رغم مزاعم نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي بالاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية مطالبهم ومنحهم حقوقهم، إلا أن الوقائع تكشف أن هذه الفئة التي يصل عددها إلى 10.7 مليون مواطن وفقا لتقدير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء في 2022 تعاني الأمرين في مختلف هيئات وأجهزة حكومة الانقلاب .
ويواجه ذوو الهمم أزمات كثيرة في حياتهم اليومية، على رأسها أزمة قبول الأطفال في المدارس أو الحصول على حقوقهم في التعليم والصحة والأنشطة المختلفة بصورة طبيعية، مما يتسبب في معاناة دائمة لهم ولأسرهم.
كما يواجهون تحديات كبيرة في استخراج بطاقة الخدمات المتكاملة التي طرحتها دولة العسكر لتساعد أصحاب الإعاقات في الحصول على مزايا وخدمات أقرها لهم القانون، وذلك بسبب صعوبة الإجراءات التي وصفها البعض بالمعقدة، والفترة الزمنية الطويلة التي تحتاجها هذا البطاقة لاستخراجها.
كان القانون رقم 10 لسنة 2018 الذي أصدرته حكومة الانقلاب والخاص بذوي الإعاقة في لائحته التنفيذية قد حدد الآليات والضمانات الواجبة لهم من خلال ضمان استخدام الأشخاص ذوي الإعاقة لكافة الخدمات والأنشطة والمرافق العامة ووسائل التعليم دون إقصاء أو استبعاد، وإصدار بطاقة موحدة لإثبات الإعاقة، وأن يكون التأمين الصحى متاحا لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة بموجب بطاقة إثبات الإعاقة، مع الالتزام بتعليم دامج في المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية، والالتزام بمحو أمية من فاتهم سن التعليم، بالإضافة إلى ضمان الحق في التعليم العالي والدراسات العليا، وتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من أماكن الإقامة بالمدن الجامعية، وإنشاء الكليات والمعاهد المتخصصة في إعداد وتخريج كوادر للعمل بمجال الإعاقة، ووقع القانون عقوبة على كل من شارك في حرمان أي طفل ذي إعاقة من التعليم.
هيئة الاستعلامات
كما أعلنت حكومة الانقلاب أنها بصدد إعداد قانون للإعاقة وإنشاء المجلس القومي للأشخاص أصحاب الهمم بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2019، ليحل محل المجلس القومي لشئون الإعاقة الصادر بقرار رئيس الوزراء رقم 410 لسنة 2012، بزعم تعزيز وتنمية وحماية حقوق وكرامة الأشخاص أصحاب الهمم، المقررة دستوريًا ونشر الوعي بها.
ورغم هذه الإعلانات إلا أن التنفيذ على أرض الواقع غير موجود بسبب ضعف الإمكانيات أو البيروقراطية والروتين وتعقيد الإجراءات التي تحرم هذه الفئة من حقوقها الأساسية، وهذا ما أكدته الهيئة العامة للاستعلامات والتي اعترفت بأن الدفعة الأولى التي تم إصدارها من بطاقات الخدمات المتكاملة في أواخر 2022 بلغ عددها ٥٠٠ ألف بطاقة، وصدرت للأشخاص الذين أجروا بالفعل الكشف الطبي الوظيفي المميكن، الذي يثبت الإعاقة ويحدد نوعها ودرجتها، أو من حصلوا بالفعل على معاش «كرامة» من الأشخاص ذوي الإعاقة، بينما هناك أكثر من 10 ملايين معاق ينتظرون إصدار هذه البطاقة.
بطاقة الخدمات
من جانبه قال أيمن علي، أحد المتقدمين للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة: إن “هناك صعوبة شديدة في استخراج البطاقة أو حتى معرفة إذا ما كنت مقبولا أو مرفوضا بسبب طول الفترة الزمنية، والتي ترجع إلى عدة أسباب أولها كثرة الأعداد المتقدمة للحصول على الكارت”.
وأشار «أيمن» في تصريحات صحفية إلى قلة عدد المراكز الطبية المعتمدة الخاصة باستخراج التقارير الطبية اللازمة ضمن الأوراق المطلوبة، وعدم استيفاء الأوراق والمستندات وحتى وسائل الدفع من جهة واحدة أو مكان واحد، فهي تتم من خلال عدة جهات تبعد عن بعضها البعض، ويتسبب ذلك في تكدس وزحام شديد في هذه الجهات، وهو ما يجعل هناك صعوبة في استخراج البطاقة.
وطالب بتوفير المراكز اللازمة لمساعدة المتقدمين في إجراءات التقديم عبر وسائل الإنترنت، خاصة أن الكثيرين منهم لا يجيد التعامل مع شبكة الإنترنت ويحتاج لهذه المساعدة، حتى تتم الإجراءات وعملية التقديم بالشكل السليم.
كود الإتاحة
وكشف مصطفى عبدالهادي عن مشكلة النقل وكود الإتاحة قائلا: “محطات مترو الأنفاق وبعض المحصلين في أتوبيسات النقل العام لا يعترفون ببطاقة كود الإتاحة خاصة للكفيف، وأيضا الكثير من المؤسسات والمصالح سواء حكومية أو خاصة لا تفعل كود الإتاحة لديها، ويعاني أصحاب الإعاقة من مشكلات كثيرة في الدخول أو الخروج من هذه الأماكن”.
وعن بطاقة الخدمات المتكاملة أكد «عبدالهادي» في تصريحات صحفية أن الكثير من الجهات لا تعترف بها، فضلا عن إجراءات استخراجها الصعبة والتي تحتاج الذهاب لأكثر من جهة، وكذلك طول الفترة الزمنية اللازمة لاستخراجها والتي قد تستغرق شهورا، وكذلك عدم الاعتراف أحيانا ببعض الفحوصات الطبية رغم أنها مستخرجة من جهات حكومية، لافتا إلى أن تكلفة الأشعة الواحدة تصل إلى 2000 جنيه.
التعليم
وكشف «عبدالهادي» أن مشكلات المعاقين لا تقتصر فقط على بطاقة الخدمات الحكومية ولا على تطبيق كود الإتاحة، فهناك مشكلات أخرى تواجههم منها ما هو مرتبط بممارسة الأنشطة أو الحصول على حقوقهم بشكل عام، وتعد مشكلات التعليم واحدة من أهم المشكلات التي يواجهها ذوو الهمم نظرا لتأثيرها المباشر على مستقبلهم.
وقال: إن “أصحاب الهمم يواجهون مشكلات كثيرة في مجال التعليم، خاصة المكفوفين في مراحل التعليم الجامعي إذ تغيب فكرة طباعة الكتب بطريقة «برايل» على عكس التعليم المدرسي الذي يوفر المواد الدراسية بطرق مناسبة لهم، سواء بطريقة برايل أو عن طريق السمع”.
وأضاف «عبدالهادي» أن تكلفة تحويل الكتب الجامعية والأعمال البحثية والدراسات وغيرها، من كتب عادية لكتب مطبوعة بطريقة برايل تمثل عبئا كبيرا على المكفوفين.
المدارس الفكرية
وقالت وفاء محمد ولية أمر الطفل «أدهم» والذي يُعاني التوحد: إنها “تواجه صعوبة كبيرة من قبل العاملين في المدرسة في التعامل مع ابنها، خاصة أنها بعدما تقدمت بابنها لإحدى المدارس الفكرية فوجئت بردهم أن لديه مستوى ذكاء متميز، وعليها التوجه به لإحدى المدارس العادية، حيث لا مكان له بين أبناء المدرسة”.
وأكدت «وفاء» في تصريحات صحفية أن ابنها يعاني أيضا من فرط الحركة والعصبية بسبب حالته، وهو ما يصعب التعامل معه بالطرق التقليدية، ويحتاج لاهتمام خاص تفتقده إدارة المدرسة والمعلمون الذين لا يستطيعون التعامل مع مثل هذه الحالات، وحتى الأخصائيين الاجتماعيين أنفسهم لا يستطيعون ذلك.
غير تربويين
حول أزمة ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس قالت الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها: إن “كليات التربية لديها أقسام تدرس فنون التعامل مع ذوي الهمم، وتعطي دروسا تسهم بشكل كبير في تخريج أخصائيين اجتماعيين ومعلمين قادرين بالفعل على التعامل مع كافة أنماط الطلاب والأطفال أيا كانت حالتهم، وذلك من خلال التدريب على برامج تأهيلية تساهم في العمل على دمج أصحاب الهمم مع غيرهم في المدارس العادية”.
وأوضحت «هالة منصور» في تصريحات صحفية أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن غالبية المعلمين في المدارس غير تربويين، خاصة في المدارس الخاصة، وبالتالي هم غير مؤهلين للقيام بدورهم فى إطاره السليم، وبالتالي تكون النتيجة، هو ما يعاني منه ذوو الهمم الآن.
وأشارت إلى دور الأسرة في تعزيز مقومات مساعدات أبنائهم من أصحاب القدرات الخاصة للمساهمة في دمجهم بالمجتمع بالشكل السليم، خاصة في المدارس والمؤسسات التعليمية، مؤكدة أن هناك بعض الأسر كانت سببا في تأزم المشكلة بشكل أكبر، عندما رفضوا وضع أبنائهم في الأماكن المخصصة لهم لتأهيلهم وتدريبهم والحفاظ عليهم، فكانوا سببا من أسباب تأجيج المشكلة، وهذه مشكلة وعي في المقام الأول.