أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة إطلاق رشفة صواريخ باتجاج الأراضي الفلسطينية المحتلة ردا على استشهاد الأسير خضر عنان في سجون الاحتلال بعد إضراب عن الطعام لأكثر من ثمانين يوما. ومن من جانبه اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق 22 قذيفة صاروخية من قطاع غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن بين الـ22 صاروخًا، أعلن الجيش الصهيوني أنه استطاع اعتراض 4 منها من خلال القبة الحديدية، وهو ما يعني أن 16 صاروخًا أصابت أهدافًا في البلدات المتاخمة لقطاع غزة. وبينما أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن عدم وقوع إصابات، أعلن الإسعاف الإسرائيلي عن إصابة 3 مستوطنين أحدهم في حالة خطيرة جراء سقوط صاروخ على بلدة سديروت.
من جهتها، أعلنت الغرفة المشتركة التي تمثل الفصائل المسلحة في غزة، بما فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، الثلاثاء 02 مايو 2023م، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ. وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية، في بيان، الاحتلال الإسرائيلي من أن “تماديه في العدوان وارتكابه أي جريمة أو حماقة لن يمر دون رد”.
وجاء في البيان “الغرفة المشتركة إذ تنعى الشهيد المجاهد فإنها تعلن مسؤوليتها عن دك ما يسمى مغتصبات غلاف غزة برشقات صاروخية مساء اليوم”. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة علي منصات التواصل سيارة لمستوطنين متفحمة في بلدة سديروت جراء القصف. ويأتي هذا التطور عقب إعلان وفاة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الأسير خضر عدنان داخل السجون الإسرائيلية، بعد 86 يومًا من إضرابه المفتوح عن الطعام رفضًا لاعتقاله الإداري.
وفي محاولة لتهدئة الموقف ترعى المخابرات العامة المصرية جهودا للوساطة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتنقل صحيفة "العربي الجديد" اللندنية عن مصادرة مصرية قولها إن "المسؤولين بجهاز المخابرات العامة المصري، يبذلون، منذ صباح الثلاثاء، جهوداً حثيثة لمنع انفجار الأوضاع في قطاع غزة، عقب وفاة الأسير خضر عدنان، القيادي بحركة الجهاد، بعد 86 يوماً من إضرابه المفتوح عن الطعام. وحسب المصدر المصري فإن "جهود الوساطة المصرية فشلت في احتواء غضب حركة الجهاد، التي تمسكت بالرد على التعنت الإسرائيلي الذي أودى بحياة خضر"، مؤكداً أن "المسؤولين في القاهرة يحاولون التوصل إلى اتفاق يقضي بسرعة تسليم جثمان الأسير الراحل، مقابل وقف التصعيد من الجانبين".
وأوضح المصدر المصري أن "جهود المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصري، الذين تواصلوا خلال الساعات الماضية مع مسؤولين في حكومة الاحتلال، وقيادة حركة الجهاد الإسلامي، تسعى للتوصل إلى اتفاق قبل حلول منتصف الليل، في ظل احتقان الأجواء، وخشية اندلاع مواجهة واسعة"، مؤكداً أن "هناك حالة انزعاج مصرية، بسبب بدء المواجهات بشكل عنيف، وهو ما ينذر باحتمالات أكبر لاتساعها، على عكس المرات السابقة، التي كانت تأخذ طابعاً تدريجياً". وأرجع المصدر المصري حالة التوتر المسيطرة على المشهد إلى "تصاعد الغضب داخل حركة الجهاد الإسلامي، لفشل اتصالات كانت جارية خلال الأيام الماضية، بين القاهرة والمسؤولين في حكومة الاحتلال من جانب، والمسؤولين بجهاز المخابرات العامة وقيادة حركة الجهاد من جانب آخر، لاحتواء الأزمة والإفراج عن الأسير الفلسطيني، لكن الجهود فشلت، وسبقها القدر باستشهاد الأسير". وأشار المصدر إلى أن "هناك اتصالات بين المسؤولين في القاهرة وأطراف إقليمية ذات تأثير على الوضع في قطاع غزة، من أجل دعم جهود الوساطة، لمنع انفجار المشهد".
الموقف الشرعي من الإضراب
وكان الباحث الشرعي عصام تليمة قد تناول في مقال له تحت عنوان (الإضراب عن الطعام.. نضال وشهادة أم انتحار وقتل نفس؟) والمنشور على موقع الجزيرة مباشر تباريخ 17 يناير 2020م، الموقف الشرعي من الإضراب عن الطعام، وهو سلوك يلجأ إليه بعض الأسرى في سجون الاحتلال وبعض المعتقلين في سجون الطغاة والمستبدين العرب احتجاجا على صنوف العذاب الذي يتعرضون له. مستنكرا في البدء إلقاء اللوم على المظلومين دون الظالمين الذين يرتبكون أبشع أنواع الظلم ما يدفع بعض الأسرى والمعتقلين إلى الإضراب عن الطعام احتجاجا على بشاعة الظلم الذي يتعرضون له.
وينتهي تليمة في مقاله إلى أن المضرب عن الطعام إذا اجتهد في إضرابه فأدى إلى وفاته، فهو مغفور له إن شاء الله بصبره وثباته على الظلم، ونرجو له أجر الشهادة عند الله تبارك وتعالى. مشيرا إلى أن هذه الفتوى توصل إليها عن قناعة بناها على النصوص الدينية وقواع الشرع الإسلامي. ويستدل تليمة على صحة فتواه بأن المضرب عن الطعام ليس منتحرا، ولا قاتلا للنفس، لأنه لو أراد ذلك لتخلص من حياته في دقيقة واحدة، بشرب سم، أو بحرق نفسه، أو بشنق نفسه، أو بقطع وريده، فلماذا يلجأ إلى الإضراب عن الطعام الذي يستمر أياما بل شهورا، لماذا يعذب نفسه لو كان قراره الانتحار أو قتل النفس؟ وهذه مسألة مهمة لا بد أن يقف عليها من يتعرض لهذه الفتوى، أن يعرف طبيعة الموضوع الذي يفتي فيه، ويكيفه تكييفا صحيحا، حتى لا يتحدث عن موضوع، ويكون كلامه في واد والحقائق في واد آخر، فينزل نصوصا في غير موضعها.
ويضيف تليمة: «النصوص التي بنيت عليها فتواي تدور بين قواعد شرعية، ونصوص دينية، بعد تصوري لواقع المسألة، وليس ما يدعيه البعض أن الإضراب عن الطعام وسيلة غربية لم ترد في الإسلام، فهذا كلام فارغ لا ينطلق من علم، فالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق أخذ بفكرة حفر الخندق وهي فكرة فارسية يقوم بها عباد النار من دون الله، لكنها وسيلة لا علاقة لها بالعقيدة ولا بثوابت الدين، ولا تعارضه، وهنا قاعدة مهمة: للوسائل حكم المقاصد والغايات، فكل هدف مشروع في الإسلام، الوسيلة المؤدية إليه تأخذ نفس حكمه، فالإضراب عن الطعام هدفه: رد الحق للسجين، ورفع الظلم عنه، وأن يعيش بكرامته في سجنه المحبوس فيه ظلما، وهو هدف مشروع، وحق، فكذلك وسيلته وهو الإضراب عن الطعام أو أي وسيلة أخرى، يأخذ نفس الحكم».
ويؤكد الباحث أن هناك فرقا فرقا بين المنتحر والمضرب عن الطعام في السجون والمعتقلات، فالمنتحر إنسان يائس من الحياة، أما المضرب عن الطعام فهو مملوء بالأمل، عينه على المستقبل أن يكون مستقبلا مملوءا بالحب، والخير، والعدل والسلام. والمنتحر كاره للحياة، والمضرب عن الطعام محب لها، مقبل عليها، يريدها بعزة وكرامة، لا بذلة ومهانة، لا يقبل بالضيم، ولا بأي حياة كحياة الحيوانات، يهمه أن يعيش حرا كريما.
وينتهي إلى أن المضرب عن الطعام لو أدى اجتهاده في الأمر لوفاته، فهو مغفور له بصبره وثباته في سجنه، وهو ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في حالة صحابي انتحر، أي قتل نفسه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: “أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين، ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، للذي ذخر الله للأنصار ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم وليديه فاغفر”. فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا استغفر لمن انتحر، وقد انتحر لأنه لم يتحمل جو المدينة، أي انتقاله من بلد إلى بلد، فما بالنا لو كان في زماننا، ولم يتحمل جو سجن العقرب، أو سجون مصر، ماذا سيكون رأي الشرع الحنيف فيه؟ يقول الإمام النووي: والحديث حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة.
وفي ختام مقاله يؤكد تليمة أن المضرب عن الطعام ليس قاتلا لنفسه، بل مقتول ظلما، وقاتله هو كل من ظلمه، وكل من شارك في ظلمه، سواء بسجنه ظلما، أو بالتنكيل به في سجنه، أو بالصمت عليه من منظمات وهيئات حقوق إنسان داخل مصر وخارجها، كل هؤلاء شركاء في قتله، ومحاسبون أمام الله تعالى عن كل مظلوم في سجون الظلمة.