في الوقت الذي يزعم فيه نظام الانقلاب أنه يشجع الاستثمار والمستثمرين ويعلن عن انعقاد المجلس الأعلى للاستثمار، أكد خبراء اقتصاد ومستثمرون أن حكومة الانقلاب تسببت في هروب المستثمرين الأجانب وإغلاق بعض المصانع المصرية وتوقف الإنتاج بسبب التعقيدات والرسوم والضرائب التي تفرضها عليهم، بالإضافة إلى أزمة نقص العملة الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي التي أدت إلى توقف الكثير من الأعمال نتيجة نقص مستلزمات الإنتاج التي لا تسمح حكومة الانقلاب باستيرادها من الخارج.
وكشف الخبراء أنه حتى الآن لم يتم تفعيل منظومة الشباك الواحد أو الرخصة الذهبية التي سبق وأعلنت عنها حكومة الانقلاب، مؤكدين أن كل قرارات الانقلاب هي حبر على ورق ولا تعرف طريقها للتنفيذ على أرض الواقع.
العملة الصعبة
من جانبه قال محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات ورئيس لجنة الضرائب والجمارك، أن مشكلات المستثمرين تتصاعد لأن حكومة الانقلاب لا تعمل كوحدة واحدة وتعمل كل جهة منفصلة عن الأخرى، مشيرا إلى أن مشكلات الاستثمار في مصر معروفة، لكن أهم مشكلة تواجه المستثمرين والمصنعين حاليا هي ندرة المعروض من العملة الصعبة وتدبيرها لتوفير مستلزمات الإنتاج خاصة في القطاع الصناعي والتجاري.
وطالب «البهي» في تصريحات صحفية بحل مشكلات السياسات النقدية، موضحا أنه طالما هناك شح في الدولار الوارد إلى مصر فعلى الجهات الحكومية والبنوك أن تقبل الدولار أيا كان مصدره، حتى لا تحدث مشكلات في دورة الإنتاج بالمصانع مثلما حدث العام الماضي بعد قرار البنك المركزى الخاص بالاعتمادات المستندية الذي تسبب في تأثر عجلة الإنتاج في قطاعات مختلفة وارتفاع أسعار المنتجات في الأسواق.
وأضاف، هذا القرار أدى إلى عدم ثقة الموردين الأجانب في الاقتصاد المصري، لأن المورد أصبح لا يحصل على قيمة وارداته، وبالتالي بدأ يتجه إلى أسواق أخرى بديلة، ما يعني خسارة سلاسل الإمداد الخارجية، وهذا أدى بالتبعية إلى تعطيل الإنتاج وانخفاض الصادرات، لأن كل مصنع كانت لديه عقود تصديرية معينة أصبح لا يستطيع الوفاء بها، وبالتالي خسر السوق التصديرية، فضلا عن زيادة أسعار المنتجات محليا بسبب قلة المعروض.
وأوضح «البهي» أن فكرة الاهتمام بوجود احتياطي نقدي أجنبي لمجرد الاحتفاظ به فقط ليست صحيحة، وإنما يجب تدوير واستخدام هذه الحصيلة الدولارية في تمويل القطاعات الإنتاجية المختلفة وخاصة التصديرية منها التي تدر عائدا دولاريا أكبر، لافتا إلى أن من ضمن المشكلات التى تواجه المستثمرين أيضا غرامات التأخير على الحاويات في الموانئ ورسوم الأرضيات وغيرها، مع استمرار وجود بضائع في الموانئ اقتربت من نهاية صلاحيتها.
الشباك الواحد
وكشف «البهي» أن حكومة الانقلاب متضررة أكثر من المستثمرين في حالة استمرار انخفاض الإنتاج في القطاعات المختلفة، لأن ذلك معناه نقص أهم مورد لموازنة دولة العسكر وهو الضرائب، لأن توقف الإنتاج يعني انخفاض الضرائب، ولذلك فإن كل دولار يتم توفيره للقطاع التصديري يعود إلى الدولة 3 و4 دولارات كقيمة مضافة.
وأوضح أنه حتى الآن لم يتم تفعيل منظومة الشباك الواحد أو الرخصة الذهبية، ولذلك نطالب بإعطاء الرخصة الذهبية لكل المشروعات وليس مشروعات محددة، بما فيها المشروعات الصغيرة حتى نجذبها إلى القطاع الرسمي بدلا من العمل في القطاع غير الرسمي وضياع أموال الضرائب والرسوم .
وشدد «البهي» على ضرورة تقليل عدد جهات الرقابة على المصانع وتقليل زمن إصدار التراخيص، لأن العالم كله يتحدث الآن عن قيمة الوقت، ولا يصح أن يكون إصدار التراخيص في الدول الأخرى يستغرق ساعات، وهنا في مصر يستغرق 6 إلى 7 أشهر على الأقل، فضلا عن ضرورة توضيح قيمة الرسوم بشكل كامل قبل الشروع في إصدار التراخيص، حتى لا يفاجأ المستثمر برسوم إضافية مبالغ فيها في كل جهة يذهب إليها، لأن ذلك يؤثر على دراسات الجدوى الخاصة بالمشروع، ما يؤدي في النهاية إلى الإحجام عن الاستثمار في مصر.
وطالب بضرورة توفير الأراضي الصناعية بأسعار رمزية سواء بنظام حق الانتفاع أو 99 سنة، لأن بناء المصنع يعني زيادة الإنتاج والتصدير وتوفير فرص عمل للمواطنين مع دفع الضرائب .
أعباء ثقيلة
وشدد المهندس أسامة حفيلة، نائب رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين على ضرورة حل مشكلات مستثمري القطاع الصناعي من كل الجوانب، مشيرا إلى أن المستثمرين المحليين يعانون من مشكلات كثيرة يجب على حكومة الانقلاب العمل على حلها، كما يقع على عاتقهم أعباء ثقيلة تؤثر في النهاية على منافسة المنتجات الوطنية لنظيرتها المستوردة، من أبرزها فرض مجموعة من الرسوم دون داع لمجرد استخراج وإصدار بعض الأوراق، فضلا عن أعباء الضريبة العقارية، والإجبار على الاشتراك في إحدى الغرف التابعة لاتحاد الصناعات من أجل ممارسة النشاط.
وأكد "حفيلة "في تصريحات صحفية أن هذه كلها رسوم وأعباء على المصانع المصرية تنعكس في النهاية على أسعار المنتج المحلي في السوق وتحرمه من المنافسة مع المستورد، مطالبا بمنع استيراد المنتجات رديئة الجودة التي تقل في أسعارها عن المنتجات المحلية وإغراق الأسواق بها.
وقال: إن "القطاع الصناعي المصري يستطيع إنتاج معظم السلع التي يتم استيرادها من الخارج، وبجودة عالية لا تقل عن المستوردة في شيء، موضحا أن حل هذه المشكلات يساعد المستثمرين والاقتصاد الوطني على المدى القريب والبعيد.
موافقات فورية
وكشف الخبير الاقتصادي وائل النحاس، أن هناك مطالبات من المستثمرين منذ بداية الأزمة الاقتصادية بضرورة انعقاد المجلس الأعلى للاستثمار بصفة دائمة، لأنه لا يوجد لديهم وقت لانتظار اجتماع وزير بوزير أو رئيس هيئة بمستثمرين ورجال أعمال، مشددا على ضرورة أن تكون الموافقة على القرارات الاستثمارية فورية بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيرها السريع على الاقتصاد المصري.
وقال «النحاس» في تصريحات صحفية إن "القوانين الخاصة بالاستثمار بها مجموعة من التشابكات التي يجب العمل على حلها والتخلص منها نهائيا، مشيرا إلى أن المشكلة الأبرز فيها أنها لا تنفذ على أرض الواقع، خاصة مسألة تسهيل الإجراءات والزيادة المبالغ فيها في الرسوم التي تؤدي في النهاية إلى تصفية الشركات لأعمالها وخروجها من مصر".
وأوضح أن القوانين تضع على المستثمرين أعباء كثيرة بين الحين والآخر، وهناك إجراءات يتم اتخاذها بشكل مفاجئ ومتغير، مثل إجبار الشركات على الانضمام إلى منظومة الفاتورة الإلكترونية ومضاعفة الرسوم المطلوبة بشكل مستمر، وهذا الأمر لا يشجع على الاستثمار، مؤكدا أن دولة العسكر تترك المستثمرين والمصنعين الحقيقيين في معاناتهم اليومية مع البحث عن المواد الخام اللازمة للتصنيع والذهاب للمصالح الحكومية لتخليص الإجراءات المتعددة، بينما تدعم مستثمرين آخرين يقومون بإنهاء مصالحهم بالتليفون .
وأضاف "النحاس" عندنا نوعان من رجال الأعمال نوع مطحون ونوع بيخلص شغله بالتليفون ، مؤكدا أنه لا يوجد حتى الآن تنفيذ فعلي لمنظومة الشباك الواحد أو الرخصة الذهبية ولازال الفساد والبيرقراطية هي المتحكمة في إنهاء تراخيص الاستثمار، فضلا عن مشكلة الموافقات الأمنية والموافقات من الجهات المختلفة التي تعتبر من العراقيل الكبيرة أمام المستثمرين .
وأشار إلى أن إجراءات تأسيس الشركات في الدول الأخرى تتم عن طريق الإنترنت خلال ساعات، لكن حكومة الانقلاب لا تزال تتعامل بالنظام القديم البيروقراطي، محذرا من أن هذا الأمر أدى إلى ظهور من نطلق عليهم سماسرة المستثمرين، وهم أشخاص يدعون أنهم على صلة بالمسئولين الكبار ويذهبون إلى المستثمر الأجنبي القادم إلى مصر ويقنعوه بأنهم يستطيعون إنهاء الأوراق الخاصة باستثماراته بأقصى سرعة، بدلا من الانتظار في المصالح الحكومية بالشهور، وهؤلاء الأشخاص يسيئون إلى مصر أكثر من البيروقراطية والفساد.
اللجوء إلى السماسرة
وكشف «النحاس» أنه بسبب صعوبة الإجراءات وعدم الوصول بسهولة إلى صانع القرار، فإن المستثمرين يلجأون إلى هؤلاء السماسرة للأسف، وتعرض بعضهم لعمليات نصب وأصبح لديهم صورة ذهنية سيئة عن مصر، ولذلك نقول دائما إن "هؤلاء السماسرة يسيئون للدولة أكثر من البيروقراطية نفسها".
وأوضح أن مسألة تحويل المستثمرين لأرباحهم للخارج تعتبر مشكلة أيضاً تعيق الاستثمار، لأنه لا يصح أن يذهب مستثمر إلى أحد البنوك يطلب منه تحويل مبلغ ما إلى الخارج ومدير البنك يقول له انتظر فترة من الزمن حتى لا يتعرض البنك إلى هزة.
وشدد «النحاس» على حل مشكلة المستثمرين بشكل نهائي من خلال التعامل مباشرة مع مسئولي الانقلاب بدون وسطاء وبعيدا عن موظفي هيئة الاستثمار والمصالح الحكومية الأخرى الذين يعتبرون أحد الأسباب الرئيسية في تصدير صورة ذهنية سيئة لمصر عند المستثمرين.
وأكد ضرورة حل مشكلات الضرائب والرسوم وأسعار الطاقة العالية والمختلفة من وقت لآخر والتي تواجه المستثمرين وتجعلهم مجبرين على تصفية أعمالهم والخروج من مصر، فضلا عن حل مشكلة تعدد جهات المراقبة على المصانع التي تعمل في الاقتصاد الرسمي، في الوقت الذي نترك فيه مصانع بير السلم تعمل بكل راحة دون رقابة، ما يؤدي إلى انتشار البضائع المغشوشة في الأسواق وانهيار الاقتصاد الرسمي الذي يدفع ضرائب ورسوم .