“مجموعات الدعم المدرسي”.. إنهاء لمجانية التعليم ومضاعفة الأعباء المالية على الأسر

- ‎فيتقارير

ضمن عقيدة رأسمالية متوحشة، لنظام السيسي الذي لا يجد وسيلة لـ"تقليب" الشعب ماليا، إلا واقترفها، بلا تردد.

فرغم تدهور الأوضاع في المدارس وانهيار منظومة التعليم في مصر، وهو ما يترافق مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب عموم مصر، بدأت وزارة التعليم بحكومة الانقلاب تجربة "مجموعات الدعم المدرسي" في المدارس الحكومية، للتحول بشكل تدريجي إلى ما يشبه مراكز الدروس الخصوصية، وذلك مع نية الوزارة الاستعانة بالمعلمين العاملين بمراكز الدروس الخصوصية الخاصة، ومنحهم أموالا تضاهي ما يحصلون عليه، على أن يكون ذلك تحت أنظارها.

سيحدث ذلك داخل قاعات يتم تجهيزها بالمدارس المختلفة التي ستشهد تطبيقا مبدئيا لتجربة مجموعات الدعم المدرسي، مع انطلاق الفصل الدراسي الثاني بعد أقل من شهر تقريبا.

ووفق تصريحات إعلامية عديدة لقيادات تعليمية، تجري المديريات والإدارات التعليمية بالمحافظات المختلفة  استعداداتها لتحويل القاعات الكبيرة داخل المدارس المخصصة على الأغلب لممارسة الأنشطة وحصص المجال الزراعي والصناعي والتكنولوجي إلى قاعات يمكنها استضافة ما لا يقل عن 150 طالبا في الحصة الواحدة، تنفيذا للتعليمات الوزارية الأخيرة التي تستهدف تطبيق "مجموعات الدعم المدرسي".

وبالتوازي مع ذلك، بدأت إدارات داخل وزارة التربية والتعليم فتح خطوط اتصال مباشرة وغير مباشرة مع مشاهير المعلمين في مراكز الدروس الخصوصية لإقناعهم بمنح وقت لا يتجاوز ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم الواحد للتدريس بتلك المجموعات التي ستكون عقب انتهاء اليوم الدراسي، بمقابل مادي يفوق ما يحصلون عليه في المراكز التي يعملون بها.

 

أسعار أعلى من السناتر

وفي الوقت الذي يدفع فيه الطالب في مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" 60 جنيها على الأغلب في الحصة للمرحلة الثانوية، فيما تنوي وزارة التربية والتعليم أن تحصل من الطالب الواحد على 100 جنيه بالنسبة لطلاب المدارس الحكومية، و150 جنيها بالنسبة لمواد اللغات في المدارس التجريبية.

 

شركة سيادية

فيما يقوم بالإشراف على عملية تنظيم مجموعات الدعم  شركة منبثقة عن صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، ولا تتبع ميزانيتها الوزارة مباشرة، وهو ما يشير لوجود جهات سيادية ترتبط بعملية التنظيم، وبالتالي الاستفادة من العوائد.

ووفق تصريحات لقيادات وزارية، سيحصل المعلم تقريبا على نسبة تضاهي 70% من قيمة الحصة، وتذهب 30% الأخرى كضرائب لوزارة المالية وصندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية والإدارات التعليمية والمشرفين على عملية تنظيم المجموعات ونقابة المعلمين.

يذكر أنه يوجد في مصر حاليا حوالي 25 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، بينهم 22 مليون طالب في المدارس الحكومية ومليونيْ طالب في المدارس التجريبية اللغات حكومية بمصروفات، وما يقرب من مليون طالب في المدارس الدولية والخاصة، فيما يبلغ عدد المدارس الحكومية قرابة 49 ألف مدرسة.

 

تحويل الحصص المدرسية إلى مدفوعة الأجر

التجربة المنظر تطبيقها، مطلع الفصل الدراسي الثاني، سنحول التعليم في مصر إلى حصص مدفوعة الأجر، وأن الدروس الخصوصية لن تنتشر فقط في البيوت أو المراكز المخصصة لها، لكنها ستبقى وسيلة تعلم رئيسية في غياب تام لأدوار التربية، ما سيكون له انعكاساته السلبية على مستقبل الأجيال الصاعدة، وفق خبراء التربية والتعليم.

ومن المقرر أن يُعلن وزير التربية والتعليم رضا حجازي خلال الأيام المقبلة القرار الوزاري الذي يحدد مواصفات المعلمين المشاركين في تلك المجموعات التي تعد بديلا لـ"مجموعات التقوية" التي كانت تقدمها الوزارة بأسعار رمزية، وكخدمة لطلاب المدارس الحكومية غير القادرين على الحصول على الدروس الخصوصية.

وبحسب تصريحات إعلامية، لمصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم فإن التوجه العام داخل الوزارة خلال العامين الماضيين كان يتمثل في كيفية إفشال تجربة "مجموعات التقوية"، ولم يكن معروفا السبب في ذلك قبل إصدار التوجيهات الجديدة، إذ إن المعلمين لم يحصلوا على نصيبهم نظير عملهم في تلك المجموعات، وتأجل صرفها لأشهر طويلة بعد أن كان المعلم يحصل على نسبته عقب انتهاء الحصة مباشرة.

وكانت الشكاوى تتوالى على الوزارة لصرف تلك المستحقات التي جرى صرف بعضها وتأجيل البعض الآخر.

وكان غالبية المعلمين الذين خصصوا وقتهم لمجموعات التقوية، رفضوا هذا العام منح الطلاب أي حصص إضافية لأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم من العام السابق.

وبالتالي وجدت الوزارة ذريعة تمكنها من الإعلان عن قرارها الجديد، ما جعلها تروّج بشكل مستمر عن فشل مجموعات التقوية التي كانت تعد في الأصل وسيلة ناجحة لمواجهة الدروس الخصوصية، وجذبت قطاعات كبيرة من الطلاب ليس لديها قدرات مادية تمكنها من الذهاب إلى "السناتر" الخاصة، ولم تتجاوز قيمة الحصة الواحدة 20 جنيها.

 

مخطط وزاري ونهم مالي

ويبقى الهدف الرئيسي من الإسراع في تنفيذ "مجموعات الدعم المدرسي" التي أعلن عنها وزير التعليم مؤخرا ، هو استفادة وزارة المالية من عوائد ضرائب الدروس الخصوصية، وأن جذب معلمي السناتر إلى المدارس خطوة أولية يتبعها إصدار تراخيص لكافة مراكز الدروس الخصوصية وتقنين عملية منح الدروس للطلاب.

وتضع الحكومة نصب أعينها عوائد قد تصل في العام الواحد إلى 10 مليارات جنيه في حال زيادة أسعار المجموعات، وأن دراساتها تشير إلى أن ما ينفقه الطلاب على الدروس الخصوصية سنوياً يبلغ 47 مليار جنيه.

ووفقاً للمتحدث أيضا فإن موازنة الحكومة المصرية لن تتحمل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة تعيين مزيد من المعلمين، أو إنشاء مزيد من المدارس بما يواكب الزيادات السكانية المستمرة، ولديها رؤية تتمثل في الانتقال المباشر إلى التعليم المدفوع والالتفاف على الدستور الذي يضمن مجانية التعليم في مراحل التعليم الأساسي، بمسميات مختلفة، سواء أكانت مجموعات الدعم أم عبر التوسع في شراكات إنشاء مدارس حكومية بمصروفات بالشراكة مع القطاع الخاص، وغيرها من سبل القضاء على التعليم المجاني.

وكان مقررا أن تشرع الدولة  في تعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات، بحسب قرار سابق للسيسي صدر قبل عام تقريبا، لسد عجز المعلمين الذي وصل إلى 450 ألف معلم، على أن تدخل الدفعة الأولى المقدر عددها بـ30 ألف المعلم لسوق العمل مع انطلاق العام الدراسي الحالي.

لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، ومازال التأخير سائدا في المسابقات التي يقوم بها جهاز التنظيم والإدارة.

فيما ميزانية التعليم تناقصت مع تراجع قيمة الجنيه واستمرت كما هي عند حدود 131 مليار جنيه، في حين كان من المأمول الوصول إلى ميزانية تبلغ 190 مليار جنيه، بما يساعد على إقامة مبانٍ جديدة، وكذلك توفير فرص عمل للمعلمين.

ومن ثم فإن  اللجوء إلى حل "مجموعات الدعم المدرسي" سيقضي تماما على أي فرصة لتعليم مجاني داخل المدرسة، وسيقتصر الوضع على المجموعات التي ستجذب المعلمين وينصب تركيزهم عليها.

 

مضاعفة الأسعار

ولعل تصريحات الوزير ، عن أسعار مجموعات الدعم المدرسي والتي لن تكون موحدة على كافة المدارس، والأمر يختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك من محافظة إلى أخرى، يؤكج أن تحويل التعليم لنظام مدفوع بالمخالفة للدستور، إذ سيهدر حقوق الطالب في نيل تعليم مناسب بلا تكاليف مالية عالية.

ويتوافق الظام الجدسد بللمجموعات مع رغبات نظام السيسي في فرض ضرائب ورسوم على الدروس الخصوصية، التي سبق وأن صرح المسئولين بأنها ستتجاوز 10 مليار جنيه سنويا.

ووفق تقديرات الخبراء، فإن  القرار من شأنه أن يضاعف أسعار الدروس الخصوصية في السناتر الخاصة، وسيتم القضاء على ما تبقى من انضباط دراسي في المدارس الحكومية، والأخطر من ذلك أنه يفتح المجال أمام زيادة فاتورة التعليم على الأسر المنهكة بالأساس.

وهو ما يمثل بابا واسعا من تخلي الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية والتربوية، لصالح بارونات النهب الحكومي ومافيات الدروس الخصوصية، بما يحمل ميزانية الاسر مزيد من التكاليف المالية، التي باتت فوق مستوى التحمل، على اثر الغلاء وفقدان الجنية لقيمته الشرائية، وتحول أكثر من 80 مليون مصري لدائرة الفقر.