شاهد.. عام من الوهم العسكري.. 31 ديسمبر إعلان وفاة “جهاز الكفتة”

- ‎فيتقارير

كتب – هيثم العابد
تمر اليوم 31 ديسمبر الذكرى الأولى لإعلان وفاة جهاز الكفتة العسكري لعلاج فيروس سي والإيدز، والذى انقضت المهلة الثالثة التى منحتها سلطات الانقلاب قبل نحو عام من أجل الإعلان عن جدوى الاختراع العبقري الذى أبكى قائد الانقلاب فخرا عشية الإعلان عنه على يد اللواء عبعاطي، ليعلن رسميا وفاة الجهاز الوهمي وإلقاء مروجيه فى مزبلة التاريخ.

هاني الناظر -رئيس المركز القومي للبحوث السابق- هو الذى وضع النهاية المأساوية للجهاز الذى تلاعب بأحلام طموحات الملايين، بعدما أعلن فى ذات التاريخ قبل عام عدم تأجيل مهلة جهاز علاج القوات المسلحة لفيروس "سي"، مشيرا إلى أنه بعد تلقي المرضى العلاج لمدة 6 أشهر، ومتابعة النتائج لمدة 6 شهور أخرى، وهو البروتوكول الذي وضعته اللجنة، إلا أن النتائج لم تخرج والمرضى طواهم النسيان ونهش أكبادهم المرض.

«الأمريكان والروس طلعوا القمر.. وإحنا قمرنا واقف ع الباب يا أما» هكذا سخر الشيخ عبد الحميد كشك –رحمه الله- من اختراعات مصر فى ظل دولة العسكر التى تتشابه فى النمط والفكر وإن اختلفت الأسماء وتنوعت الهيئات، إلا أن زمن الانقلاب فى الألفية الثانية أثبت أن مصر فى تقدم ملموس وتحسن ملحوظ حيث تجاوزت البلاد فى عهد السيسي مرحلة «التعامل مع القمر» لتفتح للوطن آفاق جديدة فى زمن معجزة العلاج بـ«الكفتة».

الأمر لا يحتاج إلى سخرية الشامتين أو تهكم المتربصين، فاللواء عبعاطى عندما وقف قبل نحو 10 أشهر فى كامل هيئته العسكرية وتزين أكتافه الرتب والنياشين وأمامه جمع من أكابر الانقلاب وعلى رأسهم القائد مهيب الركن يذرف دموع الفخر على وقع الإعلان عن «علاج القرن»، وقف العالم بدوره على أطراف أصابعه يترقب الإعجاز العلمى الذى سبقت به مصر أقرانها ويعض الأنامل من الغيظ إذا ما تخيل حال مصر بعد عام واحد من حكم العسكر.

ويكتسب الجهاز أهميته باعتباره نتاج تكليف المشير السيسي، لإدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة بتشكيل لجنة طبية ضمت كبار أساتذة طب الكبد والجهاز الهضمى في مصر لإجراء دراسة بحثية علمية سليمة على جهاز علاج فيروس "سى" والإيدز، المعروف باسم "كومبليت كيور"، كان بهدف الوقوف على الحقيقة ومنعا لاستمرار خداع المواطنين.

 

ولم تلتفت المؤسسة العسكرية ونابغها لمحاولات النيل من اختراع " c- fast" علاج فيروس سي والإيدز وقرابة 300 فيروس آخر، عبر «صوباع كفتة واحد» يقضى على الفيروس وآثاره دون أثار جانبيه أو حاجة إلى فترة نقاهة كتلك التى فى علاجات بنى البشر من العوام، وإنما قررت أن تخرس الألسنه وتعلن عن بدأ علاج المواطنين الكادحين من المصريين وفقط –فى وطنية نحسد عليها- فى 30 يونيو الفائت تزامنا مع ذكرى الانقلاب العظيم، مع تعهد بعدم تصدير هذا الجهاز الخطير الذى يتبع المرض ويتعقبه ويراقبه ويتوعده أينما حل المريض أو ارتحل، إلى أى دولة أجنبية معادية.

وترقب الجميع الموعد وتلهفت الكاميرات واصطف المرضى فى طوابير تمتد لعشرات الكيلو مترات فى سلاسل بشرية، وتعلق لاعقو البيادة بأستار المؤسسة العسكرية فى انتظار لحظة الإبهار، وإنزوى الشامتون إلى ركن مظلم بعيدا عن المشهد الاحتفالى لمعجزة الانقلاب، إلا أنه وزيادة فى التشويق قرر العسكر أن يؤجل الحدث ويزيد الملتاعين لوعة ليس بسبب فشله –لا سمح الله- كما يدعى المغرضون، وإنما خوفا على أصحاب القلوب الرحيمة.

وأرجأ العسكر وعالمهم الفذ عبعاطى الكشف عن الجهاز المعجز والاختراع العبقرى والاكتشاف المذهل، إلى أواخر العام الماضي، وضرب موعدا للمرضى والمصابين والمتلهفين فى 31 ديسمبر، من أجل تقديم وجبة الكفتة السحرية خالية من "الطحينة والسلطات"، للمريض وقت انشغال العالم بالكريسماس حتى لا ينتبه أحد إلى الخلطة السرية والمكونات السحرية للجهاز، أو ربما كان التوقيت لتكون الاحتفالية على إيقاع العد التنازلى لتدشين 2015 فى أبهى صورة.

وقرر العسكر الإطاحة بكل من نال من الجهاز أو ذكره بسوء أو سخر منه أو قلل من أهميته، بل بلغ الحد بمطالب قرار انقلابى بقانون لتجريم كل من يهين "الكفتة" أو يتجاوز فى حق "الكفتجى"، وكلف هذا التوجه الانقلاب كثيرا بعدما ضرب عرابيه لصالح الجهاز السحرى، فاختفى من الانظار مقدمو البرامج الساخرة إلى غير رجعة وابتعد عن المشهد د. عصام حجى المستشار العلمى لـ"الرجل الصامت" وانهالت أقلام التجريح على عالم نوبل أحمد زويل، وتم ملاحقة كل من فكر فى خياله دون أن يجرى تصريح على لسانه بالتشكيك فى فاعلية الجهاز أو تساءل عن وجوده من الأساس.

وخرج عبعاطى فى حلته العسكرية ليعلن أنه الهرم الرابع فى مصر، وأنه أهم من الكهرباء، متفاخرا بجهازه اللوذعى الذى يأخذ فيروس الإيدز من المريض ثم يعيده إليه من جديد فى صورة "صوباع" كفتة يتغذى عليه، مشددا على أن جهازه آمن تماما وفعاليته تصل إلى 100 % وعدم وجود آثار جانبية، وأن كل من تم علاجه أصبح سالما تماما وغير حامل للفيروس، ولكنه رفض أن يخبرنا "عن حال الشمبانزى".

ولأن الإرجاء جعل قليل من الوساوس تداخل الناس ومنح الفرصة للمتطاولين، تقدم اللواء إبراهيم عبعاطى، مخترع جهاز علاج "فيرس سي" ببلاغ إلى النائب العام صحف وقنوات فضائية أطلقت "الأكاذيب" حول موضوع تأجيل علاج فيرس سي بالجهاز، الذي اخترعه وتناولته بسخرية، وقد أمر النائب العام بالتحقيق الفوري في البلاغ، وبدأت بالفعل نيابة شمال الجيزة التحقيقات.

ولأن الحملة الإعلامية المسعورة لم تتوقف، خاصة بعدما تكشف أن الإعلان عن وجود جهاز لعلاج فيروس سى c والإيدز من قبل الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، وبنسبة نجاح 100% لا أساس له من الصحة، ولا يستند على أي أساس علمى من ناحية الجهاز المزعوم، وكذلك من ناحية كبسولات الأعشاب التي تعطى للمريض متزامنة مع العلاج بالجهاز.

بل وبالغ المتطاولون من الصحفيين فى ملاحقة السيرة الذاتية للواء مهيب الركن عبعاطى، الذى تبين أنه لم يلتحق بمؤسسة السيسى العسكرية إلا بعد أن شاب شعره، وإنما بالأساس هو فني معمل وبارع في تصليح الأجهزة، واحترف العلاج بالأعشاب فى بعض القنوات الدينية، وحصل على حكم حبس لمدة عام لأنه يمارس مهنة الطبّ دون تصريح لآنه ليس خريج كلية الطب.

تلك الضجة زعزعة يقين قائد الانقلاب الذى زرف الدمع على الجهاز المبهر، وأجبرته على تشكيل لجنة علمية لمراجعة الجهاز والتأكد من صحته رغم سابق أوامره بتصنيع 10 آلاف جهاز –بناء على رواية د. مؤنس أحد أعضاء فريق عبعاطى الطبى-، خاصة بعد رفض وزارة الصحة اعتماده، خاصة وأن "الشمبانزى الجنوب إفريقي" الذى زعم مخترعو الجهاز إجراء التجارب عليه يحظر دوليا استخدامه فى التجارب العلمية، فضلا عن أن جنوب إفريقيا ليست موطنا لهذا النوع من الحيوانات، فكان لابد من الانتظار.

وحتى لا يزعم مفترى أن العسكر تناسى أو تغافل أصحاب العلل من مرضى فيروس سي، كان القرار التاريخى باستيراد عقار سوفالدي من تلك الدول التى رفضنا أن نكشف أو نفصح عن ماهية جهازنا لها، ورغم الثمن الباهظ والكلفة العالية للعلاج الذى تصل كلفته إلى 28 ألف دولا شهريا، ولأنه جرعة مكثفة لـ3 أشهر يصبح الإجمالى 84 ألف دولار (647 ألف جنيه) إلا أن الحكومة الرشيدة دخلت فى مفاوضات مضنية ومحاولات مستميته مع الشركة المنتجة وأصحابها فى بلاد العم سام، حتى تم توفيره لـ 8 ملايين مصاب بالكبد فى مصر من البسطاء والمعدومين بثمن بخس دراهم معدودة، بكلفة شهرية 2200 جنيه أى 6600 جنيه فى ثلاثة أشهر داخل مراكز الكبد الحكومية، ويكون سعره تجاريا 15 ألف جنيه للعبوة.

بارقة الأمل التى منحها سوفالدى للمصريين –دون الدخول فى كواليس وتفاصيل الصفقة التى لاحقتها الكثير من الاتهامات وعلامات الاستفهام التى أطلقتها نقابة الصيادلة بمذكرة رسمية أو الحديث عن استغلال المصريين حقل تجارب للعلاج الأمريكى- إلا أن تلك الألوف من الجنيهات تكبدتها خزانة الدولة رغم توافر الجهاز العسكرى العبقرى والذى أثبت فاعلية مذهلة عند تجربته على 300 حالة -بحسب مخترعيه- إلا أن الانقلاب يعطى درس للشعب أن "التقل صنعة" ويرفع شعار "أصبر عشان تاخد حاجة نضيفة".