الذكرى 27 لميلادها .. أسماء البلتاجي فراشة الثورة

- ‎فيلن ننسى

يمر 3 يناير ليذكرنا بميلاد فراشة الثورة الشهيدة أسماء البلتاجي، طالبة أنهت الإعدادية وتستعد للالتحاق بالثانوية العامة، تحلم أسرتها أن تواصل مسيرة والدها بدخول كلية الطب، ولكن برصاصة قناص غادر استشهدت بمذبحة فُض رابعة في 14 أغسطس 2013، وقتل العسكر أحلامها وطموحاتها انتقاما من والدها القيادي الدكتور محمد البلتاجي المعتقل بسجون العسكر وصاحب المحكوميات العالية الظالمة ومنها حكم بالإعدام في فض رابعة.

ورزقت أسرة البلتاجي في 3 يناير 1996 بالشهيدة -بإذن الله- أسماء البلتاجي، ابنة وحيدة بين أربعة أشقاء ذكور، متفوقة دراسيا وتحقق المركز الأول على مستوى الإدارة في الشهادة الابتدائية والإعدادية وتوفيت قبل الالتحاق بالشهادة الثانوية، وذات وعي سياسي بالحرص على أن تشارك في كل الفاعليات.

وفي ذكرى ميلادها كتبت والدتها سناء عبد الجواد المقيمة بتركيا صباح اليوم تحت عنوان ذكرى ميلاد فراشتنا الجميلة، لم ولن ننسى شهداءنا ، في الفردوس الأعلى إن شاء الله.

ونشرت قصيدة رثاء لأخيها عمار البلتاجي يرثي شقيقته الشهيدة أسماء بقصيدة تحت عنوان على هامش الوجود ، أو حافة الخلود”.
تذكرين ، كنتِ في السادسة إلا قليلا ، عدت بكِ من الحضانة البعيدة ، سألتكِ  هل تذكرين اليمامة ؟

أبكيك لو نفع الغليل بكائي

وأقول لو ذهب المقال بدائي

وأعوذ بالصبر الجميل تعزيا

لو كان بالصبر الجميل عزائي

طورا تكاثرني الدموع وتارة

آوي إلى أكرومتي وحيائي

كم عبرة موهتها بأناملي

وسترتها متجملا بردائي

أبدي التجلد للعدو ولو درى

بتململي لقد اشتفَى أعدائي

ما كنت أذخر في فداك رغيبة

لو كان يرجع ميت بفداء

فَارَقْتُ فيك تماسكي وتجملي

ونسيت فيك تعززي وإبائي

وصنعتُ ما ثلم الوقار صنيعه

مما عراني من جوى البرحاء

ويضيف عمار “كانت توقظني كل صباح بصوتها المتهدج الرقيق بين الكروان والعصفور ، بنت على حافة النافذة عشا دائريا منتظما من القش البني ، كانت يمامة واحدة رافقتنا ورحلت ، بكيتِ أنت يوم اكتشفتِ فقدها .. وواسيتكِ حينها بعصفور رمادي صدته بعد الفجر من شجرة صغيرة على ضفة النيل القريبة، في اليوم التالي طار العصفور ، فأتيت لك بكتكوت أصفر صغير لا يطير .

قد كنت آمل أن أكون لك الفدا

مما ألم، فكنت أنْت فدائي

وتفرق البعداء بعد مودة 

صعب فكيف تفرق القرباء

وأشار إلى حبه الفأل الحسن ، كان أحسنه حين أصبح على وجهك الصبوح يوقظني بخفة ورقة طفولية ضاحكة ، أجمل ليالي تلك التي ذاكرنا فيها سويا ، أجمل ذكرياتي يوم مولدك ، ويوم مولدك الثاني ، حملتك على يدي يوم مولدك ، وحين حملتك على يدي يوم مولدك الثاني اختلطت دمانا مرة أخرى ومست جروحي جرحك الدامي غير أن روحانا لم يكونا معا هذه المرة ، كنت تحلقين في حواصل طير خضر ، وبروحي حينها ما تعلمين ، أحب الناس إلي بعد والدي هو أنت ثم أنت ثم أنت ، غير أني بليت بالكتمان كما تدرين.. تدرين أيضا .. بليتُ بالصمت عن الذكريات .. غير أنها محفورة بعمق لا تفارقني لحظة .. لا أكاد أنسى من ذكرياتي معك شيئا .. هذا الزمان قد استدار داخل قلبي .. حين أبصرت عينيكِ الرماديتين آخر مرة “.

وعن مكان الميلاد وكيف استقبلها كأكبر أخواته، أكمل عمار “بواكير العام 1996  مستشفى اليمامة بالرياض صفرة تميل للبياض من أثر الشمس اللاهبة ، الهلال الأحمر يشير للأعلى على غير طبع الأهلة التي تشير جانبا  عاد أبواي من الحج ، وفي رحم الأم أنت  قضيتِ المناسك وطفت بالأشواط وسعيتِ بلا مشي ، هكذا عجل الله لك أمنيتك قبل منيتك وقبل مولدك .. نولك الله كل تشائين يا حبيبة .. اعذريني قد عرفت خبيئتك وسرك المكنون كان باديا جليا”.

رزءان يزدادان طول تجدد

أبد الزمان فناؤها وبقائي

وأردف “من يوم مولدك الأول ، وحتى مولدك الثاني ، هذه نجوم السماء قد ضلت مواقعها وآثرت أن تصير إلى بين ترابك الزاهي.

وعن مشاعره كتب يا عشق القلب وصفوة الفؤاد وتوأم الروح وقرة العين وسلام النفس وجمال الطفولة ودلال الأنوثة ولطف السماء وحنان الأمومة، هبيني بعض آثارك الندية ، أمهليني ألثم ذكرياتك رضيعة فطفلة فصبية ففتاة ، يا زهرة في الترب بين المقابر ، سأرويك بأدمعي وأحوطك بأنفاسي وأرتمي أطهر روحي بطهر ترابك العبق بالشهادة وأحمل نعشكِ بروحي ، وأرمق بلا دمع بقية الحلم الجميل قد تكحل بالتراب وتخضب بالدم إلى حين يأذن الله ، طبي نفسا ، فالموت فاتحة الخلود ، ومتى مات حزني ووجدي ؛ فالله حي لايموت”.

وختم قائلا “لك الروح ، وخفقان القلب المكلوم  وبقية ما أملك من التجلد والصبر ، يا ويلهم أتوسل إلى الله بحبك يا شهيدة ، نور لي في قبري يارب  من ضياء قبرها الضحوك الوضاء ، أستودعك الرحمن الكريم  يا حبيبتي”.
 

يوم الاستشهاد
وبين يوم الميلاد ويم الاستشهاد 17 عاما ونيف، يومها أخرجت زجاجة ماء من شنطتها وتوضأت وصلت ركعتين قبل استشهادها بوقت قصير.

ولكنها أصيبت برصاصات تم إطلاقها من طائرة هليوكوبتر فأحدثت تهتكا في الصدر والطحال ، مما جعلها تنزف ولم يتمكن الأطباء من إسعافها لشدة النزيف وفارقت الحياة بعد 3 ساعات.

عمار البلتاجي الذي نعاها بمقتطفات من أدب الرثاء حمل جثمانها وذهب به إلى أكثر من ثماني مستشفيات لكنهم رفضوا استلام الجثمان، حيث كانت لديهم أوامر أمنية مشددة بعدم استلام أي حالة من مصابين رابعة والنهضة.

ولما ذهب عمار بأخته لمستشفى الحسين الجامعي وقاموا بوضع الجثمان في ثلاجة المستشفى حتى نقلت إلى مشرحة زينهم، وبعدها بيومين قاموا بصلاة الجنازة على الجثمان.

وعلي الرغم من الرابط القوي بين أسماء ووالدها إلا أنه لم يتمكن من حضور لحظة وداعها الأخيرة ، حيث خرجت من مسجد السلام بمدينة نصر بالقاهرة، وسط مشاركة الآلاف في جنازة وداعها، وأم المصلون أخوها الأكبر عمار البلتاجي، وظلت والدتها تهتف عقب الصلاة وهي في حالة إعياء شديد “ثوار أحرار هنكمل المشوار” ودعت الجميع للثبات، ولكنها عندما ذهبت والدة أسماء البلتاجي لزيارة قبر ابنتها وجدت أن القبر قد تم طمس معالمه وتم نزع الاسم المكتوب عليه.

فراشة أسرتها
الدكتور محمد البلتاجي قدم لابنته رثاء قال فيه  “لقد رأيتك في المنام ترتدي ثياب زفاف وفي صورة من الجمال والبهاء لا مثيل لها في الدنيا حين رقدت إلى جواري ، سألتك في صمت هل هذه الليلة موعد زفافك فأجبتني في الظهر وليس في المساء سيكون الموعد”.

أما والدتها ثناء عبدالجواد فقالت “كانت حياتها كلها لله بالأفعال لا بالكلام ، كانت تتمني الشهادة ، أستاذتي ومعلمتي وأمي ، كنت أجد عندك حنان الأم ورعايتها ، ثم يتمت من بعدك ، شهيدة رحلت عن أبصارنا لكن تظل ذكراها حاضرة دالة كما آثارها الطيبة، أسماء ذكرى طيبة لحياة قصيرة في زمنها، طويلة في أثرها”.

عروس الجنان
ومن المفارقات أن طبيب الأسنان الشهيد عبد الرحمن خالد الديب ميت غمر  دقهلية كان قد تقدم لخطبة أسماء البلتاجي واستشهد في ذات الساعة التي استشهدت فيها ، وكأن إرادة الله كتبت عليهما أن يكونا عروسان يزفان إلي السماء.

ومن جنة الآخرة -بإذن الله- إلى جنة الدنيا حيث بكى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوفاة أسماء البلتاجي وقام بتخليد اسم أسماء فأطلق اسمها على حديقة في ولاية أرض الروم شرق تركيا، ومدخل الحديقة عبارة عن بوابة واسعة أعلى نقطة بها يوضع شعار «رابعة الصمود» الذي انتشر عالميا بعد أحداث فض الاعتصام، يأتي من تحته اسم الحديقة بالتركية مكتوبا بحروف ذهبية “ESMA BARKI”  “حديقة أسماء” وداخل الحديقة يوضع النصب التذكاري الذهبي اللون لأسماء مكتوب عليه بالتركية «ESMA EBiLTACi» أسماء البلتاجي، ثم رثاء لها وتاريخ وفاتها وملابساته.

وكان آخر ما كتبته عبر صفحتها على فيس بوك “هم بيتونا بالوتير هجدا، وقتلونا ركعا وسجدا، وهم أذل وأقل عددا، فادع عباد الله يأتوا مددا ، في فيلق كالبحر يجري مزبدا”.

وكتبت أيضا “لا حق لحي إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات”.
 

https://twitter.com/i/status/1608141951827591169

الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي كتب عبر حسابه على “تويتر”  “الغبار العالق بحذاء أسماء البلتاجي أعلى مقاما من قاتلها ومن مؤيديه، أسماء لم تغب عن أي وقفة كرم، من محمد محمود حتى يوم استشهادها”.

أنس البلتاجي
وتتزامن ذكرى ميلاد أسماء ال27 مع مرور 9 سنوات على اعتقال شقيقها أنس البلتاجي في سجون النظام المصري، وكل جريمته أنه ابن د.محمد البلتاجي، والد الشهيدة أسماء، أسرة أبتيلت وما زالت بدماء واعتقال وتشريد وتدمير، كلهم شهود على ظلم الطغاة الذين لا يعنيهم إلا كراسيهم.