تستضيف مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء اجتماعا خماسيا يضم مسؤولين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى، من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والأردن إلى جانب مسئولين بجهاز المخابرات العامة المصري حسب إعلان وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب الأحد 19 مارس2023م.
الاجتماع الخماسي يأتي بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبوزيد ـ استكمالا للمناقشات التي شهدها اجتماع العقبة يوم 26 فبراير الماضي(2023)”. مضيفا أن الاجتماع يأتي “في إطار الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق ودعم التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ودعم الحوار بين الطرفين للعمل على وقف الإجراءات الأحادية والتصعيد وكسر حلقة العنف القائمة وتحقيق التهدئة، بما يُمهد لخلق مناخ ملائم يُسهم في استئناف عملية السلام.
وكان البيان الختامي لاجتماع العقبة، قد تضمن “تأكيد الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما، والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم”، كما خلص الاجتماع إلى إعلان اتفاق على وقف الإجراءات أحادية الجانب لأشهر محددة، بما يشمل وقف الترويج للاستيطان. غير أن إسرائيل واصلت عمليات الاقتحام في الضفة الغربية، ما أدى إلى استمرار التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتصاعدت المواجهات منذ مطلع سنة 2023م في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأسفرت عن قتل الاحتلال الإسرائيلي لـ84 فلسطينياً، فيما قُتل 14 إسرائيلياً في عمليات متفرقة.
رفض فصائلي
الفصائل الفلسطينية من جانبها أعلنت رفضها للاجتماع واستنكرت مشاركة السلطة الفلسطينية فيه، وطالبت السلطة بعدم المشاركة؛ وذلك بحسب بيانات صدرت السبت 18 مارس عن “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” وحركة “الجهاد الإسلامي” و”حزب الشعب” و”الجبهة الديمقراطية” و”الاتحاد الديمقراطي (فدا)”. “الجبهة الشعبية” و”الجهاد” قالتا في بيان مشترك: “ندين بأشدّ العبارات إصرار السلطة على المشاركة في قمة شرم الشيخ الأمنية، التي تشكّل انقلاباً على الإرادة الشعبية”، وأضاف البيان أن إسرائيل “تستغل هذه القمم واللقاءات الأمنية لشنّ المزيد من العدوان بحقّ شعبنا”. في بيان مشترك آخر، دعت أحزاب “الشعب” و”الجبهة الديمقراطية” و”فدا”، مصر والأردن إلى “إلغاء اجتماع شرم الشيخ، وعدم المضي في هذا المسار بالغ الخطورة على الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة”. كما طالبت الفصائل الثلاثة رئيس السلطة محمود عباس بـ”وقف المشاركة الفلسطينية في هذا الاجتماع”، وقالت إن هذه الاجتماعات “باتت ذات طبيعة أمنية منفصلة عن جوهر القضية السياسية للشعب الفلسطيني، والمتمثلة في إنهاء الاحتلال”.
وكانت حركة حماس قد سبقت الجميع في بيان لها الخميس 16 مارس دعت فيه السلطة إلى عدم المشاركة في قمة شرم الشيخ الأمنية، واستنكر متحدث الحركة حازم قاسم، “إعلان السلطة عزمها المشاركة” في الاجتماع.
التنسيق الأمني خيانة
وكانت تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في فبراير23م، قد أشار إلى أن التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمثل خسارة كاملة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته، ومع ذلك لن يتوقف إلا بانهيار هذه السلطة. وأضاف التحليل الذي كتبه خالد الجندي، الباحث الأول في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن هذا التنسيق الأمني الذي وصفه عباس من قبل بالمسؤولية “المقدسة” يُعدّ ركيزة أساسية لعملية أوسلو منذ عام 1993، كما أنه أمر حيوي لوجود السلطة الفلسطينية وبقائها. وأضاف الكاتب أن هذا التنسيق غير مرحب به من الفلسطينيين العاديين من جميع الأطياف السياسية، الذين يرون أنه شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال، ويراه آخرون “خيانة” صريحة، وقد كان نقطة شائكة ومستمرة في عمليات المصالحة بين السلطة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إضافة إلى أن الحفاظ عليه في الوقت الذي يُقتل فيه الفلسطينيون بأعداد كبيرة سيكون انتحارا سياسيا، كما أن إنهاءه يعني نهاية السلطة الفلسطينية.
وأوضح أن استمرار التنسيق الأمني في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية يمثل ورطة كبيرة للسلطة ورئيسها؛ فعباس لا يستطيع قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل لأن ذلك قد يؤدي إلى فرض عقوبات وتدابير عقابية أخرى من قبل إسرائيل، وعلى الأرجح من الولايات المتحدة أيضا، وذلك يعرّض وجود السلطة للخطر. ومن ناحية أخرى، فإن الاستمرار في التنسيق مع الجيش الإسرائيلي بينما يزداد الاحتلال قمعا وعنفا يقوّض ما تبقى من شرعية داخلية ضئيلة لعباس. ويشير التحليل إلى أن عباس عاجز عن إنهاء التنسيق الأمني وأنه حين أوقف هذا التنسيق ردا على نوايا إسرائيل بضم الضفة الغربية بعد إصدار خطة السلام لإدارة ترامب في عام 2020، ولكن سرعان ما استؤنفت هذه العلاقات بعد انتخاب جو بايدن رئيسا لأميركا. ويؤكد أن هذه المعضلة تسلط الضوء على أحد الإخفاقات المركزية لعملية أوسلو للسلام على مدى العقود الثلاثة الماضية، ففي حين أن الدور الأساسي للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل هو منع الهجمات على الإسرائيليين، سواء كانوا جنودا أو مدنيين، فلا توجد أحكام أو آليات لحماية أرواح الفلسطينيين وممتلكاتهم، بوصفهم سكانا يعيشون تحت الاحتلال العسكري منذ يونيو/حزيران 1967، من التوغلات الإسرائيلية وإطلاق النار والاعتقالات ومصادرة الأراضي وعمليات الإخلاء -وكلها مستمرة تقريبا بلا هوادة- أو من الشبح اليومي لهجمات المستوطنين الإسرائيليين الإرهابية. وينتهي التحليل بخلاصة مفادها أن الضعف المزمن للسلطة الفلسطينية واعتمادها على كل من أميركا وإسرائيل يجعل من المستحيل تقريبا على عباس أو خلفه المستقبلي قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بشكل دائم، مضيفا أن التنسيق الأمني لن يتعرض لتهديد حقيقي إلا من انهيار السلطة الفلسطينية، وقد لا يكون ذلك اليوم بعيد المنال.