مع الارتفاع الجنوني في الأسعار تسود حالة ركود وشلل تام بالأسواق المصرية بسبب ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين وموجات الغلاء التي لا تتوقف ويزيد من حدة الأزمة تراجع الدخول مقابل ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه، وتزايد معدلات التضخم وإغلاق آلاف المصانع والشركات أبوابها وتسريح العمالة، ما يهدد بحدوث مجاعة بين المصريين.
هذه هي أوضاع المصريين بعد مرور 12 عاما على ثورة 25 يناير 2011 ما يؤكد أن عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي يعمل على تجويع المصريين، وضرب أهداف ثورة يناير التي رفعت شعار عيش حرية عدالة اجتماعية .
صندوق النقد
ورغم هذه الكوارث زعم مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب، أن البلاد خرجت من أزمة البضائع المتراكمة في الموانئ وعادت المصانع للعمل بكامل طاقتها.
وقال مدبولي في تصريحات صحفية إن “حكومة الانقلاب ملتزمة بالتحول الدائم لسعر الصرف المرن، لاستعادة التوازن في سوق العملة المحلية، وفقا للبرنامج الاقتصادي الموقع مع صندوق النقد الدولي، ليضمن انخفاض الدين العام، وحل أزمة نقص العملة التي ضربت البلاد في الأشهر الأخيرة” وفق تعبيره.
يأتي ذلك في وقت تخطط فيه حكومة الانقلاب لبيع أصول بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام الحالي، والموافقة على تمويل ثاني شريحة من القرض المخصص من صندوق النقد، تبلغ 350 مليون دولار، والالتزام بسعر الصرف المرن، قبل أن تأتي بعثة الصندوق في منتصف مارس المقبل لمراجعة ما اتفق عليه.
ارتفاع الأسعار
خلال الأشهر الأخيرة، ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسب بعضها تجاز الـ100% مثل اللحوم والدواجن وبعض منتجات الألبان، مدفوعة بارتفاع كبير في أسعار صرف العملات الأجنبية بعد 3 قرارات بالتعويم.
فيما تقول حكومة الانقلاب إن “نسبة التضخم وصلت إلى 24% تقريبا”.
وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في يناير الماضي، زادت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 58.3%، الألبان والجبن والبيض بنسبة 48.9%، الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 44.2%، الخضروات بنسبة 38.8%، البن والشاي والكاكاو بنسبة 36%.
وقال التقرير إن “أسعار اللحوم والدواجن زادت بنسبة 35.5%، والوجبات الجاهزة بنسبة 33.3%، والسكر والأغذية السكرية بنسبة 31%، ومنتجات العناية الشخصية بنسبة 23.6%”.
فيما سجلت الزيوت والدهون زيادة بنسبة 21.8%، والمياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 20.9%، وخدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة 20%، وخدمات المستشفيات بنسبة 18%، والفاكهة بنسبة 15.7%.
سوق الدولار
من جانبه أكد خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس أن هناك حالة من الشلل التام في الأسواق، وتوقف في عجلة الإنتاج، فلا بيع ولا شراء، مشيرا إلى أن هناك تراجعا في العرض وهدوءا في الطلب.
وقال النحاس في تصريحات صحفية “الناس مش عارفة رأسها من رجليها، لأن التجار إذا بادروا ببيع السلع التي استوردوها أو بحوزتهم، يخشون من تدهور الجنيه، ولن يجدوا من يوفر لهم الدولار لاستيراد بدائل أخرى”.
وأوضح النحاس أن تجار الذهب خائفون من البيع لأنهم اشتروا خلال الأسبوعين الماضيين على أساس أن سعر الدولار بالسوق الموازية لامس 39 جنيها، بينما تراجع الدولار في السوق الموازية حاليا إلى 32.5 جنيها، ورسميا تجاوز 30 جنيها، ولذلك ينتظرون تحركه إلى أعلى من جديد، لا سيما أنهم يعلمون أن حكومة الانقلاب تتجه إلى رفع سعر الدولار مقابل الجنيه، إلى معدل السوق الموازية، فلماذا يخاطر التجار بخسارة ما لديهم من ذهب أو دولار أو أي سلعة ذات قيمة؟
وأشار إلى أن حالة الشلل التام مستحكمة بالأسواق، والكل ينتظر انفجار فقاعة، كما حدث مع الفقاعة السعرية التي بدأت تظهر في قطاع العقارات، وجلية في حجم التسهيلات من المطورين والبائعين، بينما تراجع الطلب على الشراء بشدة.
وتوقع النحاس أن تحدث ردود عنيفة بالأسواق نتيجة استمرار الموردين في الطلب على الدولار، مع تجدد رغبتهم في استيراد صفقات للأشهر المقبلة، مع فتح أسواق الصين المعطلة منذ فترة، واحتياجات شهر رمضان والأعياد، واستكمال طلبات المصانع.
وكشف أن حكومة الانقلاب فشلت في السيطرة على سوق الدولار، رغم التحركات الأمنية الواسعة، مشيرا إلى تجميع تجار كميات هائلة من العملة الصعبة في السوق الموازية، دون أن يعيدوا ضخها في السوق مرة أخرى، انتظارا لما ستسفر عنه تصرفات حكومة الانقلاب مع الواردات وبيع الأصول العامة خلال المرحلة المقبلة.
ضبابية المستقبل
وقال عماد قناوي رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية إن “الأزمة الحالية في أسعار وتوافر السلع ناتجة عن ضبابية المستقبل، وعدم وضوح الرؤية لكل من المنتج والمستهلك”.
وأضاف قناوي في تصريحات صحفية أن هذه الضبابية أوجدت تهافتا على السلع محدودة الكمية، مما أدى إلى أن يكون تسعيرها خارج نطاق العرض والطلب.
وأشار إلى أن أزمة الدولار تعتبر المسئول الأول عن ارتفاع الأسعار، حيث ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه لما يقارب 5 أضعاف من أقل من 7 جنيهات عام 2013 إلى أكثر من 30 جنيها في البنوك الآن وحوالي 37 جنيها في السوق السوداء .
ثورة يناير
وقال الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق، إن “ذكرى ثورة يناير 2011 مرت مرور الكرام لا حس ولا خبر، ووجد المصريون أنفسهم كالأيتام على موائد اللئام، وكأن تلك الثورة قد حدثت في المريخ”.
وأضاف عبدالخالق في تصريحات صحفية، يبدو أن مصر بعد مرور 12 عاما على انطلاق ثورة يناير قد عادت في قبضة الحزب الوطني، رغم حلِّه رسميا بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة الإدارية العليا في 16 إبريل 2011، ومع نجاح الثورة المضادة مرحليا، انقطع الحديث عن ثورة يناير.
وأشار إلى أن شعار (عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية) استُبْعِد من قاموس نظام الانقلاب، ولكن ذلك سيكون مرحليا فقط، وإلى حين، ولسوف يكون هناك شأن آخر، مؤكدا أن كل الظروف الموضوعية التي تعيشها مصر الآن مع اتساع نطاق الفقر والتهميش توحي بأن موجبات رفع هذا الشعار موجودة بل ضاغطة.
وتوقع عبدالخالق أن رفع هذا الشعار سوف يزداد إلحاحا في مواجهة السياسات التي تطبقها حكومة الانقلاب حاليا، محذرا من أن المصريين يعيشون حاليا وضعا مأساويا بين مطرقة السياسة وسندان الاقتصاد؛ بين كبت الحريات وشُح الأقوات، باختصار، الناس يعانون حرمانا مزدوجا، فهم محرومون من الخبز ومن الحرية وهم ينتظرون من يخلصهم مما هم فيه، إنهم كالغريق الذي يمسك “بقشاية” كأنها طوق نجاة.