تصاعدت الأزمات التي يواجهها القطاع الخاص رغم مزاعم نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي بتشجيع القطاع الخاص وانسحاب دولة العسكر من عدد من المشروعات للنهوض به ودعمه، إلا أن الواقع يشير إلى استحواذ الجيش على أغلب المشروعات وهيمنته على الكثير من الأنشطة بالتزامن مع عجز القطاع الخاص عن المنافسة، ما أدى إلى انكماشه وخروج بعض الشركات من السوق وتوقفها عن الإنتاج .
وكشف خبراء الاقتصاد أن شركات القطاع الخاص تواجه تحديات كبيرة من بينها ضعف الطلب، بالإضافة إلى قيود التضخم والتوريد وتذبذب سعر الصرف، مؤكدين أن هذه التحديات دفعت الشركات إلى تخفيض أعداد موظفيها للشهر الرابع على التوالى، نتيجة ارتفاع تكاليف التوظيف.
كانت وزارة تخطيط الانقلاب قد اعترفت بانخفاض نشاط الشراء للشركات بشكل حاد خلال شهر مارس الماضي.
وأكدت تخطيط الانقلاب في تقرير لها أن عددا كبيرا من شركات القطاع الخاص، حذرت من أن ضعف الطلب من العملاء وضوابط الاستيراد ساهما في تراجع النشاط الشرائي، ومع انخفاض الشراء، قامت بعض الشركات بالسحب من المخزون تلبية للطلبات الجديدة، ما أدى إلى انكماش مخزون مستلزمات الإنتاج حيث انخفض بنسبة 0.6% على أساس شهري.
وأشار التقرير، إلى أن متوسط قيمة العملة المحلية بلغ 30.8 لكل دولار أمريكي خلال شهر مارس الماضي، وأثر ذلك على نشاط القطاع الخاص غير المنتج للنفط، حيث ربطت الشركات ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج بشكل أساسي بانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار الواردات.
وكشف أن القيود الجمركية وضوابط الاستيراد الناتجة عن عدم توفر العملة الأجنبية أدت إلى الانخفاض الشهري الخامس على التوالي في أداء الموردين، حيث ارتفع المؤشر الخاص بمواعيد تسليم الموردين بنسبة 2.6% على أساس شهري و2.3% على أساس سنوي ليعكس طول فترات التوريد التي تؤثر بدورها على النشاط الإنتاجي للشركات .
وأوضح التقرير أن بعض الأدلة أشارت إلى وجود فائض في الطاقة الاستيعابية للشركات، ولذلك انخفض حجم الأعمال المتراكمة إلى أقصى حد منذ شهر أبريل 2022.
ولفت إلى أنه بالتزامن مع الاتجاه التصاعدى لمعدلات التضخم، بلغ مؤشر أسعار المدخلات 62.8 نقطة في شهر مارس 2023 بزيادة سنوية بلغت 7.1%، الأمر الذي يشير إلى حجم تكاليف الإنتاج الضخمة التي تتحملها الشركات مقابل ضعف مستويات الطلب فضلا، عن تأثر نشاط الشراء بالقيود الجمركية، وهو ما يسفر عن تراجع أداء الشركات غير المنتجة للنفط في المجمل.
تراجع مستمر
من جانبه قال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن "هناك حالة من الركود داخل القطاع الخاص غير النفطي، الذي يربطه بكونه قطاعا غير إنتاجي ويغلب عليه الريع والعمل في قطاع الخدمات، مما يضعف أداء الناتج المحلي الإجمالي لمصر".
وأكد الصاوي في تصريحات صحفية أن هذا التراجع مستمر منذ مدة طويلة، مشيرا إلى أن المساحات المسموح بها للقطاع الخاص باتت ضيقة حتى على مستوى الاستيراد والتصدير للسلع الرئيسية التي كان يتمتع بها القطاع الخاص سابقا .
واستبعد حدوث أي تحسن لأداء القطاع الخاص ما لم تتبن حكومة الانقلاب سياسة اقتصادية إنتاجية، وتحررها بكل مكوناتها النقدية والمالية والاستثمارية.
واعتبر الصاوي أن أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية كان لها دور في هذا التراجع لما تسببت فيه من حالات إغلاق لبعض الأنشطة، إضافة إلى قرارات حكومة الانقلاب فيما يتعلق بقطاع الإنشاء والبناء، حيث عطلت عمل أي إنشاءات داخل مساحات كبيرة، ومعلوم أن هذا القطاع من أكثر القطاعات التي توفر فرص عمل بشكل كبير.
وشدد الصاوي على ضرورة أن يكون للجهاز المصرفي دور رئيسي في معالجة هذا التراجع عبر توجيه جزء من الودائع إلى تمويل مشروعات حقيقية في كافة القطاعات الخاصة، مع ضرورة البعد عن المشروعات الريعية والتركيز على القطاعات التي توفر فرص عمل وتحسن من أداء الناتج المحلي الإجمالي.
رجال الأعمال
وأكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن القطاع الخاص يعاني من مناخ اقتصادي غير مستقر خلال السنوات الأخيرة نتيجة حالة عدم الأمان التي يشعر بها رجال الأعمال على خلفية الإجراءات الفجائية بالقبض على رجال أعمال من جانب أمن الانقلاب دون تهم واضحة، مشيرا إلى أن الأمر لم يعد مقتصرا على معارضي نظام الانقلاب .
وكشف الولي في تصريحات صحفية أن هذا الأمر جعل الكثير من رجال الأعمال المصريين يتوقفون عن ضخ استثمارات جديدة ترقبا لتغيّر الصورة، كما تأثر المستثمرون العرب والأجانب بعزوف المستثمر المحلي، وأحجموا بدورهم انتظارا لتحرك المستثمرين المصريين.
وعن تأثير مشروعات الجيش على القطاع الخاص، أشار إلى أن المنافسة غير متكافئة في ظل ما هو متاح للشركات التابعة للجيش، حيث تمارس عملها بعمالة تتقاضى مبالغ زهيدة، ولا تدفع ضرائب، مع إمكانية فتح منافذ توزيع في أي مكان تراه مناسبا، وهو ما ليس متاحا للقطاع الخاص.
سياسات الانقلاب
وأكد الصحفي الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن انكماش القطاع الخاص، هو نتيجة طبيعية لسياسات نظام الانقلاب الاقتصادية التي ارتبطت بالاهتمام بمشاريع بنية تحتية على حساب تنشيط المصانع ودعم المتوقف منها، إضافة إلى سيطرة واستحواذ المؤسسة العسكرية على العديد من النشاطات الاقتصادية التي كان ينشط فيها القطاع الخاص.
وانتقد الطاهر في تصريحات صحفية اهتمام حكومة الانقلاب بما تسميه إنجازات رقمية مرتبطة بمعدلات التضخم والفائدة والاحتياطي النقدي وتحويلات المصريين في الخارج، أكثر من اهتمامها بالإنجازات الإنتاجية، مؤكدا أن معدل الإنتاج ضعيف ويتراجع باستمرار نتيجة لعدم اهتمام نظام الانقلاب به.
وأشار إلى أن أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية كان لها دور بجانب السياسات الداخلية المتضاربة في تفاقم أزمة القطاع الخاص، التي أدت إلى تراجع حجم الطلبيات من المصانع وضعف إنتاجها، إضافة إلى ضعف السوق المصري بصورة عامة، وارتفاع أسعار الكهرباء وتكلفة الاستثمار رغم انخفاض سعر الفائدة.
حلول
وكشف الخبير الاقتصادي هاني توفيق عن أزمات تواجه القطاع الخاص خلال الفترة الحالية بعد انكماشه لأدنى مستوى له خلال الـعامين الأخيرين، موضحا أن الانكماش يعني بطالة، ويعني مقدمة لركود، أو ركود تضخمي وهو الأسوأ.
وقال توفيق في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "انكماش القطاع الخاص لأدنى مستوى له هو أمر في غاية الخطورة، وإن كان متوقعا للظروف المحلية والعالمية، إلا أنه يجب الالتفات إليه من جميع واضعي السياسات ومتخذي القرار" .
وأشار إلى أن كل الدول تعاني هذه الأيام وطوال فترة الحرب الروسية من مشكلة التضخم والانكماش، والدول الأذكى هي الأكثر مرونة وسرعة في التعامل مع هذه المشكلة التي لا يعلم مداها إلا الله .
واقترح توفيق حلولا لمواجهة انكماش القطاع الخاص تتمثل في التالي:-
1- تسهيل إجراءات ومستندات الاستيراد والتصدير ودوران رأس المال لتظل المصانع في حالة تشغيل مستمر لكافة عناصر الإنتاج.
2- مزايا إضافية وتمويل المشروعات كثيفة الاستخدام للعمالة، بما في ذلك إعفاءات ضريبية وجمركية تتناسب طرديا مع حجم العمالة، ويمكن تكرار نفس الحوافز مع مشروعات التصدير أو إحلال الاستيراد.