حينما أراد حسني مبارك تمثيل مسرحية الانتخابات في 2005م لم يجد من يفكر في الترشح أمامه، فأعلنت أجهزة سلطته أن كل حزب سيتقدم بمرشح سيحصل على 10 ملايين جنيه لمصاريف الدعاية الانتخابية.
وشاركت 10 أحزاب بمرشحين طمعا في الأموال، وبهم تمت المسرحية، حتى إن رئيس حزب الأمة المُسن أحمد الصباحي الذي اشتهر بلبس الطربوش التاريخي كان أحد المرشحين، وقال حين سئل من ستنتخب؟ قال “مبارك طبعا”.
في كافة دول العالم يترشح أي سياسي في الانتخابات من أجل الفوز وإزاحة المنافس الآخر وهزيمته وتنفيذه برامجه لخدمة الشعب، لكن في مصر فقط يترشح المرشح (الكومبارس) من أجل الدعاية لمنافسه الحاكم والدعوة لانتخابه، مقابل المال والامتيازات وحصوله على تلميع إعلامي بصفته “مرشحا رئاسيا”.
تجارب انتخابات 2005 و2014 و2018 الرئاسية كشفت أن القصة ليست فقط ترشيح “كومبارس” أمام الحاكم الديكتاتور، وإنما للحصول على أموال وامتيازات من السلطة.
أمين صندوق حزب الوفد السابق فيصل الجمّال، كشف لموقع “المنصة” 19 يونيو 2023 أن رئيس الحزب عبد السند يمامة المرشح أمام السيسي في الانتخابات الرئاسية أبلغهم بحصوله على وعود من مسؤولين في الدولة بتخصيص دعم مالي لحملته الانتخابية بقيمة 300 مليون جنيه، وتنازل وزارة المالية عن ديون مستحقة لهيئة التأمينات الاجتماعية على جريدة الوفد بحوالي 30 مليون جنيه، وديون للضرائب بـ 30 مليون أخرى، إضافة إلى زيادة عدد مقاعد تمثيل الحزب بمجلسي النواب والشيوخ”.
وقال أيمن نور رئيس حزب غد الثورة والعضو السابق بحزب الوفد: إن “يمامة قال لرافضي قرار ترشيحه، هذا القرار سينقذ الوفد حزبا وصحيفة من إفلاس محقق”.
وذكر “نور” أيضا عن مصادر في حزب الوفد أن الدولة ستدعم الوفد بقرابة 300 مليون جنيه، وستسقط مديونيات ضخمة للتأمينات الاجتماعية وضريبة دمغة الإعلان المتراكمة على الصحيفة منذ عشرة أعوام وبمبالغ ضخمة.
https://twitter.com/AymanNour/status/1670503627214008324/history
مصدر بحزب “الغد” الذي استولي عليه موسي مصطفي موسي من أيمن نور بدعم من السلطة وترشح كـ “كومبارس” أمام السيسي في انتخابات 2018 بطلب من أجهزة أمنية، كشف أن “مصطفي” حصل أيضا على أموال وامتيازات لا تحصى.
أوضح أن مشكلة الحزب أنه لا يوجد له بالفعل أي أنشطة، ورئيس الحزب هو المهيمن على كل شيء وهو الذي يدير الأمور المالية والشيكات تصله على حسابه في البنوك، لذا لا يُعرف بدقة ما حصل عليه من مكاسب كـ “تيس مستعار” في انتخابات 2018.
لكن محللا سياسيا لاحظ أن موسى مصطفى موسى حصل على حراسة خاصة فور تعيينه كمرشح كومبارس للسيسي في انتخابات 2018 ظهرت معه في الصحف.
كما أنه بدأ ينفق ببذخ في منتجعات سكنية وسياحية وسيارات فاخرة، عقب الانتخابات متعللا بأنه “غني” أصلا ولديه مكتب هندسي يربح منه، مشيرا لتسليم الجيش عطاءات بملايين الجنيهات لمكتب مصطفى كغطاء لهذه الرشوة الانتخابية.
وقبل انتخابات 2018 زعم موسى مصطفى في تصريحات تلفزيونية أن ثروتي تتخطى 100 مليون جنيه، وزعم أن إقرار الذمة المالية الذي قدمه لهيئة الانتخابات لا يعلم عنه شيئا ولم يره لأن المحاسبين هم من كتبوه.
الباشا “بدراوي” يفسد دور كومبارس العسكر
ومنذ أعلن عضو الهيئة العليا لحزب الوفد الباشا فؤاد بدراوي، 21 يونيو 2023 رغبته الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الحزب عبد السند يمامة ترشحه باسم الحزب، وحالة من الارتباك تسود حزب الوفد والأجهزة الأمنية في مصر.
ترشيح بدراوي، وهو آخر من بقي من سلالة باشوات مصر من حزب الوفد التاريخي، أربك خطة الأجهزة الأمنية لترشيح “يمامة” كومبارسا جديدا أمام السيسي مرشح العسكر، خاصة بعد ظهور دعم له من قوى سياسية مختلفة.
بدراوي، قال في بيان نشره على حسابات تابعة لحزب الوفد إنه “يرشح نفسه نزولا على رغبة زملائي وإخوتي وإخوتي من أعضاء الهيئة الوفدية الذين تواصلوا معي على مدار الأيام القليلة الماضية، وطالبوني بأن أكون ممثلا عنهم في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة”.
وإزاء إصرار “يمامة” على أنه هو المرشح النهائي الوحيد من الحزب، حسبما ذكرت صحيفة “المصري اليوم” 21 يونيو 2023، طالب “بدراوي” بدعوة الهيئة الوفدية، لاختيار مرشح من بينهما لخوض الانتخابات الرئاسية، ما يشير لمعركة داخلية وانقسام جديد محتمل داخل حزب الوفد.
وتقول مصادر من داخل حزب الوفد: إن “ترشيح بدراوي جاء كمحاولة من جانب أعضاء الحزب لعدم تحوله إلى حذاء في قدم السلطة وتحويل رئيس الحزب إلى كومبارس للعسكر، لكنها تخوفت من تدخل مرتقب للسلطة يؤدي لانقسام الحزب ورفض ترشيح بدراوي والاكتفاء بـ “يمامة” الذي يؤيد فوز السيسي رغم أنه مرشح ضده، مع مده بمزايا للحزب تقوي موقفه ضد بدراوي.
الخلاصة أن المكاسب التي يحصل عليها “الكومبارس” من ترشيحهم الديكوري أمام سيسي مصر تسببت في مزيد من إفساد الحياة السياسية.
كما أن ترشيح بدراوي تسبب في احراج مرشح العسكر وقد يؤدي لانقسام الحزب، وهناك من يسأل، هل بدراوي مؤهل لهذا الدور؟ أم تسعى السلطة لرفع مستوى المنافسة على غرار انتخابات تركيا وفوز أردوغان بما يظهر الانتخابات على أنها ليست مجرد تمثيلية؟.