أثار السيسي ووزير العدل في حكومته عمر مروان غضب المصريين والباحثين منهم في المراكز الحكومية القومية الرسمية بعدما أعلن في مؤتمر عيد الأم أو يوم المرأة المصرية، تحدث فيه عن قانون جديد للأحوال الشخصية وإلغاء الطلاق الشفوي قائلا “لما نلغي الطلاق إلا قدام المحاكم بس فلما هنعمل دا يبقى أنتوا زعلانين ليه؟ هو مين اللي هيشيل الذنب يعني”.
ورد المفتي من الصف الثاني للحضور في سيناريو مرتب “كان عندنا ٢٤٠ ألف حالة طلاق لغيناهم كلهم ما عدا حالتين بس قلنا لهم وثقوا طلاقكم والباقي لأ ” وأجابه السيسي، كل دا خلاص هينتهي والأعداد دي مش هتجيلكم تاني، بقى دا اسمه كلام”.
إلا أن مداخلات النفاق تطورت لرد من وزير العدل الذي قال “كل الدراسات الإحصائية القديمة مش مظبوطة وبتطلع نسب الطلاق عالية فبدأنا نحسبها بطريقة تانية وطلعت لنا نسب قليلة جدا، لا تزيد عن 3% يعني مثلا قبل كدا كنا بنحسب كل حالات الطلاق اللي بتتم، إنما ناويين نحسب اللي تطلقوا في أول سنة زواج بس فقلت كتير”.
وعقد مؤتمر السيسي في غياب شيخ الأزهر، وحضور القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية الرسمية جميعها تقريبا بما فيهم بابا الأقباط.
تقرير 2021
وقال التقرير الصادر حديثا من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يظهر ارتفاع حالات الطلاق الموثقة في مصر خلال سنة 2021م إلى 254 ألفا و777 حالة عام 2021، بزيادة قدرها 22 ألف حالة طلاق عن سنة 2020 التي شهدت 222 ألفا و36 حالة طلاق، بزيادة نسبتها 14.7% معنى ذلك أن مصر تشهد نحو 30 حالة طلاق كل ساعة سنة 2021، بزيادة 4 حالات في الساعة عن معدلات سنة 2020 وبلغ إجمالي حالات الطلاق في الحضر ــ حسب التقرير ــ 144 ألفا و305 حالات بنسبة 56.6%، في مقابل 110 آلاف و472 حالة في الريف بنسبة 43.4%. وسجلت أعلى نسبة للطلاق في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 عاما بواقع 19.8%، وأقل نسبة في الفئة العمرية من 18 إلى أقل من 20 سنة بواقع 0.2%.
وربط المراقبون بين تآكل المجتمع المصري اجتماعيا من خلال زيادة معدلات الطلاق والجريمة والبلطجة وتدهور الأوضاع المعيشية وتزايد معدلات الفقر، ما أدى فعليا إلى موجات متتالية من التضخم أدت إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق.
حتى إن برلمان السيسي ناقش تقرير الجهاز المركزي للإحصاء وقالت نائبة شمال سيناء عايدة السواركة في 27 أغسطس 2022، تساءلت لدى حكومة السيسي حول دور أجهزة الدولة المعنية للحد من معدلات الطلاق المتزايدة خلال السنوات الأخيرة وعزت زيادة أعداد حالات الطلاق إلى أسباب اجتماعية ومادية، وفي مقدمتها الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر منذ عام 2016 تحرير سعر صرف الجنيه، والتي أثرت سلبا على دخول المواطنين.
وقالت إن “زيادة حالات الطلاق تؤثر سلبا على الأسر المصرية، وتشرد الأطفال، وتجعلهم في حالة تشتت بين الأم والأب، الأمر الذي ينعكس على بنيان المجتمع المصري وتماسكه، ويهدد استقراره، كما يزيد من أعباء الدولة ومسؤولياتها تجاه المواطنين”.
ووفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد زادت معدلات الطلاق في مصر بنسبة 49% خلال 10 سنوات في الفترة الممتدة من عام 2010 حتى عام 2020 وانخفض عدد عقود الزواج عام 2020 إلى 876 ألفا، مقارنة بـ969 ألف عقد عام 2015، أي بنسبة انخفاض بلغت 10%، وبمعدل 101 عقد زواج كل ساعة.
حتى متحدث الحكومة
وسبق لمتحدث الحكومة نادر سعد في أن قال إن “حوالي 20% من حالات الزواج السنوي في البلاد تنتهي بالطلاق” وفي مقابلة تلفزيونية قال سعد إنه “من بين 980 ألف زواج سنويا، يفشل 198 ألفا قبل السنة الثالثة، وهي نسبة كبيرة للطلاق المبكر تتجاوز 20% وأضاف سعد أن ما بين 38 و40% من حالات الطلاق المذكورة تحدث في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وأن الطلاق ينتشر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة”.
المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية
وفي أبريل 2022، كشف المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، في دراسة استكشافية له أسباب وتداعيات الطلاق المبكر في مصر.
وقال المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عبر موقعه الرسمي، إن “معدلات الطلاق المبكر في مصر ترتفع، حيث يأتي الخلع أولا فيها، ومن ثم يليه الطلاق بسبب الإيذاء، كما أنها ترتفع في الحضر عن الريف، وتنخفض نسب الطلاق بارتفاع الحالة العلمية، مشيرًا إلى أن أعلى معدلات الطلاق في المجتمع المصري، جاءت في الفئة العمرية من 20 عاما وحتى 35 عاما”.
ووفقا للدراسة الاستكشافية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، جاءت أسباب ودوافع الطلاق المبكر، كالتالي:
قصر مدة الخطوبة، وتدخل الأهل، وتراجع دور الأسرة والاطار العائلي في رأب الصدع.
وجود فجوة بين الواقع والطموح في محددات الاختيار.
الأسباب الاقتصادية.
عدم التوافق في العلاقة الحميمية بين الزوجين.
التأخر في الإنجاب أو عدم القدرة عليه.
الفروق الثقافية.
إدمان الزوج للمخدرات.
الخيانة الزوجية وكذب الزوج .
الزواج بثانية دون علم من الزوجة الأولى.
الطلاق الشفهي ورأي الأزهر
لكن مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية رفضا اقتراح السيسي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، لأن موقف السيسي ينطلق من حالة استخفاف بالطلاق ذاته، بينما ينصب موقف الأزهر من توافر أركان الطلاق حتى دون توثيقه لأن التوثيق حالة متأخرة، فالمسلمون الأوائل من عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقت قريب كانوا يتعاملون في هذه الحالات دون توثيق أو إشهار للطلاق. ويؤكد الأزهر أن «وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي دون اشتراط إشهاد أو توثيق” وانتهى البيان إلى أن هذا الرأي هو الرأي بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم، كما أكدت الهيئة أن ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الاشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، غير أن البيان خفف من حدة لهجته في إحدى فقراته حين أشار إلى أنه على المطلق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فور وقوعه؛ حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها، ومن حق ولي الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه؛ لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية.” فعدم التوثيق لا يعني مطلقا أن الطلاق لا يقع، والأخذ برأي السيسي ــ غير المتخصص في الفقه ـ قد يعني تكوين ملايين من العلاقات المحرمة في بيوت المسلمين.
ودشن الأزهر قبل سنوات وحدة “لم الشمل” للصلح بين الأزواج المختلفين حتى لا يصلوا إلى مرحلة الطلاق، وذلك للحد من الظاهرة وتبعاتها الاجتماعية الخطيرة، وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيان “الوحدة تهدف لحماية الأسرة من التفكك، ويدور عملها على دراسة الظاهرة نظريا، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى لنشر الوعي ولم شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين”، وخصص المركز رقما موحدا للتواصل مع الوحدة.
يتجاهل ويشهد على نفسه
لكن السيسي تجاهل كل هذه الدراسات وعزا أسباب تزايد معدلات الطلاق إلى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين؛ وطالب السيسي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي وهو ما يناقض ما استقرت عليه نصوص الشرع واجتهادات الفقهاء؛ وكان وزير العدل بحكومة الانقلاب عمر مروان، أصدر الأحد 05 يونيو 2022، قرارًا بتشكيل لجنة مكونة من 11 قاضيا لتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ومحاكم الأسرة، بهدف تحجيم النزاعات وتحقيق العدالة الناجزة من خلال رؤية متوازنة تضمن حقوق جميع أفراد الأسرة، بحسب ما نص عليه القرار. ويبدو أن السيسي يتجه إلى فرض تصوراته في مشروع قانون الأحوال الشخصية ليفصل دينا على مقاسه يقنن به الزنا ليصبح في عهده مباحا تحت لافتة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي.
وتناسي السيسي أنه في خطاب ألقاه في يناير 2017 خلال عيد الشرطة، قال السيسي إن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أبلغه أن حوالي 40% من الزواجات السنوية في البلاد تنتهي بالطلاق بعد 5 سنوات، وطالب السيسي بإصدار قانون ينص على ألا يتم الطلاق إلا أمام المأذون لكي نعطي فرصة للناس ليراجعوا أنفسهم، داعيًا إلى إبطال الطلاق الشفوي، وقال مفتي مصر شوقي علام إن ما لا يقل عن 4200 سؤال حول الطلاق يتم إرسالها إلى دار الإفتاء المصرية شهريا.
آخر التصريحات
ووصل عبدالفتاح السيسي أخيرا في 29 مارس 2023 إلى أن مشروع قانون توثيق الطلاق لن يعتد إلا بتوثيق الانفصال في المحكمة، وذلك أثناء خلال احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية لعام 2023.
وقال السيسي “لو عاوز تنفصل وثق أي كلام غير كده مش هيعتد به”.
وأضاف “اتخاذ خطوة توثيق الطلاق هدفه حماية المجتمع والحفاظ على حقوق الإنسان، من يريد الانفصال عليه الذهاب للمحكمة وتوثيقه، وأي إجراء غير ذلك لن يعتد به”.
وعن قانون توثيق الطلاق قال “اتكلمت في الموضوع ده قبل كده وقلت عاوزين نعمل توثيق للطلاق من 4 أو 5 سنين ومهم نعمله دلوقتي، طيب ليه؟ عمرنا ما هنعمل إجراء يخالف شرعنا، لكن الكلام بقي في مجتمع .
وادعى السيسي في كلمته أنه لن يخالف الشريعة الإسلامية بقوله “عمرنا ما هنعمل أحكام تخالف الشريعة الإسلامية، وذلك وهو يشرح أسباب طرح مشروع توثيق الطلاق وتفاصيله، ويأخذ رأي وزير العدل ومفتي المجمهورية خلال حديثه على الهواء مباشرة مهمشا شيخ الأزهر ورأي هيئة كبار العلماء”.
واستغل السيسي نفي وزير العدل بحكومة الانقلاب عمر مروان ما تردد عن أن نسب الطلاق سنويا في مصر يبلغ متوسطها 34 % وقال إنه “بعد بحث الموضوع بتوجيهات من السيسي فإن النسب السنوية للطلاق تبلغ 3 % في المتوسط فقط”.