الأمن الغذائي في خطر.. سد جديد على النيل الأبيض بجنوب السودان

- ‎فيتقارير

يواجه الأمن الغذائي المصري تهديدات بالغة الخطورة يتمثل أخطرها في عدم وجود نظام سياسي وطني منتخب بإرادة الشعب الحرة، يحمي الأمن القومي ويدافع عن البلاد ضد جميع أشكال العدوان على السيادة والمصالح المصرية في المنطقة والعالم. بل على العكس فالنظام السياسي الحالي يقوم على حكم الجيش وهيمنته السياسية والاقتصادية على جميع مفاصل الدولة، يصر على اغتصاب السلطة بقوة السلاح وفرض وصياته على المجتمع بأدوات القمع والإرهاب حتى تسبب في تمزيق النسيج الوطني وتدمير وحدة البلاد وقتل قيم المواطنة والانتماء.  وثاني المخاطر هو تربص كثير من الأعداء بمصر شعبا  وبلدا وحضارة وهوية؛ سواء من الشرق متمثلا في الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الغربية الأمريكية الأوروبية، أو من الجنوب ممثلا  في إثيوبيا التي تعمل على تحويل نهر النيل الدولي إلى نهر محلي عبر سد النهضة، الذي تستهدف به التحكم في مياه النيل وتحويلها إلى سلعة تبتز بها دولتي المصب مصر والسودان.

ويظهر في الأفق خطر جديد يهدد الأمن القومي المصري من خلال التقرير الذي نشرته مجلة Nikkei Asia أشهر المجلات الاقتصادية الآسيوية، حول صراع دائر حالياً بين البنوك الصينية من جهة والبنك الدولي من جهة أخرى، بشأن تمويل "سد كهرومائي ضخم" على مجرى النيل الأبيض في دولة جنوب السودان، وذلك لتوليد 2500 ميجاواط/ساعة، ما يطرح تساؤلات حول تداعياته على المياه المتدفقة إلى مصر، التي تواجه بالأساس خطراً كبيراً بفعل سد النهضة العملاق في إثيوبيا والذي يشرف بناءه على الانتهاء بعدما نجحت أديس أبابا في الانتهاء من 90% منه وفق التصميم الهندسي الموضوع قبل إنشائه.

وقالت المجلة في تقرير نُشر في 19 إبريل2023م، إن الصين "تنظر إلى الاستثمار في قطاع الطاقة بالدول الأفريقية، كجزء من المبادرة الصينية بعيدة المدى والمعروفة باسم (الطريق والحزام)، بينما تنظر الولايات المتحدة، إلى تعاظم دور الصين في القارة الأفريقية خصوصاً في مجال الطاقة النظيفة، كتقليل استراتيجي من الدور الأميركي في أفريقيا، وأن نجاح الصين في تطوير قطاع الطاقة في الدول الأفريقية، سوف يجعلها منافساً أساسياً للعديد من الشركات الأميركية والأوروبية المحتكرة لمجال البنية التحتية الاستراتيجية للدول الأفريقية. وأكد التقرير أن استثمارات الدولة الصينية في مجال الطاقة بالدول الأفريقية، وصل إلى قرابة 14.5 مليار دولار حتى نهاية عام 2020، منها الاستثمار في بناء سد النهضة الإثيوبي، وذلك ضمن إجمالي قدره 54 مليار دولار تم استثمارها في الدول الأفريقية خلال الفترة بين 2018 و2020، بينما قدم البنك الدولي بتوصيات أميركية قدراً من الاستثمارات تعادل 34 مليار دولار فقط عن نفس الفترة.

 

بين الأضرار والمنافع

وحسب خبير هندسة السدود محمد حافظ، في تصريحات لصحيفة "العربي الجديد" اللندنية فإن أول من أعلن عن السد في جنوب السودان هو نائب وزير الخارجية الجنوب سوداني دينق داو دينق، في تصريحات له يونيو 2021، موضحا أن بلاده تخطط لتحقيق حلم تطمح لتحقيقه منذ عقد من الزمان لبناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير كهرباء رخيصة والمساعدة في منع الفيضانات المدمرة، وذلك خلال زيارة وزير الري المصري حينذاك محمد عبد العاطي، إلى دولة جنوب السودان، ووعده بقيام الدولة المصرية ببناء سد صغير على أحد فروع نهر الجور بحوض بحر الغزال (فرع سيوي) والذي عرف باسم سد واو والقادر على توليد قرابة 10 ميغاواط، وتوفير مياه شرب نظيفة لقرابة نصف مليون مواطن سوداني، هذا بالإضافة لتوفير مياه ري لقرابة 35 ألف فدان".

ويرى حافظ أن بناء عدد من السدود الصغيرة في هذه المنطقة لا يمثل ضررا على الأمن المائي المصري بشرط ألا يزيد حجم تخزينه عن 7 مليارات م  مكعب سنويا يتم تفريغها كل سنة في موسم الفيضان عند الملء الجديد؛ كسدي الرصيرص ومروى في السودان لتقليل حجم الفواقد من المياه في منطقة المستنقعات. لكن الخبير في هندسة السدود يحذر من السماح بإنشاء سدود  تزيد عن 7 مليارات م مكعب مثل السد التنزاني الذي تبنيه شركة المقاولون العرب المصرية في تنزانيا والذي يتسع لقرابة 34 مليار متر مكعب ويولد قرابة 2100 ميغاواط/ساعة، فعندئذ سيكون هذا السد بنفس خطورة سد النهضة على الدولة المصرية، حيث إن النيل الأبيض يوفر للدولة المصرية قرابة 15% من حصتها المائية، وبناء سد ضخم يحجز أكثر من فيضان ببحيرة التخزين، سيكون عقبة إضافية لتقليص التدفقات المائية للنيل الموحد الذي يصب في بحيرة ناصر (جنوب مصر)". لكن حافظ رأى أنه "من الناحية الفنية البحتة، فإن إنشاء سد ضخم في حجم السد التنزاني على سبيل المثال بمنطقة مستنقعات دولة جنوب السودان لهو تحد هندسي كبير لأي شركة صينية أو أميركية، وذلك بسبب ضعف أراضي دولة جنوب السودان المشاطئة لمجرى النيل الأبيض، حيث تتكون تلك الأراضي من تربة ضعيفة جدا تعرف باسم القطن الأسود، وأن البناء عليها يستلزم عمليات تحسين تربة غالية جداً ربما تعادل 50% من تكاليف بناء السد".

 

اشتراطات واجبة

ويوضح الباحث السوداني المهتم بقضايا الزراعة والموارد الطبيعية صقر النور أن السد التي تطمح جنوب السودان لبنائه، سد كهرباء، وسدود الكهرباء عموماً لا تؤثر بعد ملء خزاناتها على دول المصب، إلا في حالة استخدام المخزون في أنشطة زراعية، وهنا تتقلص كمية المياه التي تصل لدول المصب".

ويطالب بضرورة  الاتفاق على شروط التشغيل بين دول حوض النيل حول أي سد يقام على المجرى المائي؛ فخلال سنوات الملء، يتم الاتفاق حولها والاستفادة من سنوات الفيضانات العالية، وتجنب الملء في أثناء الجفاف، وهي أهم الاشتراطات، أما تبادل المعلومات والتنسيق بين الخزانات، فهو شرط ثان ضروري جدا خصوصاً في حال السدود الكبيرة التي تؤثر على جريان النيل. أما الشيء الأخير فهو إمكانية التنسيق والربط الكهربائي والمائي بالشكل الذي يسمح لهذه الخزانات بأن تعمل لصالح الجميع في أوقات الفيضان الطويل، وهذا التصور ممكن وقد طرحه باحثون مهمون مثل الباحث محمد بشير من جامعة مانشستر والباحث كيفين ويكلر من جامعة أوكسفورد، وأيضاً الباحث الفاتح الطاهر في دراسة مهمة نشرت في مجلة ناتشر الشهيرة. ويشير هذا التصور إلى أن إيراد النيل من المحتمل أن يزيد نتيجة التغيرات المناخية، لكن التذبذب وعدم الانضباط في مواسم الفيضان والجفاف، قد يزيد أيضاً وبالتالي فقد يكون التخزين مفيدًا إذا اتفق الجميع حول آليات التشارك في أوقات الجفاف الطويل أو الظواهر المناخية المتطرفة".

وتعتمد مصر بشكل كلي على مياه نهر النيل بنسبة 97% من مواردها المائية، ونحو 3% فقط من المياه الجوفية. ووقعت مصر والسودان اتفاقية لتقاسم مياه النيل عام 1959، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 التي أبرمت في عهد الاستعمار البريطاني، وبموجب اتفاقية 1959 تحصل مصر على حصة سنوية من مياه النيل قدرها 55.5 مليار متر مكعب لمصر مقابل 18.5 مليار متر مكعب للسودان. في ذلك الوقت، كان عدد سكان البلاد نحو 20 مليون نسمة، الآن يبلغ عدد السكان نحو 105 مليون نسمة، أي أى أن نصيب الفرد تجاوز وقتها الـ2000 متر مكعب. وانخفض نصيب الفرد من موارد المياه في البلاد من 2526 متراً مكعباً /سنة في عام 1947 إلى نحو 700م3 في سنة 2000 ثم تراجع إلى نحو 500م3 حاليا؛ وفقا لوزير الري والموارد المائية محمد عبد العاطي. وهو أقل بكثير من عتبة 1000 متر مكعب/سنة التي تعتبرها الأمم المتحدة ضرورية لتوفير مياه كافية للشرب والزراعة والتغذية (مصر، 2014). ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، مما يؤدي إلى رقم محتمل أقل من 350 متراً مكعباً/سنة بحلول عام 2050! وحاليا تعاني مصر من فقر مائي مدقع وأزمة غداء حيث تستورد نحو 65% من غذائها من الخارج في ظل تناقض نصيب كل فرد من المياه العذبة.