رغم تطبيل الأبواق الإعلامية لقرار نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي بطرح 20 شركة في البورصة، وزعمها أن هذا قرار وطني لا علاقة له بإملاءات صندوق النقد الدولي يستهدف الإصلاح الاقتصادي وسد الفجوة التمويلية والعجز الذي تعاني منه الموازنة العامة لدولة العسكر، إلا أن الواقع يفضح أكاذيب نظام الانقلاب ويكشف الخسائر الكبيرة التي ستنتج عن بيع هذه الشركات، بالإضافة إلى حرمان البلاد من مواردها، ما يعني أن هذا البيع هو مجرد تأجيل لكارثة إفلاس البلاد لفترة زمنية لا تتجاوز الـ 4 سنوات .
كان مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب قد نفى أن يكون برنامج الطروحات له علاقة بشروط صندوق النقد الدولي، وزعم مدبولي في تصريحات صحفية أن برنامج الطروحات هو برنامج وطني بالكامل، تم إعلانه قبل الاتفاق الآخير مع صندوق النقد .
كما زعم أن الخطة التي يتم إعلانها في إطار هذا البرنامج هي خطة وطنية أيضا، وضعتها حكومة الانقلاب وتم عرضها على صندوق النقد الدولي أثناء التفاوض معه كجزء من خطط وبرامج دولة العسكر خلال الفترة المقبلة.
يشار إلى أن ما يسمى صندوق مصر السيادي يستهدف جمع ما يصل إلى 6 مليارات دولار من خلال بيع حصص في شركات لمستثمرين استراتيجيين، من بينها الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية) والشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي) المملوكتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة. وتشمل الأسماء المتوقع طرحها في البورصة المصرية، بنك القاهرة، ومصر لتأمينات الحياة، وشركة الحفر المصرية، وشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطى (إيلاب)، وجميعها ذكرت في التقرير السنوي لعام 2022 للبورصة المصرية باعتبارها شركات جاهزة للطرح.
كما تضمن تقرير البورصة كل من شركة إنبي، وشركة ميدور، وشركة أسيوط لتكرير البترول، وشركة إي ميثانكس، وإيثيدكو، وشركة الوادي للصناعات الفوسفاتية والأسمدة، ومصر للتأمين، وبنك الإسكندرية.
حقوق الفقراء
في المقابل حذر تقرير مشترك صادر عن منظمتي "هيومن رايتس ووتش" و"الديمقراطية الآن للعالم العربي" من أن اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه صندوق النقد الدولي مع دولة العسكر بقيمة ثلاثة مليارات دولار، يهدد الحقوق الاقتصادية للملايين من الفقراء.
وأكد التقرير أن تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية قد يؤدي إلى خطر الفساد الذي يصب في مصلحة البلدان ذات السجلات الحقوقية التعسفية.
وتوقع أن يجمع نظام الانقلاب من بيع أصول مملوكة لدولة العسكر قرابة 8 مليارات دولار، معظمها من دول الخليج، مشيرا إلى أن اتفاق صندوق النقد سيوفر لدولة العسكر قرابة الثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا، لمساعدة حكومة الانقلاب في الوفاء بميزانيتها وميزان مدفوعاتها، وسط التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية .
الخيار المر
من جانبه أكد الدكتور أحمد خزيم المستشار الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، أن نظام الانقلاب لا يملك خيار التراجع عن بيع الأصول من أجل توفير 10 مليارات دولار، للوفاء بالالتزامات الخارجية للدائنين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، موضحا أن الأمر ببساطة هو أن البلاد تمر بضائقة مالية وليس أمامها سوى البيع.
وحذر خزيم في تصريحات صحفية من أن نتائج تلك الخطوة سلبية على الاقتصاد المصري على المدى المتوسط والطويل؛ لأن دولة العسكر وخزينتها سوف تفقد الإيرادات السنوية لتلك الشركات التي سوف تخرج خارج مصر للملاك والمستثمرين الأجانب الجدد، وسوف تؤثر على الاقتصاد الكلي مستقبلا، مشيرا إلى أن هذا الحل مؤقت وليس مستداما، ومن أجل ضمان أموال الدائنين.
وأشار إلى أن دولة العسكر في هذه المرحلة الحرجة، استنفدت كل العوائد الدولارية في اتجاهي تغطية الواردات وسداد الالتزامات؛ ومن ثم ليس أمام حكومة الانقلاب أي خيار سوى البيع، ولا يوجد اقتراض من الخارج في ظل الأزمة الحالية وارتفاع كلفة الديون، وهذا الخيار هو الخيار المر .
أموال الدائنين
وكشف خبير أسواق المال الدكتور وائل النحاس أن هناك ارتباطا بين مدة برنامج صندوق النقد الدولي وبرنامج الطروحات البالغ 46 شهرا، والذي ينتهي في 2026، موضحا أن برنامج بيع أصول دولة العسكر لمستثمرين أجانب وطرحها في البورصة هو من أجل ضمان استرداد أموال الدائنين الضامنين للبرنامج، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، وحصيلة البيع ستنتهي مع انتهاء مدة البرنامجين .
وقال النحاس في تصريحات صحفية إن "حكومة الانقلاب لم تكن لتبيع أصولها لولا تدهور الأوضاع الاقتصادية، ولا تملك خيارا آخر سوى البيع من أجل الحصول على باقي المبالغ المعلنة من قبل الصندوق لسد الفجوة التمويلية، مؤكدا أنه لن يكون هناك قروض جديدة بل أصول مقابل أموال، وبالتالي فإن التمويل الإضافي من شركاء إقليميين والبالغ 14 مليار دولار إلى جانب قرض الصندوق البالغ 3 مليارات دولار هم حصيلة بيع أصول دولة العسكر خلال تلك الفترة".
وتساءل ، ماذا ستفعل حكومة الانقلاب بعد بيع أصول بقيمة 40 مليار دولار في نهاية السنوات الأربع المقبلة لسداد باقي الالتزامات الجديدة والمتبقية من الالتزامات القديمة بعد بيع الأصول؟ مشيرا إلى أن الأزمة هنا تكمن ليس في بيع الأصول فقط ولكن في الاستغناء عن إيرادات تلك الأصول.
حصيلة البيع
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار إن "المشكلة في برنامج الطروحات تكمن في أن إيرادات بيع الأصول الاستثمارية في قطاعات الطاقة والكيماويات والأسمدة والتمويل والإسكان ستذهب لسداد فوائد الديون ومن الصعب تعويضها أو تكرارها".
وتوقع نوار في تصريحات صحفية أن تتراوح نسب بيع حصص دولة العسكر في الأصول ما بين 5% و20% من أسهم الشركات المطروحة للبيع، لافتا إلى أن البيع سيتركز في قطاع الطاقة وشركات هذا القطاع ذات طبيعة استثمارية جاذبة، لأنها حيوية من جهة ومربحة من جهة أخرى.
الفجوة التمويلية
وطالب الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي بأن تكون عمليات طرح الشركات لمستثمر استراتيجي لديه القدرة على تحقيق أهداف تتمثل في توفير نقد أجنبي وجذب استثمارات جديدة مباشرة وتحقيق عوائد وأرباح تضيف لمناخ الاستثمار المصري عبر كيانات قادرة على النهوض بالأوضاع الاقتصادية عبر استثمارات طويلة الأجل.
وكشف "الإدريسي" في تصريحات صحفية أن صندوق النقد الدولي أوصى بطرح مجموعة من القطاعات بشكل تخارجي وكانت القيمة الأولية بـ2 مليار دولار في حين أعلنت حكومة الانقلاب عن استهداف نحو 6 مليار دولار، موضحا أن هذه الإجراءات تدخل في نطاق البحث عن علاج الفجوة التمويلية التي نعاني منها خلال الفترة الراهنة ناهيك عن انعكاسات الاستثمار على عجلة الإنتاج والتشغيل".
وشدد على ضرورة البحث عن أن يكون هناك مردود أكبر للكيانات القادمة للشراكات خلال الأوقات الزمنية القادمة.