عقب أزمة مستشفى 57357 أعلنت عدد من المؤسسات والجمعيات والمستشفيات الخيرية أنها تواجه أزمة نقص التبرعات ، ما يهدد باستمرار تقديم الخدمات المجانية التي كانت تقدمها طوال السنوات الماضية .
وأرجعت هذه المؤسسات سبب الأزمة التي تعانيها إلى انهيار الاقتصاد المصري وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المصريون في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي ، ما أدى إلى تقلص التبرعات وأموال الزكاة التي كانت توجه لعلاج المرضى الغلابة وغير القادرين .
وكشفت أن هناك ضغوطا كثيرة من عصابة العسكر تحول دون استمرار المستشفيات والجميعات الخيرية في أداء عملها وخدمة المحتاجين .
يشار إلى أن مصر تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب خضوع السيسي لإملاءت صندوق النقد والبنك الدولي ، ما أدى إلى أن أكثر من 70 مليون مصري أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر ، وهو ما يعني أنهم عاجزون عن الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية .
وتهدد هذه الأزمة بإغلاق أكثر من 600 مؤسسة من المنظمات والمؤسسات الخيرية، حيث شكلت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة خطورة على شريان وجودها المتمثل في التبرعات، بخلاف ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية والمواد الغذائية وارتفاع مستوى التضخم.
مستشفى 57357
في هذا السياق شهدت الفترة الماضية، إعلان أكثر من مؤسسة عن أوضاعها المالية الصعبة، كان آخرها مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، والذي نزل كالصاعقة على آذان المصريين، وجعل اسم المستشفى؛ يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، من خلال نشر آلاف البوستات والمنشورات الداعمة لها، والتي تحث الناس على التبرع للمستشفى، لدعم علاج الأطفال من مرضى السرطان .
وكشفت تصريحات القائمين على مستشفى 57357، أن التبرعات في الأشهر الـ6 الماضية انخفضت بنسبة تراوحت بين 80 و88% مقارنة بها في الفترة نفسها من الأعوام السابقة، وهو ما دعا المستشفى إلى اتخاذ قرار بفك آخر وديعة يملكها من أجل الإنفاق على علاج المرضى، وهذا التدبير لا يكفي سوى عام واحد فقط.
الغريب أن حكومة الانقلاب رغم أنها السبب الرئيسي لهذه الأزمة التي يعاني منها مستشفى سرطان الأطفال 57357، وكل الأزمات التي تواجه مصر والمصريين إلا أن نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي بحكومة الانقلاب زعمت أنها سوف تساند المستشفى بكل قوة، عن طريق توقيع بروتوكول لدعمه بمبلغ 75 مليون جنيه ، ما أثار انتقادات المراقبين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين أكدوا أن علاج المصريين مسئولية دولة العسكر ، كما أن انهيار هذه المستشفيات وإلغاء العلاج المجاني هو مسئوليتها أيضا.
مرسال
لم تكن واقعة مستشفى سرطان الأطفال، هي الأولى، التي تشير إلى حجم الخطر الذي تعيشه تلك المؤسسات، ولكن سبقتها مؤسسة أخرى، تعد من أشهر المؤسسات الخيرية التي تعمل في المجال الطبي والصحي ، حيث توفر الخدمات الطبية للمواطنين بالمجان وهي مرسال.
ففي نوفمبر الماضي، ناشدت مؤسسة مرسال للأعمال الخيرية المتبرعين لضرورة إرسال تبرعات فورية وذلك لعدم إيقاف أي أدوية أو علاجات أو خلافه من الأمور الطبية، لتطلق بعدها وسيلة إعلامية شهيرة حملات لجمع التبرعات.
وأشارت هبة راشد مؤسسة ومديرة جمعية مرسال ، إلى أن هناك أكثر من 2000 مريض بأمراض مستعصية وحالات حرجة يحصلون على علاجهم الشهري من مرسال.
الجمعية الشرعية
وقال علي عبد العزيز، رئيس فرع الجمعية الشرعية بالشرابية، إن "كل الجمعيات الخيرية التي تعتمد على التمويلات الذاتية والتبرعات تأثرت بالأزمة الاقتصادية الحالية ، مشيرا إلى أن عدد المتبرعين لديه تراجع بنسبة تزيد عن 25%".
وأضاف عبد العزيز في تصريحات صحفية أن الأزمة لا ترتبط فقط بقلة التبرعات، ولكن في ازدياد عدد الأسر المحتاجة خلال السنوات الآخيرة ، مشيرا إلى أن الجمعية تضطر في هذه الحالة للعمل على الأولويات الملحة، كالأسر المعدومة، ومن لا يملكون أي معاش، أو من يقل معاشهم عن 500 جنيه، بعدما كان يتم ضم من يصل دخلهم لـ1500جنيه ومساعدتهم.
وأكد أن الأزمة التي يواجهونها اضطرتهم إلى تقليص المساعدات وتخفيضها ، مشيرا إلى أن هناك حالات كثيرة تستحق المساعدة لكنهم أصبحوا الآن عاجزين عن مساعدتها بسبب الظروف الاقتصادية غير المسبوقة".
الأورمان
وقال ممدوح شعبان، رئيس جمعية الأورمان، إنه "بشكل عام بسبب الحالة العامة من الممكن أن تكون التبرعات ليست على القدر الأمثل خاصة أن المجتمع المدني مطلوب منه القيام بأدوار كثيرة، ولكن في الوقت ذاته نتمنى أن تكون مجرد أزمة وتمر ثم تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه".
وأضاف شعبان في تصريحات صحفية أن التبرعات قلت عن المتوقع رغم زيادة المهام والنشاط بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، مشيرا إلى أن الأورمان حققت من 80 لـ85% من مستهدفاتها المخططة لها خلال العام 2022 على الرغم أن الأعوام الماضية كانت تزيد عن 110% أحيانا.
واعترف بتراجع معدلات الأنشطة وتقليص بعض المساعدات للمستحقين الذين يعتمدون على الجمعية .
36 ألف جمعية
وأكد طلعت عبد القوى، عضو الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية، أن كل الجمعيات حتى الجميعات المشهورة تأثرت سلبا بالتغيرات العالمية والمحلية، بشكل أو بآخر الأمر الذي أثر بالسلب على التمويل داخليا وخارجيا، في ظل ارتفاع أسعار الخامات ونقص الدولار لافتا إلى أن هذه الصعويات لا تقتصر على مستشفى 57357 فقط، لكنها تشمل كل المؤسسات الخيرية .
وقال عبد القوي في تصريحات صحفية إن "مصر بها حوالي 36 ألف جمعية، مشيرا إلى أن الجميعات التي تحصل على تبرعات عددها ليس بالكثير ، حيث لا يزيد عددها عن 1000 جمعية".
وأضاف، الحل سيكون في البحث عن مصادر أخرى كصندوق دعم الجمعيات، أو زيادة الاشتراكات، مشيرا إلى أن الصندوق من الممكن أن يدعم مشروعات الجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى دعم رجال الأعمال والمجتمع المدني .
ضغوط كثيرة
في المقابل، رفض الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله الربط بين الوضع الاقتصادي المتدهور، وتراجع التبرعات المقدمة إلى الجمعيات الخيرية.
وقال جاب الله في تصريحات صحفية إن "حجم الودائع في البنوك المصرية يتجاوز 6 تريليونات جنيه، وهو ما يستحق معه أموال زكاة ضخمة بخلاف الصدقات مستبعدا مسألة تراجع التبرعات".
وأكد أن هناك أزمات كثيرة وضغوط على هذه الجميعات والمؤسسات الخيرية لوقف أنشطتها رغم احتياج المجتمع الشديد لها .