تحويل الضابط القاتل في حادث “مدينتي” إلى محكمة عسكرية.. قراءة هامشية في ذكرى العشرية السوداء

- ‎فيتقارير

إعلان المتحدث العسكري للقوات المسلحة، الثلاثاء 4 يوليو 2023م، أن النيابة العسكرية تباشر التحقيقات مع المتهم بالقتل العمد لمواطنة والشروع في قتل أسرتها بإحدى التجمعات السكنية بالقاهرة الجديدة، وأن النيابة قررت «حبسه احتياطيًا على ذمة القضية، وجاري إحالته إلى المحكمة العسكرية للجنايات». قد تبدو أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها في الحقيقة غير ذلك للأسباب الآتية:

أولا، الإحالة إلى النيابة العسكرية ثم القضاء العسكري جاء نتيجة ضغوط مجتمعية بعدما انتشرت تفاصيل الجريمة المروعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما فرض النظام سياجا من التعتيم على الحادث البشع. وحتى موقع "القاهرة 24" المقرب من أجهزة الدولة حين نشر تفاصيل الحادث تعمد عدم ذكر مهنة الجاني المتهم لأنه ضابط طبيب بالقوات المسلحة. وحين انتقدت التعليقات على الخبر  هذا السياج من التعتيم على وظيفة القاتل (يدعي زياد حسام)  قام الموقع بحذف الخبر!  بمعنى أن الإحالة إلى النيابة العسكرية والقضاء العسكري لم تكن وليدة الإرادة الذاتية للنظام بقدر ما كانت استجابة للضغوط المجتمعية بعدما تسربت تفاصيل الجريمة الوحشية.

ثانيا، حين بدأت مواقع التواصل الاجتماعي في كشف تفاصيل الجريمة بدأت المواقع المقربة من السلطة في تناول الحادث من خلال ترويج رواية غير صحيحة تدعي أن الحادث جاء نتيجة السرعة الجنونية لتوصيفه الجريمة بوصفها (قتل خطأ) من أجل تخفيف العقوبة عن القاتل. لكن الزوج المكلوم في زوجته القتيلة وأبنائه الثلاثة الجرحى بإصابات بالغة، بخلاف إصابته هو وصديقه الذي كان يزوره نفى ذلك في تصريحات  لصفحة " صحيح مصر" ذائعة الصيت على موقع "فيس بوك" مؤكدا أن ما نشرته بعض المواقع الإخبارية المقربة من السلطة من أن الواقعة كانت حادثة سير، وأن "الضابط صدم زوجته وأبناءه خلال قيادته داخل المدينة بسرعة زائدة" غير صحيح وعار من الصحة تماما. كما نفى تحرير محضر شرطة يتهم الضابط بالقتل الخطأ. وشدد على أن الضابط القاتل ارتكب جريمته مع سبق الإصرار والترصد حين رفض اعتذار الأسرة وركب سيارته الفارهة ودهسهم جميعا ما أفضى إلى وفاة الزوجة (بسمة علي حسنين طبية صيدلانية)، وإصابة الزوج والأطفال الثلاثة والضيف. وحسب الزوج فإن "الواقعة حدثت أمام فيلا المتهم، وفيلا أخرى مملوكة لمساعد أحد الوزراء، وسجلتها كاميرات المراقبة كاملة في هذه الفيلات، وفي الشارع نفسه. وسُلمت جميعها إلى النيابة العسكرية في مقرها الكائن بحي مدينة نصر، حيث يجري التحقيق مع الضابط، الذي تبين أنه يعمل طبيباً في الجيش، وأقر في التحقيقات بقتل الزوجة عمداً".

ثالثا، حسب بيان المتحدث العسكري فإن القوات المسلحة تؤكد على كامل احترامها لمبدأ سيادة القانون! فهل هي كذلك فعلا؟ فلماذا لم تتم محاكمة الضباط القتلة في كافة المذابح الجماعية التي تزامنت مع ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو 2013م؟ ولماذا أفلتوا جميعا من العقاب المستحق؟!  والحق أن هناك شكوك كبيرة متجذرة في عقول المصريين وكل المصريين (نعم كل المصريين مؤيدون ومعارضون للسلطة) على يقين كامل أن هذا الضابط المجرم لن ينال العقاب المستحق (الإعدام شنقا)، للأسباب الآتية: أولا لأنه ببساطة  ينتمي إلى إحدى مؤسسات القوة في البلاد (الجيش)، ثانيا، أن هناك سوابق كثيرة لذلك؛ تماما كما حدث مع الضابط الطيار  الذى اعتدى على ممرضات مستشفى قويسنا بمحافظة المنوفية في ديسمبر 2022م؛ ما أسفر عن إصابة الممرضات وإجهاض إحداهن جنينها بسبب الضرب المبرح الذي تعرضت له من الضابط وأسرته، وهي جريمة قتل لا شك فيها، بخلاف خطف الهواتف أثناء تصوير الجريمة لمنع توثيقها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بزعم رفض الطاقم العناية بقريبة الضابط البلطجي وأسرته. حيث جرى معه نفس ما يجري حاليا مع الضابط القاتل؛ فقد تمت إحالته إلى النيابة العسكرية التي أحالته بدورها إلى محكمة الجنايات العسكرية حيث تمت تبرئة الضابط المجرم (نقيب طيار) بحكم من المحكمة العسكرية في يناير2023م، في حين كان يجب أن تحال القضية إلى القضاء العادي وليس القضاء العسكري لكون الواقعة جرت بعيدا عن اختصاص القضاء العسكري والضحايا مدنيين، لكن القضاء العسكري برأ الضابط كما هو معتاد.  وقد قارن بعض النشطاء بين ما يجري حاليا مع الضابط المجرم وما جرى مع أحد الجزارين حين علق جزارته  على أحد أعمدة مرفق قطار المونوريل (بمناسبة عيد الأضحى المبارك) فتم ضبطه وضبط ثلاثة آخرين بينهم سيدة كانوا يعملون معه وجميعهم من القاهرة كما تمت مصادرة جميع المعدات وتم تغريمه 120 ألف جنيه كتعويض عن تلفيات (ومهدد بالسجن 5 سنوات) رغم أنه لم يفعل شيئا سوى تعليق جزارته على أحد الأعمدة! فهل يمكن أن نجد محاكمة عاجلة لهذا الضابط القاتل كما جرى مع الجزار المسكين؟!

رابعا، أظهرت ملابسات الحادث أن الضابط المتهم طبيب برتبة نقيب في الجيش، ويقطن في فيلا فاخرة يتراوح ثمنها السوقي ما بين 25 مليون جنيه و30 مليوناً (الدولار = 31 جنيهاً تقريباً)، على الرغم من أن راتبه في المؤسسة العسكرية لا يتعدى 20 ألف جنيه شهرياً في أفضل الأحوال (بحكم رتبته)؛ فمن أين حصل على كل هذا الثراء الفاحش رغم أن الدولة نفسها تعاني من أزمات مالية غير مسبوقة وتضحمت ديونها إلى حدود مخيفة تهدد الجيل الحالي والاجيال القادمة؟! فكيف تفتقر الدولة وتزداد طبقة الضباط (جيش ـ شرطة ـ مخابرات ـ  قضاء) غنى وثراء فاحشا لا يصدق؟!

خامسا، هذه الجريمة تؤكد أن المنتسبين للمؤسسة العسكرية والأمنية (الضباط على وجه التحديد) يتعاملون مع باقي فئات الشعب بمنطق الاستعلاء؛ فهم السادة والشعب قطيع من العبيد؛ وإذا كان الجنرالات ينظرون إلى مصر كلها كإقطاعية عسكرية لا يحكمها إلا جنرال، فهذا الضابط البلطجي ما فعل ذلك إلا لثقته المطلقة بأنه من سادة هذا الشعب الذي لا يصلح معه إلا الحديد والكرباج، كما أنه لم يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة إلا لثقته المطلقة في انه مسنود ولن يقدر عليه أحد. فهذا الضابط وغيره من الضباط عاينوا بأنفسهم كيف سطا الجيش على الحكم بأدوات العنف والإرهاب والبلطجة؛ فترسخ في وجدانهم أن البلطجة هي السبيل لتحقيق أي شيء؛ فعل ضابط ذلك  مع ممرضات مستشفى قويسنا في ديسمبر 2022 وبرأته المحكمة العسكرية، وفعل ذلك هذا الضابط المجرم وتسعى أجهزة الدولة وآلتها الإعلامية إلى إفلاته من العقوبة المستحقة بالزعم أن الحادث مجرد حادث سير ولم يكن متعمدا!

الخلاصة أن مصر تحت حكم الجنرالات تحكم بقانون "ساكسونيا"؛ الذي ابتدعه إقطاعيو هذه المقاطعة الألمانية في القرن الـ"15" الميلادي؛  حيث كان القانون يعاقب اللصوص والمجرمين من كلا الطبقتين (الإقطاعيين والفقراء) على حد سواء؛  ولكن تختلف طريقة تنفيذ العقوبة بين الطبقتين، فالفقراء يطبق عليهم القانون حرفيا بتنفيذ عقوبة القاتل بقطع رأسه وفصلها عن جسده، اما النبلاء الاغنياء فيتم قطع رأس ظل القاتل بعد وقوفه فى الشمس. وعندما يكون الحكم على الفقير من عامة الشعب بالجلد فانه يتم تنفيذ الجلد عليه وسط جموع من الناس، اما تنفيذ الحكم بالنسبة لطبقة الاغنياء النبلاء يقومون باحضار المتهم ويقف فى الشمس ويجلد ظله. اما من يحكم عليه بالسجن من طبقة عامة الشعب الفقيرة فانه يسجن تنفيذا للعقوبة التى يستحقها، اما طبقة النبلاء الاغنياء يسجن المتهم امام الناس ثم يخرج من البوابة الخلفية. وكان النبلاء يدافعون عن هذا القانون بوصفه رمز العدالة وكانت عامة الشعب تنظر إليه بوصفه عين الظلم المبين والعدالة الزائفة.