى اقتصادية”.
وقال الورقة إن “مصر كانت مرشحة لتعويم ثالث في (2022) وأنه قد يكون العام المقبل (2023) مرشحا لحدوث عدة تخفيضات أخرى لقيمة الجنيه حتى ينهار؛ فما الذي يمنع ذلك؟ وهل يملك نظام السيسي أي أدوات تمكنه من وقف هذا السيناريو؟ فالأدوات التي تملكها مصر قد تؤجل هذا السيناريو لكنها أبدا لن تتحاشاه”.
المسألة الاقتصادية
وعن الحل في المعضة الاقتصادية فأشارت الورقة إلى حل عبر طريق الإصلاح سياسى يفك القيود، ويفسح المجال للخيال والمبادرة، وللعمل الجماعى والفردى والاستفادة من كل طاقات الوطن المعطلة لأسباب سياسية بحتة.
وأضاف أنه حتى ذلك الحين (الإصلاح السياسي) ستبقى مصر تنزف وسيبقى الجنيه يواصل تراجعه أمام الدولار وكل عملات الأرض، وسيتواصل الغلاء بلا توقف ويرتفع التضخم إلى مستويات جديدة كل يوم، وستتضخم الديون؛ لأن النظام لن يتوقف عن الاقتراض، وسيتحول التعويم وخفض الجنيه أمام الدولار من سياسة التعويم بالصدمات إلى التعويم بالاستنزاف؛ بمعنى أن الجنيه سيواصل هبوطه باستمرار وسوف يبقى ينزف وينزف لأن مصر بلد هشة تأكل من زرع غيرها وترتدي ملابس مصنوعة بالخارج وسيارات مستوردة وكل شيء تستورده من الخارج؛ فهل لمثل هذا البلد فرصة في النهوض أو التقدم؟
إغراق البلاد
ورجحت الورقة أنه “أمام هذا الوضع المعقد، فإن استمرار الوضع على ما هو عليه بنفس السياسات والأشخاص كفيل بإغراق البلاد في فوضى كبيرة؛ لأن التدهور سوف يستمر والغلاء سوف يتواصل والركود سوف يمتد والأسواق ستبقى مرتبكة على الدوام؛ حتى تصل الأوضاع إلى نقطة الانفجار”.
وتوقعت الورقة أن تحدث هذه الانتفاضة في أي وقت لسبب تافه أو بسيط لأن عوامل الانفجار ومسبباته توافرت بشدة؛ ومع كثرة الجريمة وتفشي الفقر والجوع سوف يفقد النظام سيطرته على البلاد؛ وهو سيناريو كارثي في كل الأحوال.
أزمة الديون
وعن الوجه الثاني للأزمة الاقتصادية، لفتت إلى أزمة الديون؛ وأنه لأول مرة في تاريخ مصر يصل حجم الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار بنهاية مارس 2022م حسب بيان البنك المركزي المصري، وهو الرقم الذي ارتفع بشدة بنهاية 2022 وقد يتجاوز الـ180 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي ومؤسسات دولية فإن مصر مطالبة بسداد أعباء ديون خارجية تقدر بنحو 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري (2022/2023) فقط ، وهو رقم مهول، بحسب الورقة.
فمصر مطالبة بسداد الديون التي اقترضها السيسي بعد سنوات انقلابه العجاف؛ والتي تصل إلى 129 مليار دولار كديون طويلة الأجل، ونحو 26.6 مليار دولار كديون قصيرة الأجل تسدد خلال السنتين المقبلتين فقط. هذا بخلاف الديون الجديدة التي اقترضها بعد مارس 2022م والتي تزيد عن 20 مليار دولار معظمها لدول الخليج.
ولأول مرة في تاريخ مصر أيضا تصل قيمة فوائد وأقساط الديون وفقا لأرقام الموازنة العامة للدولة (2022/2023) إلى مستوى أعلى من كل إيرادات الدولة؛ فالإيرادات المتوقعة نحو 1.517 تريليون جنيه، بينما بند خدمة الدين 690.1 مليار جنيه أقساط+ فوائد 965.48 مليارا =1,655 تريليون جنيه .
ورجحت أن جميع إيرادات الدولة لا تكفي لبند خدمة الدين فقط، علاوة على ذلك فإن القروض المتوقعة لسنة 22/23 وفقا لأرقام الموازنة العامة ، تصل إلى تريليون و523 مليارا و639 مليون جنيه، بزيادة تبلغ 455 مليارا و131 مليون جنيه عن السنة الماضية. ليس ذلك فقط، فالحكومة أيضا تخفي أرقام الدين المتعلقة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالا من دول ومؤسسات أجنبية بضمان من وزارة المالية، على غرار المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات في العاصمة الجديدة شرق القاهرة.
السيسي وجه الأزمة
وعن دور السيسي في أزمة الدولار؛ قالت إن “مشرع تفريعة القناة 2014/2015 أهدر 8 مليارات دولار، ثم أهدر مئات المليارات من الدولارات على بناء المدن الجديدة والعاصمة الإدارية، لكن القاصمة كانت في تبني سياسات صندوق النقد الدولي”.
وأوضحت أن الاتفاق الذي جرى في نوفمبر 2016م ثم تراجع قيمة الجنيه إلى النصف وتآكل مدخرات المواطنين بنفس القيمة (النصف)، أفقدت المصريين الثقة في الجنيه؛ وراحوا يدخرون أموالهم في العقارات والأرض والذهب والدولار، لا سيما بعد الخسائر الهائلة التي تعرض لها المواطنون والمكاسب الهائلة التي حققها الكانزون للدولار بعد تعويم 2016.
وأبانت بذلك سبب شن النظام حربا ضروسا على العقارات وزاد الضريبة العقارية ومنع البناء وهدم آلاف المنازل المخالفة، وعرقل عمليات البيع والشراء في الأراضي.
ولفتت إلى أن تصريحات الحكومة في 2021 حول إلغاء دمغة الذهب العادية والاعتراف فقط بدمغة الليزر؛ فلم يعد أمام الناس سوى «الدولرة» وهي الادخار بالدولار، وعادت السوق السوداء من جديد، هذه السياسات هي التي دفعت كل المصريين دفعا نحو اكتناز الدولار وعدم التفريط فيه؛ فشح في الأسواق وصنع النظام أزمته بنفسه.