نشرت مجلة “مودرن دبلوماسي” تقريرا سلطت خلاله الضوء على السياسة الخارجية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتداعياتها على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة .
وبحسب التقرير، ففي خضم الأزمة الأوكرانية، اتخذت سياسة الرياض تجاه واشنطن تحولا مريرا، وبدأ ولاء الرياض لواشنطن منذ سنوات يرتجف. ولم تدن الرياض هجوم موسكو على كييف، ولم تحقق توقعات واشنطن برفضها قرار أوبك بلس بعدم زيادة إنتاج النفط.
وقال التقرير إنه “سواء كانت محاولة موسكو الشجاعة لفتح حرب ضد كييف، ضد إرادة واشنطن وحلف شمال الأطلسي، قد ألهمت المملكة العربية السعودية لاتخاذ موقف لا يمكن التنبؤ به، أو أن تحول سياسة الرياض يرجع إلى مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، فهو أمر قابل للنقاش تماما، ولا يثير هذا التحول عقول الباحثين في جميع أنحاء العالم فحسب ، بل تسبب أيضا في دهشة بايدن”.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الرياض أيضا استعدادها للانضمام إلى بريكس، وفي حالة انضمام الرياض إلى بريكس لضمان مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وسوف يتحدى تفوق البترودولار، حيث إن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكبر مصدري النفط.
بشكل عام ، سيؤثر ذلك على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، وبالتالي يشكل تهديدات خطيرة للنظام العالمي الذي تقوده واشنطن.
وأضاف التقرير أن حرب أوكرانيا أحدثت فسادا في جميع أنحاء العالم من خلال زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي. وعلاوة على ذلك، أدى اندلاع الصراع هذا إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي والطاقة رأسيا وأفقيا، كونها زعيمة عالمية ، تقدمت واشنطن لتثبيط موسكو وأجبرتها على سحب قواتها من كييف، ونتيجة لذلك ، قررت موسكو قطع إمدادات الطاقة عن الغرب، كان هذا مجرد بداية للدمار، حيث أدى صراع المصالح بين موسكو وواشنطن إلى الاستخدام الأمريكي لما يسمى بالقوة المؤسسية، وتجميد أصول موسكو، وعلى النقيض من ذلك، أدى رفض موسكو توفير الطاقة إلى انعدام أمن الطاقة الناجم عن ارتفاع أسعار النفط والغاز. وفقا لمبدأ الأسبقية ، تحملت أمريكا المهيمنة العالمية مسؤولية الحد من انعدام أمن الطاقة هذا مما أدى إلى عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
واستمرارا للتقليد الطويل، تعتزم واشنطن ممارسة التأثير على شريكيها في الشرق الأوسط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتوفير موارد الطاقة بكثرة لسد فجوة العرض والطلب على الطاقة.
وأوضح التقرير أن هذه المرة كانت النتائج غير متوقعة، حيث تحدت كلتا الدولتين تعزيز إنتاجهما للطاقة، وكان الموقف غير المسبوق للعاهل السعودي هو الامتثال لقرار أوبك بلس بخفض الإنتاج وزيادة أسعار منتجات الطاقة. وقد اعتبر هذا الإنكار للرياض بادرة جادة من قبل واشنطن، كان ينظر إلى أن رفض الرياض كان لفتة لحسن النية تجاه روسيا، وبالتالي خلق وضع ، إما أن تكون معنا أو ضدنا، وبعبارة أخرى، يمكننا أن نستنتج أنه كان تحولا في الولاءات.
وأشار التقرير إلى أن الجدل يدور كله حول السؤال التالي “ما إذا كانت سياسة الرياض لديها قوة لزعزعة أسس النظام العالمي السائد بقيادة واشنطن أم لا؟” وهل النظام العالمي هيكل متقلب يمكن تحويله بسهولة بمجرد تغيير سياسة دولة واحدة ، أم أن هذا التحول في السياسة ينطوي على بعض التحديات المحتملة؟.
وتابع التقرير ” قبل أن نأتي مباشرة إلى التأثيرات المرعبة لهذه السياسة ، يجب أن نناقش بشكل أفضل قيمة أمن الطاقة وأهميته التي لا يمكن دحضها للنظام الاقتصادي العالمي المستقر، إذا لم يتم تخفيض أسعار الوقود ، فسوف يوقف أو يخفض العمليات الصناعية في الدول الصناعية الكبرى ، بما في ذلك الولايات المتحدة ، مما يؤثر بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي للولايات ودخل الفرد، ومن المؤكد أن نقاط الضعف في الوضع الاقتصادي ستؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي”.
وأردف التقرير “الوجه الآخر لهذا النقاش، ما إذا كانت الرياض تتحول نحو روسيا أم لا؟ هل روسيا قادرة بما يكفي لخدمة المصالح الاستراتيجية للرياض؟ إذا لم يكن الأمر كذلك ، فماذا يعني هذا التحول في السياسة؟ تركزت المصالح الاستراتيجية النهائية للرياض دائما على تحقيق الهيمنة الإقليمية من خلال مواجهة طهران، وفي الوقت نفسه، تتمتع موسكو بالفعل بعلاقات دبلوماسية أفضل مع طهران. وستتبنى موسكو نهجا متوازنا بين الرياض وطهران، وعلى النقيض من ذلك، قد تكون هناك بعض الاحتمالات لتوسيع هذا التعاون بين الرياض وموسكو من الطاقة إلى التعاون الاقتصادي والعسكري لأن روسيا قادرة على توفير التكنولوجيا الدفاعية للرياض ولكنها غير قادرة على توفير الأمن في المنطقة. والأهم من ذلك، يمكن استخدام قبضة واشنطن المؤسسية ضد الرياض. ولا تزال هذه التهديدات قادرة على تقييد الرياض من الوقوف إلى جانب موسكو”.
وواصل التقرير “الحدود المهمة الأخرى لهذا النقاش هي استعداد المملكة العربية السعودية للانضمام إلى مجموعة البريكس، وباعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم، لعبت المملكة العربية السعودية دورا مركزيا في نظام البترودولار، واستخدمت البلاد احتياطياتها النفطية الهائلة للحفاظ على تأثير قوي على الاقتصاد العالمي والتزمت إلى حد كبير بممارسة بيع النفط فقط مقابل الدولار الأمريكي. وقد ساعد ذلك على ضمان استمرار الطلب العالمي على الدولار الأمريكي وساهم في وضع الدولار كعملة عالمية مهيمنة، وإحدى النتائج المحتملة هي أن المملكة العربية السعودية ودول بريكس الأخرى يمكن أن توافق على استخدام عملة مختلفة لتجارة النفط، مثل اليوان الصيني أو عملة جديدة خصيصا لاستخدامها من قبل دول البريكس، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب العالمي على الدولار الأمريكي وربما يؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي”.
وأكمل “أثار التحول الأخير في سياسة المملكة العربية السعودية تجاه مجموعة البريكس وروسيا تساؤلات حول استقرار النظام العالمي الحالي، وخاصة حول استقرار البترودولار وأمن الطاقة العالمي، وفي حين أنه من المثير للجدل ما إذا كان التحول مدفوعا بمصالح اقتصادية أو استراتيجية، فمن الواضح أن هذه الخطوة تشكل مصدر قلق خطير للولايات المتحدة ولديها القدرة على التأثير على النظام العالمي المعاصر الذي تقوده واشنطن بشكل كبير”.
واختتم التقرير “يبقى أن نرى ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستتابع قرارها المحتمل بالانضمام إلى مجموعة بريكس وكيف سيؤثر ذلك على علاقاتها مع الدول الأخرى، وخاصة روسيا والولايات المتحدة. باختصار، من المتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة في النظام العالمي إذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى بريكس لأنها ستؤثر على تفوق البترودولار ، وبالتالي تؤدي إلى انخفاض القوة الاقتصادية الأمريكية”.
https://moderndiplomacy.eu/2023/01/28/mbs-policies-are-a-threat-to-the-washington-led-global-order-or-not/
Facebook Comments