على الرغم من تاريخ مصر الطويل كونها أول دولة منتجة للورق في التاريخ الإنساني منذ أيام ما قبل العصور الحديثة، حيث عرفت صناعة ورق البردي التي تعد رائدة في صناعته منذ القدم، تواجه مصر السيسي اليوم أزمة غير مسبوقة من عجز ونقص حاد في الورق، وهو ما ينعكس سلبا ويشل دولاب العمل الحكومي.

ووصلت  أزمة نقص الأوراق في جميع الدوائر الحكومية، ومنها المستشفيات التي باتت لا يجد الأطباء أوراق لكتابة الروشتات الطبية أو التذاكر للدخول أو مستندات الإجراءات الطبية المختلفة.

وفي المدارس يعاني المعلمون والهيئات التعليمية من نقص  أوراق الامتحانات والمذكرات الدراسية،  وهو ما انعكس على أداء امتحانات نصف السنة التي انتهت اليوم الخميس، حيث جرى تضييق مساحات السطور وتم تصغير الكتابة  في أوراق الأسئلة، علاوة على خصم عدد الأوراق المخصصة للإجابات.

كما تعاني الإدارات التعليمية والإدارات المحلية  من نقص الأوراق والأخبار أيضا، وباتت أغلب الدوائر الحكومية تطلب من المتعاملين معها شراء أوراق وأحبار لإتمام معاملاتهم.

وقد اختفت الأوراق الرسمية المدون عليها البيانات في المستشفيات والمدارس وأغلب الدوائر الحكومية، فيما ارتفع سعر الأوراق البيضاء "إيه 4" و"إيه 3" خلال الأسبوعين الماضيين.

وتعاني مصر أزمة نقص في ورق الكتابة، منذ أن تعطل دخول الشحنات المستوردة من الخارج لأشهر طويلة، وتكدست بالموانئ المصرية قبل الإفراج عن أغلبها مؤخرا، حيث  جرى التعامل مع الورق باعتباره أحد السلع التي يمكن تأخير الإفراج الجمركي عنها، مقارنة بالسلع الغذائية والأدوية وغيرها من المستلزمات الحياتية الضرورية.

وتستهلك مصر نحو 450 ألف طن من الورق سنويا، ويغطي الإنتاج المحلي نحو 170 ألف طن، أي نحو 37.8% من الاحتياج المحلي، ويتم استيراد الكميات الباقية من الخارج، في الوقت الذي بدأت فيه أسعار الورق عالميا في الصعود المتسارع منذ أوضاع الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا، ثم بتأثير الحرب في أوكرانيا، إلى جانب قيود الاستيراد التي فرضها البنك المركزي، في شهر مارس 2022.

ولم تتضرر المستشفيات وحدها من أزمات شح الورق، بل إن امتحانات الفصل الدراسي الأول، التي انتهت قبل أيام، عانت الأزمة ذاتها، وكشف مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب في تصريحات صحفية، أن الوزارة واجهت صعوبات لتوفير أوراق الامتحانات التي يتجاوز عددها 100 مليون ورقة امتحانية إلى جانب أوراق الإجابات، وأن المديريات التعليمية استفادت من المخزون القديم لديها واستخدامها في طباعة الامتحانات، وجرى تأمين وصول الأوراق إلى الشهادات العامة، وتراجعت الوزارة عن طباعة أوراق بديلة لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي في حال تعطل التابلت نتيجة لتلك الأزمة.

 

امتحانات بلا أوراق للإجابة

وأدى تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار لخلق أزمة نقص الأوراق. 

وأضاف المصدر أن المديريات التعليمية واجهت مشكلات من نوع آخر تتمثل في عدم توفر ميزانيات لشراء الأوراق بالأسعار الجديدة، مع زيادتها بنسبة تفوق 200% خلال الشهرين الماضيين، ورغم اتخاذ قرارات الشراء بالأمر المباشر دون الانتظار لإجراء مناقصات، فإن العديد من الإدارات التعليمية استغاثت بالوزارة والمديريات التعليمية لعدم وجود سيولة مالية للشراء.

 

أزمة أحبار

الوضع ذاته بالنسبة للأحبار التي اختفت خلال هذا الشهر، مع استعداد دور النشر لمعرض الكتاب، وكذلك استعداد المطابع الحكومية والخاصة للانتهاء من طباعة كتب الفصل الدراسي الثاني، ما ضاعف الإقبال عليها مع قلة الكميات المتوفرة في الأسواق.

وتوالت شكاوى أولياء الأمور خلال الأيام الماضية، جراء عدم وضوح رؤية أسئلة الامتحانات، نظرا لعدم وجود الأحبار، وتسببت الأزمة في إصدار قرار من مديرية التربية والتعليم بالقاهرة توزيع درجات الأسئلة التي لم تظهر في الامتحانات، بعد ضغوطات مارسها أولياء الأمور، الذين وجدوا أن مستقبل أبنائهم مهدد نتيجة حالة الارتباك التي سادت الامتحانات.

وتعد الكارثة الحالية نتاج سياسات محاربة النظام للصناعات المحلية والتي يجري إهمالها لصالح بارونات الاستيراد الذين باتوا يتحكمون في كل شيء، والذين باتوا يرفعون الأسعار مرات عدة خلال اليوم الواحد.

وتهدد أزمة الأوراق مستقبل الطلاب وملايين المرضى الذين  تتعثر إجراءاتهم.

ويقول أحد الأطباء، في تصريحات صحفية، إنه "ورغم المطالبات المتكررة بتوفير المجلدات والدفاتر الخاصة بالمستشفى، لم يصل أي منتج من وزارة الصحة، وفق شهادات موظفين، فطلبت إدارة المستشفى من الأطباء الكتابة على ورق أبيض، أو الروشتات الخاصة بهم، مع استخدام ختم المستشفى لحين توفر المجلدات والدفاتر".

تسبب هذا الأمر في وقف صرف العلاجات للمرضى بشكل مؤقت، قبل أن تتواصل إدارة المستشفى مع وزارة الصحة من جديد، لتسمح الأخيرة بالكتابة على أي أوراق بيضاء مع وجود ختم المستشفى، للتأكد من أنها صادرة عن المستشفى.

 

تصاعد الأزمة

وحسب طبيبة تعمل بإحدى المستشفيات فإن أزمة ورق الطباعة أخذت في التصاعد منذ بداية العام الجاري، في السابق كانت إدارة المستشفى تحذر من عدم استغلال أي أوراق ما لم تكن هناك حاجة ماسة لها، وتنبأت بوجود مشكلة قادمة، لكن لم يكن متوقعا أن يستمر أحد أكبر المستشفيات الحكومية بدون دفاتر العلاج طيلة هذه الفترة.

ما حدث في مستشفى صدر العباسية تكرر أيضا في المستشفى الأميري بمحافظة سوهاج، بحسب إحدى الطبيبات بالمستشفى ، فإن أزمة اختفاء الدفاتر المطبوعة تستمر للأسبوع الثالث دون حل من جانب وزارة الصحة، وعانى المستشفى خلال الأيام الماضية من عدم وجود تذاكر مطبوعة، والتي يتعين على المريض دفع قيمتها قبل الدخول، وهي رمزية لا يتجاوز سعرها خمسة جنيهات.

فيما أحبرت إدارة المستشفى المرضى على دفع قيمة تذاكر مسائية، والتي مازالت دفاترها القديمة متوفرة بالمستشفى وتبلغ قيمتها 25 جنيها، لكنها واجهت رفضا واسعا من المرضى، وحصل المستشفى على موافقة من وزارة الصحة، بالسماح بدخول المرضى بالتذاكر المتوفرة، لكن مع دفع خمسة جنيهات فقط، مشيرة إلى أن ردود مديرية الصحة بسوهاج تشير إلى أن هناك مشكلة في الأوراق والأحبار الخاصة بالطباعة.

ومع استمرر تلك الأزمة فإن الشلل الإداري سيضرب إروقة دولا بالعمل الحكومي، ويدفع المرضى والمتعاملين مع الإدارات الحكومية للفوضى والتخريب والتعدي على الموظفين، وانهيار الاستقرار المجتمعي الهش بالأساس.

Facebook Comments