حالة غليان تدور الآن داخل أروقة الحكم في عاصمة الثورة المضادة أبوظبي بعد تهديد دولتين خليجيتين ، سبق وأن ساندا الانقلاب بالمعونات السخية بوقف كل أشكال المساعدة والمعونات، إذا لم يتم قبول شروطهما والتي منها استقالة مسؤولين كبار ثبت تورطهم في اختلاس المساعدات التي قُدمت لدولتهم.
واستعرض مراقبون ما قدمته دول الخليج العربية الرياض وأبوظبي والكويت والمنامة من مساعدات مالية ضخمة لعبدالفتاح السيسي، عقب انقلابه في 30 يونيو 2013، على الرئيس الشهيد محمد مرسي، دعما منها لإنهاء خط التدوالي السلمي (الديمقراطية بالصناديق) في مصر متذرعين بأنها لا تأتي إلا بالإسلاميين، وتشير تقديرات حجم الدعم الذي تلقاه السيسي وعصابته من الخليج، بنحو 92 مليار دولار.
ومن وحي بيانات تحالف دعم الشرعية توعد في واحد منها بالمحاسبة ، وهو يؤكد أن كلمتنا واضحة للقتلة لللظالمين المخربين ، لن تستطيعوا أن تستمروا في مقاعدكم ، لن تستمروا في هدم مصر وتخريب كل حق فيها ، ستهزمون وسيحاسبكم الشعب كما كسرتكم ثورة يناير وكسرت بدورها ـ ولو لبعض الوقت ـ الجبروت والظلم والطغيان ، وإن موعدنا لقريب وما ذلك على الله بعزيز”.
وغاب قادة السعودية والكويت عن مؤتمر عقد في أبوظبي، يوم 18 يناير ، بدعوة من محمد بن زايد، رئيس أبوظبي من بين أهدافه بحث منح مصر مساعدات مالية عاجلة، وحضره قادة قطر والبحرين وعمان والأردن ومصر.
وتزامن الاجتماع، حملة نقد لاذعة من كتّاب سعوديين على السيسي والجيش، وكان أكثرها أثرا انتقاد الكاتب والأكاديمي السعودي تركي الحمد، وهو ليبرالي، قال على تويتر “لدينا نموذجان لمصر، مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ ، وفي المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أم جمهوريا”.
وأضاف “فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، والتي كانت تُقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل”.
وكتب “الحمد” “هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة”.
انتقادات الدخيل
وبعد تركي الحمد قال الكاتب السعودي خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذوره الأولى إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952، انكسرت في يونيو 1967، وتبخر وهج 23 يوليو، كما عرفه المصريون والعرب”.
ووجه الدخيل أيضا أسهم المسؤولية على الجيش “لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم تسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
“الدخيل” استعرض تناقض السيسي في رده على ربط وزير المالية السعودي محمد الجدعان بين المنح والودائع بإنجازات على الأرض، مشيرا إلى إداركه تلميحات وتلقيحات للسيسي في خطاب له ويشير إلى السعودية، بأن مصر لن تركع إلا لله، معتبرا أنها جملة مربكة في السياق الذي قيلت فيه والسعودية ليست والخليج أعداء لمصر، موضحا، تفسيري أن المقصود هو أن مصر لن تركع للمال الخليجي، فلماذا يطالب السيسي بالرز الخليجي؟.
توقع الإيكونوميست
الإيكونوميست البريطانية وهي من النمط الذي يأخذه السعوديون في اعتبار تقديراتهم ، قالت في تقرير خلال يناير الجاري إلى أنه في مصر ، هذا البلد القمعي، لا توجد استطلاعات رأي موثوقة، لكن التقارير تشير إلى أن المصريين فقدوا الثقة في قيادة السيسي، حيث يتم سماع انتقادات للسيسي بشكل متكرر في الأسواق والمواصلات والمقاهي، في حين يحثه عدد من المقربين منه بهدوء على عدم الترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل.”.
وأشارت المجلة إلى أن المصريين ذوي النوايا الحسنة يحذرون منذ سنوات، من أن البلاد تقع في فخ الديون، في حين تجاهلهم السيسي، وكان المستثمرون الأجانب، الذين أغرتهم بعض أعلى معدلات الفائدة في العالم، حريصين على مساعدته في الحفاظ على وهمه، حيث بدا شراء سندات مصر قصيرة الأجل وكأنه مشروع مربح وبدون مخاطر.
وأكدت الإيكونوميست أن أكبر دولة عربية كانت أكبر من أن تسقط، لا يزال السقوط غير محتمل، ولكنه لم يعد مستحيلا، مشيرة إلى أن الجنيه المصري هو أسوأ العملات أداء في العالم هذا العام، مضيفة أنه بعد سنوات من السياسات قصيرة النظر، لا توجد إجابات سهلة لمشاكل مصر.
وأشارت إلى أنه منذ استولى السيسي على السلطة في انقلاب 2013 والقطاع الخاص متعثر والإنفاق الحكومي مدفوع بالديون على مشاريع البنية التحتية، وبعضها مشكوك في قيمتها، سجلت مصر أرقام نمو جيدة، لكنها كانت سرابا.
وقالت المجلة إن “الجيش في مصر يدير إمبراطورية واسعة تصنع كل شيء من المكرونة إلى الأسمنت، من الصعب التنافس مع شركة لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية، وتتمتع بإمكانية الوصول التفضيلي إلى الأرض، ويمكنها إغلاق منافسيها.
Facebook Comments