غضب بمشيخة الأزهر بعد استخفاف السيسي بالطيب في العاصمة الإدارية

- ‎فيتقارير

تسود حالة من الغضب داخل مشيخة الأزهر  بعد تصريحات الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الأخيرة حول الطلاق الشفوي وتعامله باستخفاف مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والتي اعتبرتها المشيخة تقليلا من رمزيتها وقيمتها؛ وقال السيسي، خلال احتفالية المرأة المصرية يوم الإثنين الماضي (27 مارس2023): "تحدثت في هذا الموضوع قبل ذلك، وقلت إننا نريد أن يكون هناك توثيق للطلاق، وحدث نقاش كبير فيه حينها، لكن من المهم أن نقوم بعمله الآن". وأضاف السيسي : «قانون توثيق الطلاق يحتوي على أكثر من 140 بنداً»، فيما قال وزير العدل عمر مروان إن "الأحكام الموضوعية في القانون الذي تتم صياغته حالياً تجاوزت حتى الآن الـ180، فضلاً عن الأحكام الإجرائية، لأننا نقوم بعمل مشروع متكامل حتى نلغي القوانين الستة السابقة التي كانت تنظم الأحوال الشخصية".

لكن ما أثار الغضب والاستفزاز داخل المشيخة وهيئة كبار العلماء ان السيسي تعمد التقليل من مقام ومكانة ورمزية شيخ الأزهر؛ حين استمع إلى شرح مفصل من مستشاره للشئون الدينية أسامة الأزهري بينما كان شيخ الأزهر في الصفوف الخلفية؛ الأمر الذي اعتبرته المشيخة وهيئة كبار العلماء تقليلاً من مقام شيخ الأزهر خلال احتفالية افتتاح المركز الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة، فجر أول أيام شهر رمضان الحالي (1444هـ)، إذ بدا الأمر وكأنه كان هناك تعمد إساءة لشيخ الأزهر خلال جولة السيسي بالمركز على النحو الذي جرى بالفعل.

وتسبب الطيب وهيئة كبار العلماء لدعوة السيسي لعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، ووجوب توثيقه حتى يصبح نافذاً، في شقاق بين الكاب والعمامة، وصل إلى حد قول السيسي في إحدى المناسبات "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وما تبعه من هجوم على الطيب في وسائل الإعلام التابعة للأجهزة الأمنية.

ومن الأسباب التي أثارت غضب المشيخة وهيئة كبار العلماء أيضا أن السيسي يتجاهل حتى اليوم دور الأزهر في إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين رغم أن الأزهر وهيئة كبار علمائه هم أكبر مؤسسة إسلامية في البلاد. وحسب مصادر مقربة من الطيب فإن «المشيخة "انتظرت من الحكومة أن تُطلعها على مواد قانون الأحوال الشخصية الذي تقوم بإعداده ليكون بديلاً عن 6 تشريعات سارية، خصوصاً مادة توثيق الطلاق الشفهي، لكن ذلك لم يحدث رغم حديث وزير العدل عن "موافقة الأزهر على القانون" نهاية العام الماضي"، وبالتالي كان لزاماً على المشيخة أن تعيد تأكيد موقفها من القضية التي كانت مثار خلاف بين السيسي والطيب.

 

الموقف الدستوري والفقهي

ويرى أستاذ القانون الدستوري في جامعة حلوان جمال جبريل أن مسألة الطلاق الشفهي "مسألة فقهية لا دخل للقانون بها". ووصفها بأنها "معركة بلا ميدان، فيمكن لشخص أن يطلق زوجته ثم يعود ويحلف القسم أنه لم يحدث، كمن يفطر في السر في رمضان، لكنه صائم أمام الناس، كيف يمكن التحكم في هذه المسألة؟". ويضيف أن "موافقة الأزهر غير واجبة من أجل الموافقة على القانون، ويرى أن النص الدستوري بمثابة نص توجيهي واستشاري وليس إلزامياً، ولو كان المشرّع الدستوري يرى وجوب عرض القانون وضرورة موافقته، لكان أوضح ذلك بنص صريح". وينص الدستور في مادته السابعة على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة يختص من دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل".

ويرى الباحث الإسلامي عصام تليمة، عضو جبهة علماء الأزهر، أنه لا طلاق بلا إشهاد"،  بمعنى أنه لا بد من وجود شهود على الطلاق، لكنه لا يعارض مطلقا رأي الجمهور بوجوب وقوع الطلاق الشفهي وهو الرأي الذي يتبناه الأزهر مشيخة وهيئة كبار علماء. وينتقد تليمة موقف سلطات الانقلاب موجها دفة النقاش إلى زاوية أخرى يرى أنها أكثر أهمية، مضيفا: "الأزمة هنا أن نضع الإنسان صاحب المسألة الدينية، الذي يتزوج بالدين، ويطلق بالدين في صراع بين ضميره وبين القانون. وهذا خطأ وليس في صالح أي سلطة تريد أن تتصالح مع المجتمع والدين، لأنه يعطي مبرراً لأي إنسان يعادي هذه السلطة ليجعلها عدوة للدين". وينتهي إلى التأكيد على أن "هناك فرق بين التوثيق وبين الحكم، بين الأمر القضائي والأمر الديني. فإذا وقعت جريمة ما وليس عليها شهود، يكون المتهم بريئاً أمام القانون لعدم اكتمال الأوراق، لكن أمام الدين فهو مذنب. الأصل ألا نجعل الإنسان في صراع بين دينه وبين القانون، لا بد من وجود انسجام".

 

خلاف الكاب والعمامة

وفي ديسمبر الماضي (2022)، زعم وزير العدل بحكومة الانقلاب عمر مروان وجود موافقة مكتوبة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء بشأن توثيق الطلاق.. قائلا: "نحن مطمئنون لكل الأحكام الموجودة في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد". لكن الأزهر نفي ذلك في بيان رسمي الخميس 29 ديسمبر (22م)، الذي جدد فيه التأكيد على الرأي الصادر من هيئة كبار العلماء في بيان الأحد 8 من جمادى الأولى 1438ـ الموافق 5 من فبراير (شباط) 2017؛بشأن الطلاق الشفوي.

وتضمن بيان الأزهر ورأي هيئة كبار العلماء خمس نقاط محورية:

  • وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق.
  • على المطلِّق أن يبادِرَ في توثيق الطلاق فوْرَ وقوعه حفاظًا على حقوق المطلقة وأبنائها.
  • من حقِّ ولي الأمر شرعًا أن يتَّخذَ ما يلزم من إجراءات لسنِّ تشريعٍ يكفل توقيع عقوبة رادعة على مَنِ امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه.
  • التحذير من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التَّسرع في هدم الأسرة وتشريد الأولاد وتعريضهم للضياع.
  • على الزوج أن يلتزم بالتوثيق دون تراخ حفظًا للحقوق ومنعًا للظلم.

وكان السيسي قد صرح في سبتمبر2019 أنه «تجنب الصدام مع مؤسسة الأزهر، بعدما رفضت طلبه عدم اعتماد الطلاق الشفهي في حال عدم توثيقه». وأضاف على هامش إعلانه "2022 عاماً للمجتمع المدني": "تحدثت كثيراً عن تجديد الخطاب الديني، ورفضت التمسك برأيي في مواجهة المؤسسة التي عارضته، وتعمدت شخصياً ترك الموضوع يتفاعل في المجتمع لمنع الصدام، واحترام منطق الزمن والتغيير». لكن  السيسي يتجه نحو تمرير رؤاه وأفكاره في مشروع القانون دون اكتراث لموقف الأزهر أو حتى اعتراض المسلمين على ذلك. وبيان الأزهر يؤكد أن الفجوة لا تزال قائمة. وأن النظام يحاول الالتفاف على موقف الأزهر. يبرهن على ذلك أيضا أن المشيخة أعدت بالفعل مشروع قانون للأحوال الشخصية للمسلمين سنة 2019م، استعان في إعداده ومراجعته بذوي الاختصاص، لكن الحكومة لم تأخذ به؛ في برهان على أن السيسي له رؤية مغايرة  لما استقر عليه كلمة الأزهر وهيئة كبار العلماء.

وحسب كثيرين فإن تدخل السيسي بشكل خشن في قضية الطلاق، وعدم اعتبار وقوع الطلاق الشفهي، وهي قضية علمية فقهية بحتة، يمثل عدم اكتراث بالأحكام الشرعية؛ فالأزهر وهيئة كبار العلماء أعدوا دراسة مستفيضة في مجلدين عن القضية؛ لكن السيسي يصر على طرح الموضوع دون اعتبار لعواقبه وتداعياته الوخيمة شرعيا وأخلاقيا، لأن بقاء الزوجية “حكوميا” بعد تلفظ الزوج بالطلاق (البائن) حتى يتم التوثيق القضائي، يجيز للزوج معاشرة زوجته وهي مطلقة شرعا، ولو مات الزوج ورثته ولا علاقة قرابة بينهما!  معنى ذلك أن السيسي يفتئت على حكم الشرع في المسألة دون علم أو دراية، وقد يجعل ذلك ـ إذا تمر تمرير مشروع القانون بهذه  الأفكار ــ  ملايين الناس يعيشون في الحرام، وملايين الأبناء سينجبون بطرق غير شرعية. (وهذا إشاعة للفاحشة ونشر للزنا بين المسلمين) وتدمير لدور الأسرة لتحويل المجتمعات الإسلامية إلى نماذج فاشلة اجتماعيا على غرار ما حدث في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة). في حين شكلت وزارة العدل لجنة خصيصاً لإعداد تشريع منظم للأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي. ويخاطب التشريع الجديد ما لا يقل عن 15 مليون مصري، وفقاً للإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي)، والتي تشير إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم المصرية، في وقت بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 في المائة من إجمالي حالات الزواج خلال عام 2018.