العنف الأسرى هو: «كل سلوك يصدر فى إطار علاقة حميمة، يسبب ضررًا أو آلامًا جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة». أو هو سلوك عدوانى -بدنى أو معنوى- تمارَس فيه «القوة أو الإكراه بطريقة متعمدة، غير شرعية، من قِبل فرد أو أكثر من أفراد الأسرة، ضد فرد أو أكثر من الأسرة ذاتها، يكون واقعًا تحت سيطرة الجانى وتأثيره، مما يُلحق به الهلاك، أو الضرر أو الأذى».
والمراد بالأسرة: الزوج والزوجة والأولاد، ويتبع ذلك الأخوات والإخوة والآباء والأجداد ممن يعولهم رب الأسرة. والغالب أن العنف الأسرى يقع من الزوج على زوجته، ومن الأب على أولاده، ومن الأخ على أخواته وإخوته، وقد يكون بالعكس؛ من الزوجة على زوجها، ومن الأولاد على والديهم. وتتفق القوانين الوضعية للدول، والمعاهدات الأممية، والمواثيق المستمدة من الشريعة الإسلامية، على رفض العنف العائلى، وتطالب بمعاقبة القائم به، وضمان الحماية والرعاية اللازمين للمعنَّف.
لقد صدر أول إعلان لحقوق الطفل عام 1932 تبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1942، ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1995 إعلانًا عالميًّا لحقوق الطفل. وفى عام 1989، صدرت اتفاقية حقوق الطفل، التى تعهدت بحماية حقوقه وتعزيزها، ودعم نموه ونمائه، ومناهضة أشكال العنف التى توجَّه ضده.
أما بالنسبة للمرأة فقد خصصت الأمم المتحدة يوم (25 نوفمبر من كل عام) يومًا للقضاء على العنف ضد المرأة، وذلك فى قرارها (54/134) الصادر عام 1999. وقبل ذلك بسنوات (1993) صدر الإعلان العالمى لمكافحة العنف ضد المرأة.
أما ميثاق الأسرة فى الإسلام [أصدرته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل]، فقد أسهب فى المواد التى تدعو إلى الرحمة والشفقة داخل الأسرة المسلمة، ونفّر تنفيرًا فظيعًا من العنف الأسرى ومرتكبيه، وخصوصًا ما يقع على الضعفاء، كالأطفال والنساء والمسنين والخدم، وطالب بمعاملة الطفل بطريقة تتفق وإحساسه بكرامته، وتعزز احترام حقوقه الإنسانية، وحرياته الأساسية، والضمانات القانونية احترامًا كاملًا.
وتحدث الميثاق عن العلاقة بين الزوجين، وأن على كلٍّ منهما واجب احترام الآخر وتقدير متاعبه الحياتية، ومراعاة مكانته فى الأسرة، وإعانته على تحمّل أعبائه وعلى سائر شئونه، واحترام قرابته، واعتبارهم فى مكانة قرابته من النسب، ومراعاة مشاعر الآخر، وتجنّب كل ما يجرح كرامته وكرامة أسرته، سواء فى سر أو على ملأ من الناس، وخاصة أمام أحد من أهله أو ذوى قرابته، وينبغى الحرص على إبقاء الخلاف محصورًا بينهما بعيدًا عن الأطفال، وعدم إشاعته بين الأهل والمعارف، ومحاولة حلّه بالتفاهم بينهما، فإن عجزا فبالاحتكام إلى حكمين عدلين من أهله ومن أهلها.
وللأسف؛ لم تمنع قوانين الدول- المحلى منها والعالمى- العنف الأسرى، الذى بات ظاهرة تؤرق البشرية دون استثناء.. كما لم تحد الحياة العصرية فى الدول المتقدمة من الظاهرة؛ التى تسجل أعلى معدلاتها فى تلك الدول وخصوصًا ما يقع على النساء والأطفال، بل زادتها حتى صارت أرقامها معقدة، عصيّة على الصمت والإهمال.
والأدهى أن تأخذ الظاهرة منحى الصعود المتسارع فى بلادنا العربية والإسلامية، وخصوصًا فى السنوات الأخيرة، رغم ما تحظى به تلك الدول من نعمة التشريع الإلهى الذى جاء به رسول الإسلام رحمة ورفقًا للعالمين.