“ميدل إيست مونيتور”: الإهمال الطبي بوابة الموت البطيء في سجون السيسي

- ‎فيأخبار

نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” تقريرا سلط خلاله الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الانقلاب ومن بينها الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية والحرمان من الزيارة والتريض والضرب والتعذيب. 

وقال التقرير إن الإهمال الطبي في سجون السيسي، وسط ظروف غير إنسانية، يفتح الباب أمام المزيد من المعاناة التي قد تؤدي إلى تدهور صحة السجناء السياسيين وربما تصل إلى وفاتهم.

وأضاف التقرير أنه خلف جدران السجن، هناك قصص وحكايات، تؤكدها الأرقام وبيانات حقوق الإنسان، عن نوع مختلف من التعذيب ضد المعتقلين السياسيين، وخاصة كبار السن. وينعكس ذلك من خلال حرمانهم من الرعاية الطبية والأدوية ، إلى جانب تأخير التدخل الطبي اللازم عمدا.

وأوضح التقرير أن الأسبوع الماضي شهد وفاة سجينين في غضون 24 ساعة. وهما مدين حسين (63 عاما) وسامح منصور (58 عاما) بسبب الإهمال الطبي، وفقا للشبكة المصرية لحقوق الإنسان.

ومنذ بداية هذا العام 2023، وحتى كتابة هذا التقرير، بلغ عدد الوفيات داخل السجون ومراكز الاحتجاز في مصر، بسبب الإهمال الطبي، اثني عشر حالة وفاة.

الروبي وسلطان

وتتزايد المخاوف من زيادة عدد الضحايا، خاصة بعد أن أكدت تقارير حقوقية أن الناشط المصري، شريف الروبي، يعاني من إهمال طبي متعمد في سجن أبو زعبل 2، الواقع بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، بعد إصابته بالتهاب حاد في العصب السابع، بحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات.

كما يواجه الأكاديمي صلاح سلطان، المسجون منذ نحو عشر سنوات، خطر الموت المفاجئ في سجن بدر 1 (شرق القاهرة) بسبب حرمانه من الرعاية الطبية المناسبة، رغم أنه يعاني من أمراض خطيرة في القلب والكبد، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

وتحدث سجين أطلق سراحه مؤخرا إلى ميدل إيست مونيتور، قائلا إنه في الزنزانة التي احتجز فيها، تأخر علاج مريض الكبد إلى الحد الذي توفي فيه المريض. وعانى سجين آخر من آلام حادة في الجهاز التنفسي، ثم ساءت حالته، مما أدى إلى ورم خبيث في الرئة. وأكد الأسير المفرج عنه سوء الأوضاع في سجن الوادي الجديد (جنوب مصر)، وسوء المعاملة والانتهاكات الجسيمة بحق السجناء، مثل الضرب والتعذيب.

ولا تتوفر الرعاية الطبية للسجناء في أقسام الشرطة ومراكز الأمن الوطني. إلا أن تقديم الرعاية الطبية يقتصر على السجون العامة، التي بلغ عددها 78 سجنا حتى أبريل 2021، وتضم نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين سياسي ونحو 54 ألف سجين جنائي، بحسب تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

عدم كفاية الرعاية الطبية

وقال مصدر مطلع لموقع “ميدل إيست مونيتور” إن هناك بعض أشكال الرعاية الطبية في المستشفيات التابعة للسجون العامة، مثل الفحوصات الخارجية وتوفير الأدوية لمرضى ارتفاع ضغط الدم والسكري. وأكد المصدر أن الطبيب المختص يزورها ليلا لإعطاء حقن الأنسولين لمرضى السكري.

وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “غالبا ما يحدث الإهمال في حالات الطوارئ، مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، والتي غالبا ما تؤدي إلى الوفاة. ومن ناحية أخرى، كثيرا ما يتهم السجناء السياسيون بالتظاهر بالمرض. وبناء على ذلك، يؤدي ذلك إلى حرمانهم من الرعاية الطبية المناسبة”.

وتفتقر سجون السيسي إلى السمات الأساسية للحياة البشرية، بما في ذلك المرافق الصحية والغذاء الصحي والتهوية المناسبة والإضاءة. ويمكن أن تصل إساءة معاملة المعتقلين السياسيين إلى حد تقليل كمية الطعام المقدمة لهم، وقطع المياه، وحرمانهم من مواد النظافة الشخصية، وحلق شعرهم بالقوة، وحبسهم في زنازين انفرادية، وتعريضهم للجر والضرب، وحرمانهم من التريض والزيارات لسنوات.

وفقا لشهود العيان ، يصبح الوضع مختلفا عند فتح الأبواب للزيارات. وهي تسمح بإدخال طعام جيد بعد الفحص، وأحيانا الحصول على الأدوية اللازمة من عائلات السجناء، إلى جانب إيداع مبالغ مالية لهم في الكانتين (بيع منافذ داخل السجون) لشراء الطعام والشراب الذي يحتاجونه.

وفقا للمادة رقم 16 من قانون تنظيم السجون المصري: “يسمح للمحتجزين احتياطيا بإحضار طعامهم الضروري من خارج السجن أو شرائه من السجن بالسعر المحدد. إذا لم يرغبوا في القيام بذلك أو لم يتمكنوا من ذلك ، فيجب توزيع الطعام المخصص لهم “.

المعاناة النفسية

ولفت التقرير إلى أن المعاناة في سجون السيسي لا تقتصر على الحرمان من حقنة أو حبوب أو فحوصات طبية. ويتجاوز الأمر ذلك، عندما يتعلق الأمر بإخضاع المعتقلين للحرب النفسية، من خلال أعمال تحط من كرامتهم، وتهدف إلى النيل من معنوياتهم وإذلالهم نفسيا.

ونوه التقرير بأن السجناء السياسيون قد يتعرضون للبذاءات والصفعات وتمزيق ملابسهم ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية وتقييد أيديهم وتعصيب أعينهم. وهذه الانتهاكات، كما أفاد مؤخرا أحد السجناء المفرج عنهم (طلب عدم الكشف عن هويته)، كافية لتحويل حالتهم الصحية إلى تدهور مستمر وشديد.

ويؤكد هذا “الحصار” تقرير صادر عن الشبكة القومية لحقوق الإنسان، يؤكد أن تعريض السجناء للإذلال الجسدي واللفظي، وحرمانهم من مقومات الحياة الإنسانية، يزيد من عوامل الخطر لمختلف الاضطرابات النفسية. كما أنه يغير الناقلات العصبية ، وبالتالي يؤدي إلى تفاوتات في المستويات الهرمونية في الدم ، مما يؤدي إلى تقلبات في ضغط الدم ومستويات الجلوكوز ، ويحتمل أن يسبب جلطات الدم وأمراض الجهاز المناعي والأورام الخبيثة، مما يؤدي في النهاية إلى الوفاة.

وفي عام 2022، توفي 52 سجينا بسبب الإهمال الطبي، مقارنة ب 60 حالة وفاة في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية في عام 2021. بينما سجلت 73 حالة وفاة لنفس السبب في عام 2020، وفقا لتقارير حقوقية محلية ودولية.

إلا أن مساعد وزير داخلية السيسي لقطاع السجون، اللواء طارق مرزوق، ادعى في وقت سابق أن “القطاع يواجه حملة تشهير متعمدة لترويج صورة مشوهة عن سجون البلاد”، مؤكدا أن “الخدمات الاجتماعية والصحية تقدم للسجون بطريقة إنسانية تقوم على تطبيق القانون، ” كما ذكرت الصحف المصرية.

الضحايا المحتملون

ويقول ناشطون إن مئات السجناء، بمن فيهم صحفيون ومحامون وأطباء ونواب سابقون، بينهم نساء، معرضون لخطر فقدان حياتهم بسبب الإهمال الطبي.

ومن بين هؤلاء السجناء المحامية هدى عبد المنعم (63 عاما)، المعتقلة منذ أكثر من ثلاث سنوات وتعاني من الموت البطيء في زنزانتها في سجن القناطر (شمال القاهرة).

في أواخر أكتوبر 2022، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا يفيد بأن سلطات الانقلاب تواصل حرمان عبد المنعم من الاتصال بعائلتها والحصول على الرعاية الصحية الكافية، على الرغم من مشاكلها الصحية الخطيرة، بما في ذلك الفشل الكلوي وأمراض القلب. وطالبت المنظمة بالإفراج الفوري عنها، دون أي شروط أو قيود مسبقة.

وسجين آخر هو المرشح الرئاسي السابق وزعيم حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح (72 عاما)، المعتقل منذ أكثر من خمس سنوات وأصيب مرارا بنوبات قلبية. وترفض سلطات الانقلاب طلب عائلته بتزويده بالعلاج الطبي اللازم على نفقتها الخاصة.

كما تضم القائمة الصحفي بدر محمد بدر (65 عاما) المسجون منذ أكثر من ست سنوات ويعاني من التهاب الكبد وأمراض أخرى.

وفي الشهرين الماضيين، تداولت مواقع إلكترونية تابعة للمعارضة رسائل مسربة حول حالات انتحار وقعت داخل مجمع سجن بدر (شرق القاهرة)، المعروف أيضا باسم “سجن العقرب الجديد”. وينظر إلى حالات الانتحار هذه على أنها رد على الانتهاكات المستمرة، وحظر الزيارات لسنوات، والحد من الحصص الغذائية وتجويع المحتجزين.

وقال الناشط الحقوقي حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، على صفحته الشخصية على فيسبوك إن السجناء الذين نقلوا من سجن العقرب إلى سجن بدر حرموا من أشعة الشمس والإضاءة لسنوات. وقد تسبب التغير المفاجئ في وضعهم والإضاءة الشديدة في زنازينهم، التي تستمر على مدار 24 ساعة في اليوم، في معاناتهم من انهيارات عصبية وحرمان من النوم.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، فقد عشرات المعتقلين حياتهم بسبب الإهمال الطبي، وكان أهمهم الرئيس الشهيد، محمد مرسي. والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مهدي عاكف; والنائب السابق لرئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور عصام العريان. والنائبان السابقان د. فريد إسماعيل وعبد العظيم الشرقاوي. زعيم الجماعة الإسلامية، محمد عصام الدين دربالة؛ المخرج شادي حبش وآخرون.

وتنص المادة رقم 36 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 على ما يلي: “يحال كل سجين محكوم عليه يشخص طبيبه طبيب السجن بمرض يهدد حياته أو عاهة كاملة إلى مدير إدارة الخدمات الطبية بالسجون مع الطبيب الشرعي لفحصه، والنظر في الإفراج عنه. وينفذ قرار الإفراج بعد موافقة مدير عام السجون وموافقة النائب العام، وإخطار الإدارة المختصة ومكتب المدعي العام”.

وقال مصدر حقوقي، فضل عدم الكشف عن هويته، إن رد سلطات الانقلاب في مثل هذه الحالات غالبا ما يأتي على النحو التالي: “أنتم تتظاهرون”، في إشارة إلى اتهام السجناء ب “التظاهر بالمرض” حتى وفاتهم. وأكد المصدر أن التدخل الطبي غالبا ما يكون بطيئا وغير كاف للحالات الحرجة، خاصة بين كبار السن.

وخلال السنوات الماضية، تجاوز عدد الوفيات في مراكز الاحتجاز من يوليو 2013 حتى نهاية عام 2022 ألف سجين، وفقا لمنظمة لجنة حقوق الإنسان من أجل العدالة.

 

https://www.middleeastmonitor.com/20230522-medical-neglect-the-gateway-to-slow-death-in-egypt-prisons/