ارتفاع الأسعار باستمرار رغم عزوف المصريين عن الشراء لضعف قدرتهم الشرائية وحالة الركود في الأسواق آثار الكثير من التساؤلات بين المواطنين، خاصة أن الكثير من السلع والمنتجات تراجعت أسعارها في الخارج أكثر من مرة، لكن منحنى الأسعار في مصر لا يعرف إلا الارتفاع، ما يؤكد أن عصابة العسكر هي التي توجه السوق وتحتكر السلع وترفع الأسعار، من أجل تجويع المصريين حتى لا يفكروا في الثورة على قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي .
حكومة الانقلاب تحاول التهرب من مسئوليتها، وتزعم أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى سعر الدولار وجشع التجار رغم أنه عند تراجع الدولار لا تنخفض أسعار السلع، وفي الأيام الأخيرة حدث تراجع كبير في سعر الدولار في السوق السوداء، فبعد أن كان الدولار يباع بأكثر من 40 جنيها تراجع سعره لأقل من 36 جنيها، إلا أن أسعار السلع الغذائية لم تشهد أي تراجع.
وهذا يؤكد أن ارتفاع أسعار السلع ليس له صلة بانخفاض أو ارتفاع مستلزمات الإنتاج وتوافرها من عدمه، أو ارتفاع سعر صرف الدولار أو انخفاضه، ولكنها في الأساس تعود إلى عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق، وأن عصابة العسكر هي التي تدير المشهد في مصر بالصورة التي تريدها وتهدف في الأساس إلى تنغيص حياة المصريين .
سعر الدولار
من جانبه قال الدكتور مدحت الشريف، استشاري الاقتصاد السياسي وسياسات الأمن القومي: إن "الأيام الماضية كانت قد شهدت انخفاضا في سعر الدولار في السوق السوداء، ومع ذلك لم تنخفض الأسعار، محذرا حكومة الانقلاب من أن أي تعويم أو تخفيض في سعر الجنيه، سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار كل المنتجات، ويؤثر على الفئات الأكثر احتياجا".
وأكد الشريف في تصريحات صحفية أن مزاعم حكومة الانقلاب بأنها تعمل على موازنة الأسعار، ونسب التضخم مع المنظومة الاجتماعية لتلك الفئات ثبت فشلها أكثر من مرة، موضحا أن عدم انخفاض سعر المنتجات بعد انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء، سببه أن كل الكيانات الموجودة في الأسواق كانت تضع أسعارا مغالى فيها للدولار، ليس لها أصل في الواقع بسعر البنك أو بالسعر العادل، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات بصورة كبيرة جدا، مسببا انخفاض القوة الشرائية في غالبية المنتجات، ومنها على سبيل المثال شعبة السيارات التي أعلنت انخفاض نسبة المبيعات بنسبة 70% وكذالك العقارات معرضة للعزوف عن الشراء.
وأشار إلى أن من أسباب عدم انخفاض الأسعار أيضا، أن سعر الدولار الرسمي في البنك لم ينخفض، كما أن الأسعار مرتبطة بالعرض والطلب، وطالما هناك طلب على السلع، فسيظل السعر كما هو، كما أن بعض التجار يتوقعون عدم ثبات سعر الدولار، ما يؤثر على حركة الأسواق، ويجعل البعض يحاول الاحتفاظ ببضاعته على أمل التعويم القادم .
وطالب الشريف حكومة الانقلاب بالمحافظة على الدولار وتقليل الاستيراد وتنشيط التصدير، مشددا على ضرورة أن يتم بيع أي أصول في الدولة سواء عقارات أو شركات أو أراضي بالدولار، واعتبر أن طرح شركات للبيع للأجانب بالجنيه المصري يثير الكثير من علامات الاستفهام.
وطالب حكومة الانقلاب بالتواصل مع المنتجين والتجار لضبط الأسواق وأن تعمل على توفير السلع الغذائية التي تمس الفئات الأكثر احتياجا ، محذرا من أن فرض اسعار بقرارات عنترية ووضع تسعيرة جبرية، لن يكون له صدى على أرض الواقع، ولكن سيؤدي إلى مزيد من النشاط في السوق السوداء .
تعطيش الأسوق
وقال هشام الدجوي، رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية بالجيزة: إن "زيادة المعروض تؤثر بشكل قوي على انخفاض الأسعار، موضحا أن المعادلة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص مختلفة تماما، حيث إن القطاع الحكومي من المفترض أنه لا يهدف للربح، بينما القطاع الخاص يهدف للربح".
وأكد الدجوي في تصريحات صحفية أن قطاع المواد الغذائية يأمل في أن تنخفض الأسعار في الفترات القادمة، مثلما حدث انخفاض في قطاعي الذهب والحديد، لافتا إلى أن الانخفاض في أسعار الذهب والحديد بشكل وقتي نتيجة أن ارتفاع أسعارهما كان مبالغا فيه، وأعلى من قيمتها الفعلية، أما بالنسبة للمواد الغذائية فكانت أسعارها مستقرة منذ فترة ولم تشهد ارتفاعات مبالغا فيها.
وأكد أن موسم حصاد القمح، كان له تأثير قوي على انخفاض أسعار المكرونة، بعدما شهدت أسعارها ارتفاعات قوية، لافتا إلى أن أسعار المكرونة في شهر ديسمبر الماضي ارتفعت، نتيجة أن هناك شركات أوقفت الإنتاج بحجة أنها تقوم بجرد سنوي، وقامت بتعطيش الأسوق وهناك شركات أخذت إجازة منذ شهر نوفمبر ومرورا بديسمبر ويناير، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وجعل التجار يقومون برفع الأسعار.
المال الحرام
وقال محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء: إن "التجار عندما يتحدث أحد عن احتمال أرتفاع الأسعار يقومون برفع السعر قبل أن تحدث أية تغييرات، وفي المقابل عندما ينخفض سعر الدولار أو يتم توفير السلع لا يحدث أي انخفاض للأسعار".
وأكد العسقلاني في تصريحات صحفية أن الغلاء الذي تشهده مصر حاليا غير مسبوق، والسبب فيه هو جشع التجار، موضحا أن الغلاء قبل ذلك كان موسميا ويتزامن مع صرف منحة للموظفين أو مع العلاوة الدورية فترة المنحة، أو زيادة المرتبات أو قبل شم النسيم وفي شهر رمضان وعيد الأضحى، ولكن الأسعار الآن تقفز بشكل متوالٍ وبلا مبرر .
وأشار إلى أن التجار يجنون أرباحا مبالغا فيها على حساب الوطن، وهذا ليس ربحا، بل هذا قمة المال الحرام أو المال الخائن، معتبرا أن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل جريمة في حق المستهلكين، لا يجب السكوت عليها.
وأعرب العسقلاني عن أسفه لعدم وجود ضابط أو رابط، وعندما يرفع التجار الأسعار لا يجدون من يقول لهم لماذا ترفعون السعر، موضحا أن الدول المتقدمة والتي أخذت بنظام الاقتصاد الحر، لديها أجهزة تبلغ بزيادات الأسعار قبل الحدوث وتحدد قيمة الزيادة، ولكن التجار في مصر يقررون من تلقاء أنفسهم زيادة الأسعار دون أي رقيب .
وأضاف : أن من أمن العقاب أساء الأدب، وغالبية التجار لا يعرفون للأدب طريقا، معربا عن اندهاشه من أنه في الوقت الذي نشهد فيه انخفاض أسعار الذهب والحديد، نجد أسعار المواد الغذائية في ارتفاع مستمر.
وقال العسقلاني: "هناك تجار علف حققوا مكاسب وصلت إلى مليار وأربعمائة مليون جنيه في أربعة شهور، عندما كان العلف بسعر600 دولار، ويبيعه بسعر 35 ألف جنيه، وكان الدولار بسعر 18 جنيها في البنك، مؤكدا أن تجارة الأعلاف الآن أكثر ربحا من تجارة المخدرات.
وحذر من أن تجاهل حكومة الانقلاب الرقابة ومتابعة الأسواق سيزيد الوضع صعوبة، مؤكدا أن أحد التجار يبيع اللحوم السوداني، وعندما يأخذ إجازة ليوم واحد ترتقع أسعار اللحوم عشرين جنيها في محلات الجزارة بالمنطقة، وعندما يعود ذات التاجر للعمل تنخفض الأسعار في المنطقة عشرين جنيها.