والمقصود هو يوم 5 من يونيو عام 1967، النكبة الثانية للعرب على يد اليهود بعد النكبة الكبرى عام 48، وأفدح هزائم القرن العشرين. أما لماذا هو يوم المهزلة فلأن جيشًا واحدًا، هو جيش اليهود، مكونًا من (50 ألف) جندى هزم أربعة جيوش عربية مجتمعة قوامها (470 ألف) جندى، ولديها خمسة أضعاف ما يملكه العدو من مؤن وعتاد، فى ست ساعات، وقد استسلمت جميعها رسميًّا واعترفت بالهزيمة تباعًا منذ اليوم الثانى للحرب، وفى اليوم السادس ثنت «إسرائيل» عطفها بكل فخر معلنة انتصارها الأسطورى على العرب، وقد أسمتها «حرب الأيام الستة».
أما ثانية المهازل فكانت فى الخسائر التى مُنِى بها الأشاوس؛ ففى حين لم يفقد الصهاينة سوى مئات معدودة من القتلى والجرحى وعدد بسيط من العتاد الحربى و15 أسيرًا، وقع من العرب مجتمعين (مصر، سوريا، العراق، الأردن): 25 ألف قتيل، 45 ألف مصاب وجريح، 6 آلاف أسير، ودُمِّر (85%) من عتادهم بشهادة «عبد الناصر»، قائد المهزلة، وفقد العرب النشامى من الأراضى: غزة وسيناء بكاملها والضفة الغربية والقدس والجولان، وتم تهجير مئات الآلاف من الأراضى التى احتلها اليهود، بل مُحيت قرى فلسطينية بالكامل بعد هذه الهزيمة المنكرة.
أما ثالثة المهازل فهى بقاء «عبد الناصر» فى السلطة من دون محاكمة، كيف حدث هذا وأين الشعب من هذه المهزلة؟ الحقيقة أن «خالد الذكر» اخترع تمثيلية التنحى، أعلن فى اليوم الخامس للحرب، بعد قبول مصر بوقف إطلاق النار، تنحّيه عن السلطة واستعداده لتحمُّل المسئولية كاملة عمّا جرى، وفى الوقت نفسه كان قد أعدّ آلاف المأجورين والسُّوقة للتظاهر ضد هذا التنحى؛ فما إن انتهى من خطابه حتى انطلق المرتزقة -بإشراف عناصر الاتحاد الاشتراكى، وكان بعضهم قد قدم من الأقاليم وانتظر على مشارف القاهرة انتظارًا للحظة الانتهاء من البيان- يهتفون: بالروح بالدم نفديك يا زعيم… ونجحت التمثيلية، وتجرّع الأحرار مرارة الهزيمة مرة ومرارة الاستخفاف بشعبهم المسكين مائة مرة.
ولو عُقدت اليوم محاكمة لمن تسببوا فى الهزيمة لكان المتهم الأول هو المدعو «جمال عبد الناصر» لحمقه وغبائه ورعونته، لقد دفع بنصف الجيش إلى اليمن فى حرب خاسرة فقدنا فيها (15 ألف) جندى وضابط، أما النصف الآخر فلم يكن يشفع لمواجهة عدو متمرس ذقنا ويلاته فى حرب 48، إنما فعل «عبد الناصر» ذلك لصناعة مجد شخصى وليقال «قائد العرب». وقعت الهزيمة، وكان متوقعًا لها أن تقع، بعدما استبدّ هذا الطاغية بالحكم، وسحق الشعب، وصار كفرعون الذى قال: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. وقعت الهزيمة لسياسة الكذب والتضليل التى اتبعها هذا الرجل وعصابته المسلحة وإعلامه الكذوب لسنين، فلما وقعت الطامة انكشفت الخديعة..
فى حين دمّرت القوات الإسرائيلية، فى ساعة واحدة، (388) طائرة مصرية فى (25) مطارًا حربيًّا من مجموع (420) طائرة وقتلت (100) طيار وحيّدت باقى الطائرات -كان «أحمد سعيد» يؤكد فى «صوت العرب» أن قواتنا باغتت العدو وأهلكته، وفى حين كانت قوات اليهود البرية تجتاح سيناء دون مواجهة بل تصطاد طائراتها جنودنا الذى انتشروا فى الصحراء ويقتل قادتها أسرانا بدم بارد –كانت صحف العسكر كـ«المساء» وغيرها تبشِّر الشعب بالنصر الأكيد وأن قواتنا قاب قوسين أو أدنى من تل أبيب، والحقيقة أن هذه القوات كانت قد بدأت الزحف باتجاه العاصمة؛ إذ العدو قد انتقل إلى الضفة الغربية من القناة ولا زال يطاردها.
مهازل تتلو مهازل، ونكبات تتلو نكبات، وخدع وأوهام، وتزييف وعى، وإصرار على التضليل، وما أشبه اليوم بالبارحة.. فى حين كان «عبد الحكيم عامر»، فى موقف مريب، قد أصدر أوامره فى اليوم التالى للحرب بانسحاب جميع القوات إلى غرب القناة وما ترتب على ذلك من انهيار معنويات القادة والجنود، كانت محطات الإذاعة تطنُّ بالأغانى الوطنية ولا تذكر الكارثة التى حلّت بالبلاد من قريب أو بعيد ، بل ما زال «عبد الحليم» يصدح بأغنيته «يا أهلاً بالمعارك» فى حين قد حُسمت المعارك.. وضاع كل شىء، ضاع كل شىء.
ضاعت كرامتنا وأرضنا وأبناؤنا وأموالنا وعتادنا، وضاع حقنا فى أن تكون لنا دولة يُعزُّ فيها الإنسان، بل من يومها إلى اليوم ونحن فى صراع مع الكرامة والفضيلة، نرفع شعارات الغرب تارة وشعارات الشرق أخرى؛ ظنًّا أن ذلك يصنع تقدمًا وحضارة، وما دروا أن ذلك لا يكون إلا بالعدل والإنصاف، والحق والحرية، وبالدين الذى أكرمنا الله به، وما خلا ذلك فنحن فى إحن وعذاب إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولاً.