احتجاجا على الاستنزاف المستمر ..المستثمرون ورجال الأعمال هرّبوا أموالهم خارج مصر خوفا من السيسي

- ‎فيتقارير

 

 

ثورة غضب تسود بين المستثمرين بالبورصة احتجاجا على تلقيهم خطابا من مصلحة الضرائب يفيد بإلزامهم سداد عمليات تداول على أسهم الشركات المقيدة بسوق «الأوامر» خارج المقصورة، عن عمليات نفذت منذ عام 2007.

كما تضررت بعض شركات السمسرة من تلقيها خطابات تلزمها بسداد العملاء للضريبة، رغم تخارج هؤلاء العملاء من السوق منذ سنوات طويلة، وعودتهم إلى بلادهم.

وتساءلت الشركات، كيف يمكن التواصل مع العملاء الذين تخارجوا من السوق المحلي؟ مطالبة وزارة مالية الانقلاب بتجميد هذا القرار.

وقال المتضررون: إنهم “فوجئوا بخطابات من مصلحة الضرائب تفيد بضرورة سدادهم ضريبة أرباح تجارية، وليست رأسمالية عن عمليات نفذت منذ نحو 16 عاما، وهو الأمر الذي يثير علامات استفهام حول قيام المصلحة بذلك.

وأشار المتضررون إلى أن الأمور غير واضحة لدى مصلحة الضرائب، ولم تفرق المصلحة بين أرباح رأسمالية عن أسهم متداولة بسوق الأوامر خارج المقصورة، الذي يضم الشركات التي تم نقلها من السوق الرئيسي لسوق «الأوامر» بسبب عدم توافقها مع قواعد الإفصاح والحوكمة، وشركات أخرى غير مقيدة يتم نقل ملكيتها بسوق «نقل الملكية» سوق الخارج.

كان الخطاب الذي تلقاه المستثمرون قد تضمن مطالبتهم بالتوجه إلى الإدارة العامة للضريبة على تداول الأوراق المالية لتسوية موقفهم الضريبي بخصوص العمليات التي قاموا بإجرائها على أوراق مالية بسوق خارج المقصورة غير مقيدة، وهو الأمر الذي أصاب المستثمرين بالدهشة.

يشار إلى أن مطالبة المستثمرين بسداد ضرائب مر عليها أكثر من 15 عاما، رغم أن المطالبين لم يكونوا خاضعين للضريبة تتزامن مع قرار عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي بتشكيل ما يسمى بالمجلس الأعلى للاستثمار، وكذلك قرار تشكيل وتنظيم المجلس الأعلى للتصدير، ما يؤكد أن هناك عدم جدية من جانب الانقلاب في تشجيع الاستثمار والمستثمرين وأن الهدف هو استنزاف المستثمرين وجمع الأموال منهم بأية وسيلة .

 

هيئة مستقلة

 

من جانبه طالب الدكتور محمد سعد الدين، نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين ورئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات، بضرورة العمل على تحسين مناخ الاستثمار وإجراء مزيد من الإصلاحات التشريعية للوضع الاقتصادي في ظل التحديات العالمية، بما يساهم في جذب رؤوس الأموال الخارجية للاقتصاد المصري للاستفادة القصوى منها في زيادة عجلة الإنتاج المحلي وزياد الصادرات.

وقال سعد الدين في تصريحات صحفية: إن “الاقتصاد المصري يحتاج إلى هيئة مستقلة لرعاية المستثمرين، تتمثل في هيكل إداري مستقل يتمتع بنفوذ وسلطات غير محدودة في الإشراف على المناطق الصناعية؛ لإحداث نقلة صناعية واقتصادية في وقت قياسي، وتقديم حلول غير تقليدية تمنح قُبلة الحياة للصناعة والإنتاج، وإنهاء الإجراءات والتراخيص للمصانع، خلال 24 ساعة”.

 

تدمير منهجي

 

وحذر يحيى حامد وزير الاستثمار الأسبق من أن مصر في زمن الانقلاب ستواجه قريبا الإفلاس وعدم قدرة دولة العسكر على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.

وقال حامد: إن “أساسيات الاقتصاد تم تدميرها بشكل منهجي منذ استيلاء العسكر على البلاد، كما أهدرت حكومة الانقلاب فرصا هائلة لتطوير الاقتصاد وتحديثه وتنميته”.

وأوضح أن نظام الانقلاب يقترض فقط من أجل البقاء، والطريقة الوحيدة للوفاء بالتزامات الديون هي الاقتراض أكثر، مشيرا إلى تعرض الجنيه المصري لضربات، كما أن العملة الأجنبية غير متوفرة لمعظم المستوردين وتكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع وبلغ التضخم نسبة لا تحتمل.

وأشار حامد إلى أن دين مصر الإجمالي ارتفع بما نسبته 93 بالمائة ويتوقع أن تزيد خدمة الديون بما نسبته 62 بالمائة مقارنة بالسنة المالية 2020-2021 والسنة المالية 2023-2024. واستحوذ الدين في ميزانية السنة المالية 2022-2023 على ما يقرب من 50 بالمائة من الإنفاق.

وأكد أنه لا توجد لدى حكومة الانقلاب رؤية لوقف الاقتراض أو حتى للحد من استخدام الاقتراض من أجل وقف العجز وزيادة الموارد، لافتا إلى أن مصادر مصر من العملة الأجنبية محدودة والمصدران الرئيسيان هما إيرادات قناة السويس والسياحة الأجنبية وكلاهما تعرض لضربات شديدة، من خلال انعدام الاستقرار ثم بسبب جائحة كوفيد-19 والآن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضح حامد أنه بدلا من تنمية القطاع الخاص اختارت حكومة الانقلاب تركيز جميع النشاطات الاقتصادية في أيدي العسكر، واليوم يعمل الجيش في كل قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية بما في ذلك الإعلام والترفيه والأغذية والضيافة والإنشاءات وغيرها، مؤكدا أن ذلك جعل مصر ليست مفتوحة للعمل التجاري، بل إن القطاع الخاص موجود في غرفة الإنعاش، إن لم يكن قد مات فعليا”.

 

الأمن والأمان

 

وقال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي نقيب الصحفيين الأسبق: إن “عدم الشعور بالأمان داخل مصر من جانب المستثمرين دفعهم إلى إخراج أموالهم من مصر، وحرمان البلاد من إمكانية استثمار تلك الأموال محليا، سواء في توسيع مشروعاتهم أو القيام بمشروعات جديدة، بما يعنيه ذلك من زيادة للمعروض من السلع والخدمات وهو ما يهدئ من موجات التضخم، وكذلك إتاحة المزيد من فرص العمل التي تهدئ من معدلات البطالة، وتزيد من عوامل الاستقرار الاجتماعي، كما تزيد الطلب بالأسواق نتيجة الاستقرار بالأعمال”.

وأضاف الولي في تصريحات صحفية أن الكثير من رجال الأعمال المصريين أخرجوا أموالهم إلى بلدان خارجية لدواع تتعلق بالأمن والأمان، خشية أن يتكرر معهم ما حدث مع غيرهم من استيلاء ومصادرة أموالهم . 

وأشار إلى أن غياب الثقة يسبب إحجام غالب المستثمرين المحليين عن القيام بتوسعات، متسائلا إذا كان هذا هو الحال فما بالنا في التفكير في القيام باستثمار جديد، كما أن المستثمر الأجنبي عندما يلاحظ إحجام المستثمر المحلي فإنه لن يخاطر بالقدوم.

وأوضح الولي أن استعادة الثقة المفقودة حاليا تحتاج إلى الكثير من الإجراءات، وإلى مدى زمني قد يطول لعدة سنوات حتى تتأكد تلك الثقة، مشيرا إلى أنه رغم مزاعم حكومة الانقلاب بأنها تجهز لوثيقة لتشجيع دور القطاع الخاص، إلا أنها تواصل إجراءات التحفظ على أموال بعض الشركات، بل وحبس أصحاب شركات دونما سبب واضح، وفي الزج برجال أعمال في السجون بتهم لم تجد قناعة لدى الجمهور. 

وأكد أنه بينما ترفع حكومة الانقلاب شعار المنافسة العادلة بين الدولة والقطاع الخاص، ما زالت كل الشواهد العملية تشير لغياب تلك المنافسة العادلة، بداية من الباعة الصغار بالأسواق الذين تتم مصادرة بضائعهم والعربات التي يبيعون عليها والموازين، بينما يتم السماح بوقوف السيارات التابعة لكل من الجيش وشرطة الانقلاب لبيع السلع الغذائية في أي مكان ترغب فيه، بل والسماح بتواجد المنشآت التجارية التابعة لهما بالميادين والحدائق والشوارع الرئيسية بما يخالف التنسيق الحضاري والمظهر العام لتلك الأماكن.   

 

جباية

 

وكشف الولي أن الصحف نشرت مؤخرا عن مخالفات تتعلق بالمضمون الغذائي بمنتجات إحدى الشركات الخاصة، المنتجة لنوع من الشعرية التي أقبل عليها الشباب، وإلزام تلك الشركة بسحب كميات ضخمة من منتجاتها من الأسواق، ليتبين أن السبب في ذلك هو قيام إحدى الشركات التابعة للجيش بإنتاج نوع مشابه من الشعرية، مؤكدا أن قدرة حكومة الانقلاب على تنفيذ شعار المنافسة العادلة وتشجيع الاستثمار الذي ترفعه مشكوك فيه من قبل القطاع الخاص .

وشدد على ضرورة إجراء تعديل تشريعي يلغى إعفاء الجهات التابعة للجيش من الضرائب، سواء ضريبة الدخل والقيمة المضافة والجمارك، طالما أنها تقوم بنشاط تجاري هادف للربح وليس لأنشطة متعلقة بالجوانب الدفاعية وإلزام المنافذ التابعة للجيش وداخلية الانقلاب بدفع إيجارات للأماكن التي تشغلها، ودفع تكاليف المرافق من مياه وكهرباء وصرف، لتحقيق المنافسة العادلة في التكلفة، والالتزام بالمساحات المقررة لها دون تعدٍ على الأرصفة والأماكن المجاورة، حتى تكون هناك منافسة عادلة مع القطاع الخاص. 

وطالب الولي بضرورة أن يكون تشجيع الاستثمار بمثابة دستور عمل ملزم لحكومة الانقلاب، وللجهات التابعة لها بل ولكافة طوائف المجتمع، لافتا إلى أن الاستثمار هو السبيل للتشغيل وهو السبيل لزيادة السلع والخدمات وتقليل الواردات ولزيادة التصدير، والحصول على المزيد من العملات الأجنبية بما يساهم في استقرار سعر الصرف. 

وأشار إلى ضرورة تغيير نظرة الجباية الحالية التي تتبعها حكومة الانقلاب مع المستثمرين، حيث رفعت كافة الوزارات والهيئات الخدمية الحكومية أسعار خدماتها، بخلاف الزيادات التي لحقت بأنواع الضرائب المتعددة وأسعار الوقود والأراضي وغيرها، وأن تسود المجتمع مفاهيم معاصرة مثل المواصفات القياسية والجودة الشاملة والقيمة المضافة ونحو ذلك، مؤكدا أن الالتزام بالمواصفات القياسية للمنتجات يساعد على المزيد من المبيعات والثقة بتلك المنتجات محليا وخارجيا .