في إعادة إنتاج لنفس مسار الفشل، بعيدا عن الاعتراف بالخطأ وإصلاحه، بدا السيسي غائبا عن واقع المصريين منكرا دوره ونظامه في انهيار الاقتصاد المصري الذي تجاوز حدود الإفلاس، محملا الشعب المسئولية عما آلت إليه مصر من أزمة اقتصادية طاحنة، وقال عبد الفتاح السيسي، الخميس إن "الأزمة التي تعيشها البلاد السبب فيها هو النمو السكاني، وليس فساد الحكومة أو الفساد في الجهاز الإداري" مدعيا أن مناطق الصعيد لم تكن مهملة من الدولة، ولكن الأخيرة لم تكن لديها القدرة على تحقيق نسب التنمية المطلوبة فيها".
وأضاف، خلال افتتاح بعض المشروعات في محافظة سوهاج، الخميس، أنه "لا يوجد تهميش للتنمية في مصر، ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في زيادة عدد السكان".
ويأتي تبرير السيسي الأزمة الاقتصادية الطاخنة التي تعانيها مصر، إثر سياسات السيسي الإنفاقية والفساد المالي والإداري الذي يعشعش في ربوع نظام السيسي القائم على الأمر المباشر وإلغاء وتعديل قانون المنقصات العمومية ليكون بنظام الأمر المباشر، وحجب مليارات الدولارات عن ميزانية الدولة ، سواء في صناديق خاصة لا يعلم عنها الشعب شئيا ، خاضعة لسلطة السيسي فقط، بجانب استيلاء الجيش على مشاريع مصر واقتصادها بصورة فاحشة تجاوزت أكثر من 60% بالأمر المباشر، ما دفع لهروب الاستثمارات والمصريين الأموال من مصر، وأيضا اضطر رجال الأعمال لنقل ملكياتهم ومشاريعهم لصناديق بالخارج، تحوطا من المصادرة والتأميم التي توسع بها السيسي في أموال معارضيه بل ومؤيديه أيضا.
وجاء كلام السيسي عن الزيادة السكانية التي كانت مصدر إلهام وإعجاز دول أخرى كالصين والنمور الأسيوية وغيرها من الدول التي أحدثت طفرات اقتصادية كبيرة، عبر التشغيل والتصنيع وخلق فرص عمل رفعت نسب الإنتاج والإنجاز وحققت النجاح الاقتصادي، وهو ما لا يدركه السيسي العاجز عن الفهم والإدراك واستثمار الفرص، وتحويل التحدي لإنجاز ، لكونه من مجتمع الخمسين بالمائة الذي لا يفهم في الاقتصاد أو إدارة الدول.
كما يتصادم حديث السيسي عن الزيادة السكانية، مع انخفاض أعداد المواليد بمصر خلال سنوات السيسي العجاف، على إثر الفقر والغلاء وضيق المعيشة الذي سببه السيسي.
وتراجع معدل المواليد في مصر بنحو 30% منذ بدء ما عُرف بـبرنامج الإصلاح الاقتصادي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد عام 2016، وما صاحب ذلك من قرارات مثل تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع الدعم عن أسعار بيع الوقود والكهرباء، وتقليص أعداد العاملين في جهاز الدولة، والتوسع في فرض مزيد من الضرائب والرسوم.
وانخفض معدل المواليد من 30.2 مولودا لكل 1000 نسمة عام 2015، إلى 21.2 مولودا في عام 2021، ما ربطه مراقبون بتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين في مصر، وعزوف كثير من الشباب عن الزواج، فضلا عن ارتفاع نسب الطلاق، ومعدلات الجرائم الأسرية، بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة.
خداع وتغييب
وبدا السيسي واهما وبعيدا عن واقع ما تعايشه مصر، حينما قال "وأنا أعلم جيدا قيمة كل قرش ، وما هي الدولة المصرية، وبكم سنكون (قد الدنيا) إن شاء الله".
وتابع "يجب أن نؤمن بأحلامنا، وأن يكون لدينا يقين في إمكانية تطبيقها، وتحويلها إلى واقع ملموس، عن طريق دعم أفكار ومشروعات الشباب، والمشروعات التي تنفذها الدولة في المرحلة الراهنة هي نتاج تغيير مسار التفكير، لأننا لا نملك سوى الحلم والفكرة والعمل والاجتهاد لتحقيق أهدافنا".
وتناسى السيسي أن الجنيه المصري فقد نحو 70% من قيمته وأن أكثر من 45 مليون مصري يرتعون في الفقر والعوز، وأن أكثر من 50 ألف من خيرة شباب مصر يعانون القتل البطئ بسجون السيسي، لا ذنب لهم سوى التعبير عن آرائهم، وأن أحلام السيسي الوردية يدوسها هو تحت أقدام الاستبداد والديكتاتورية، وسط إصرار على التمادي في المشاريع الكبرى التي ليس لها عائدا مباشرا على الاقتصاد، وإن وقت إنشائها المستحق بعد عقود من علاج التخريب الاقتصادي وإقامة المصانع والمشاريع الإنتاجية وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لعموم المصريين وتطوير الصحة والتعليم ، وهو ما بدا منكرا لدى السيسي، الذي كرر تمسكه بمشاريعه وأفكاره التي أهدرت مليارات الدولارات في مشاريع الأسفلت والكباري التي تسقط بعد أيام من تشغيلها.
وفي السياق، استطرد قائلا "شبكة الطرق والمحاور من أهم أولويات تطوير البنية التحتية والأساسية للدولة، ونحن في حاجة إلى 70 تريليون جنيه لتحقيق طفرة تنموية تتناسب مع قدرات واحتياجات المصريين، والحكومة تستهدف سد الفجوات وتحقيق المستهدفات المستقبلية في كافة المجالات لتواكب خطط التنمية، إلا أننا يجب أن نتذكر دوما حجم التحديات التي تواجهنا من أجل تخطيها".
مفيش فلوس
وعلى طريق العاجزين، قال السيسي نحن نحتاج إلى 60 ألف فصل دراسي سنويا، وهو ما يعادل نحو 60 مليار جنيه، ثم نضيف إليها مصاريف الدراسة والإشراف على المدرسة، بينما الواقع يقول إن "الدولة لا تملك هذه الإمكانيات".
وأضاف "إن شاء 200 ألف وحدة سكنية جديدة يتطلب توفير نحو 140 مليار جنيه، وأنا أتابع جيدا ما يثار من تعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومطالبة البعض بوقف إنفاق الدولة على مشروعات الطرق، وإعطاء الأولوية للتعليم أو الصحة، وردي هو أن البنية الأساسية أهم شيء في الدولة، وشبكة الطرق اللي بنعملها عشان نوصلكم وتوصلونا".
وأبدى السيسي قلقه من حالة الرفض والاستياء البادية ضده على شبكات التواصل الاجتماعي ، والتي ترصدها أجهزته المخابراتية، قال السيسي مخاطبا المصريين "قبل ما تطلعوا الكلمة من لسانكم فكروا فيها كويس، لأنها هتتحسب عليكم قدام التاريخ، وقبل كده قدام ربنا، كل كلمة محسوبة بدقة".
وفي دغدغة لمشاعر الشعب الغاضب من سياساته وقراراته التي أفقرت ملايين المصريين ، وجعلت آلاف الأسر تحت وطأة الحاجة والعوز، يعي السيسي القلق من حجم الغضب الجماهيري، لامتصاص السخط المتصاعد ضده ، بالقول "موقف مصر سيتغير إذا تشاركنا السعي في تحقيق أحلامنا كأسرة واحدة، ونحن لدينا القدرة على تنفيذ المشروعات والمجمعات الصناعية في كل مناطق الصعيد، وليس في سوهاج فقط".
شماعة الحرب
ولم ينسَ السيسي العاجز تحميل ما يعانيه المصريون من غلاء وانهيار للجنيه وشح السلع وتراجع مستوى حياة الشعب، إلى أي سبب آخر غير فشله بالقول "الحرب الأوكرانية الروسية تقترب من عامها الأول، وهي الحرب التي زاحمت وباء كورونا في تأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي وضاعفت منها، ولم ينجُ من تلك الآثار قاصٍ أو دانٍ، حيث عانت الاقتصادات العالمية معاناة كبيرة، وتسببت في تداعيات سلبية على كل دول العالم، ومنها مصر" ولكن نسي السيسي أن دول العالم لم تصل إلى ما وصلت إليه مصر من انهيار اقتصادي حاد، وانهيار للعملة ومضاعفة الديون وفوائدها.
وتواجه مصر ارتفاعا جنونيا في أسعار جميع السلع والمنتجات بسبب أزمة نقص الدولار، والتراجع المستمر في قيمة العملة المحلية، إذ سجل سعر الصرف الرسمي للدولار 27.25 جنيها لأول مرة في البنوك، في أعقاب طرح أكبر بنكين حكوميين شهادة ادخار لأجل سنة بفائدة مرتفعة تصل إلى 25%.
وسمحت مصر لعملتها بالضعف ثلاث مرات منذ مارس 2022، كان آخرها أمس الأول الأربعاء، ارتباطا بالاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وتعهدها باعتماد سياسة سعر صرف مرنة بصورة دائمة، عقب هروب عشرات المليارات من الدولارات من الأموال الساخنة مطلع العام الماضي.
ومع كلمات السيسي وإصراره على نفس النهج والتفكير العقيم ، ستتزايد معاناة الاقتصاد المصري ويواصل انهياره، ومعه خراب بيوت المصريين وفقرهم وتفاقم أزماتهم.