قال مراقبون: إن "مصر ما زالت ترواح مكانها من أزمة النقد الأجنبي إن لم يكن الوضع يزداد سوءا، وإن ذلك سينعكس على تضخم لا يطاق وزيادات أسعار بقدر لا يحتمله المصريون".
وفي مقال بعنوان "لقد وصلت مصر إلى مأزق مالي، أمل السيسي الوحيد الآن هو معجزة"، أكد الباحث ماجد مندور لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني أن حالة من الجمود تسيطر على الأوضاع، ينتظر السيسي أن يحدث تحول كبير سواء في برنامج الخصخصة أو قرض كبير آخر من صندوق النقد الدولي ، سيصبح الوضع رهيبا للغاية، حيث لا يمتلك السيسي أدواته وسيكون لهذا الجمود عواقب وخيمة، أبرزها انهيار نموذج النظام للنمو المدفوع بالديون ، مع عدم قدرة النظام على الوصول إلى مصادر تمويل إضافية، ومن الصعب تخيل أنه سيكون قادرا على مواصلة برنامجه لمشاريع البنية التحتية التي تغذيها الديون".
وأوضح أن هذا لا يعني أن الشكل العسكري لرأسمالية الدولة في مصر سوف يختفي، بل رجح أن يصبح أكثر افتراسا ، مستغلة مصادر أخرى للأموال العامة لتغذية نموها، مشيرا إلى رفض النظام الصارم نزع عسكرة الاقتصاد وتنفيذ تفويضات حوكمة الشركات على الشركات المملوكة للجيش، يراهن السيسي على أن مصر أكبر من أن تفشل، وأن مصير ملايين المصريين معلق في الميزان.
وأضاف أن العواقب إذا لم تؤتِ تكتيكات النظام القاسية ثمارها، ولم يكن الدائنون متفهمين كما يأمل السيسي، بحسب كلمته في قمة مالية في باريس الشهر الماضي، دعا عبد الفتاح السيسي المقرضين إلى إظهار المزيد من التفهم لأزمة الديون المتدهورة في بلاده، بسبب رفضه تعويم جديد للجنيه، بحسب ما قال قبل القمة.
ورجح مندور أنه "إذا كانت الخيارات خاطئة، فإن أزمة اقتصادية عملاقة ستبتلع البلاد، مع انخفاض قيمة العملة بسرعة، والتضخم المفرط والركود الاقتصادي المدمر كنتيجة مرجحة".
أسعار الفائدة
وعن زيادة أسعار الفائدة اعتبر مندور أن ذلك هو ما لم يقله السيسي، حيث من تداعياتها فرض عبء ثقيل على ميزانية الدولة، وتفاقم أزمة الديون، وتفشل في جذب تدفقات رأس المال بالعملة الصعبة، وهي أمور ضرورية للتخفيف من حدة الأزمة.
وأضاف أنه في السنة المالية المقبلة، من المقرر أن تستهلك أقساط القروض والفوائد 56% من الميزانية وهو رقم مذهل ، أكثر من الإنفاق العام والدعم الاجتماعي ، اللذان يبلغان 13.5% و 12.2% على التوالي، والفائدة المتزايدة لن تساعد بالكاد في تخفيف عبء الديون على ميزانية الدولة.
أخفقت أسعار الفائدة المرتفعة أيضا في جذب تدفقات رأس المال المطلوبة بشدة في أدوات الدين المصرية ، وبرز ذلك في طرح سندات في أبريل ، والذي شهد بيع 0.04 في المائة فقط من عرض ثلاثة مليارات جنيه مصري (97 مليون دولار)، وسبب إحجام المستثمرين هو الانخفاض المتوقع في قيمة الجنيه.
وعن أثر التعويم المتكرر وتخفيضات العام الماضي، لفت مندور إلى أن الجنيه ظل تحت الضغط مع فشل تخفيضات العملة في توليد التدفقات الرأسمالية المطلوبة بالعملة الصعبة، مستشهدا بسعر السوق السوداء، فلا يزال تداول الجنيه عند حوالي 38 جنيها للدولار ، وهو أعلى بكثير من سعر الصرف الرسمي البالغ 30.9 جنيها.
الاقتصاد المعوق
ولفت الباحث إلى أن نقصا حادا في العملة الصعبة يعيق الاقتصاد، حيث توقف عدد من مصانع الصلب عن الإنتاج أو قللته بسبب عدم قدرتها على استيراد المواد الخام اللازمة، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ورود تقارير عن تأخيرات في سداد شحنات القمح، على الرغم من نفي الحكومة ذلك.
هناك أيضا تقارير عن عودة تراكم الواردات في مصر، مع بقاء بعض العناصر عالقة في الموانئ المصرية ، على الرغم من تأكيدات الحكومة بأنه تم إنهاء الأعمال المتراكمة في بداية العام.
يبدو أن النظام أدرك أن تخفيض قيمة العملة مرة أخرى ليس حلا مضمونا للأزمة ، وأنه سيتخذ إصلاحات جوهرية لجذب المستثمرين ، وهو ما لا يرغب فيه النظام ولا يستطيع القيام به، بعبارات أبسط فقد وصلت مصر إلى طريق مسدود.
وخلص إلى أن السؤال المهم "كيف يتوقع النظام تلبية احتياجاته التمويلية وبناء احتياطيات كافية لإدارة تخفيض آخر لقيمة العملة؟ لا يقدم صانعو السياسة المصريون إجابات واضحة ، بخلاف الالتزام ببرنامج الخصخصة".
وعن ضعف العروض الخليجية بظل الطلب على أصول الدولة المصرية من المستثمرين الخليجيين، والذي يبدو فاترا في أحسن الأحوال ، مع وضع مطالب صارمة، أفادت التقارير بأنه تم تقديم عرض بقيمة 400 مليون دولار الشهر الماضي، من قبل شركة استثمار عقاري سعودية، مقابل 70 % من أسهم شركة إسكان مصرية، وهو عرض أقل بكثير من قيمة الأراضي المملوكة للشركة، والتي تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.
تطالب دول الخليج بجولة أخرى من تخفيض قيمة العملة، وهو ما استبعده النظام بالفعل ، مما يمهد الطريق لمفاوضات مطولة مع استحقاق التزامات القاهرة.
والتزامات سداد ديون مصر هائلة، في ظل وجود 3.86 مليار دولار في شكل اقتراض قصير الأجل و 11.38 مليار دولار ديون طويلة الأجل، وهي مبالغ مستحقة في النصف الثاني من عام 2023.
أزمة نقد أجنبي
وقالت نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية نقلا عن البنك المركزي: إن "تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال مايو الماضي إلى سالب 24.4 مليار دولار، مقارنة بسالب 24.1 مليار دولار في أبريل الماضي، وهو ما يعني أن البنوك في أزمة نقد أجنبي كبير، وأن حكومة السيسي وبنكها المركزي مدين بهذا الرقم الذي يكشف أن العجز مستمر مع تراجع الاستثمار الخارجي".
وهو ما يعني استمرار تفاقم أزمة البلاد التي يقطنها نحو 105 ملايين نسمة مع العملة الأجنبية والتي بدأت تبعاتها منذ الربع الأول من العام الماضي.
وقال مراقبون: إن "تراجع العملة الأجنبية جاء نتيجة زيادة صافي الالتزامات الأجنبية للبنك المركزي، والذي ارتفع إلى نحو 10 مليارات دولار، مقارنة بـ 9.1 مليار دولار في أبريل الماضي".
وبدأ التراجع في صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي في أكتوبر 2021، حتى مايو الماضي مسجلا فترة قياسية بنحو 20 شهرا، إلا أن هذا المستوى من التراجع بصافي بالنقد الأجنبي يظل هو المستوى الأدنى، وفق مراقبين.
ومنذ نهاية الربع الثالث، من 2021، تعاني السوق المدرجة تحت تصنيف “ناشئة” من موجة هروب للأموال الساخنة التي طالما اعتمدت عليها الحكومة المصرية في الحصول على النقد الأجنبي.
الدعم والرواتب
ومن جانبه، قال ممدوح الولي نقيب الصحفيين السابق والخبير الاقتصادي: إن "بلوغ قيمة فوائد وأقساط الدين العام الحكومي المحلي والخارجي، نسبة 56 % من الاستخدامات بموازنة العام المالي الحالي 2023/2024 الذي بدأ مطلع الشهر الحالي".
وأضاف أن باقي أبواب الاستخدامات الستة بالموازنة مخصص لها نسبة 44 % من الاستخدامات، وهي أبواب الاستثمارات الحكومية والدعم والأجور وشراء السلع والخدمات للجهات الحكومية والمساهمات في الهيئات الاقتصادية المتعثرة.
وأشار إلى أن "إنفاق الحكومة سيقل على المشروعات الخدمية التعليمية والصحية وغيرها، وسيتم تقليص الدعم للفقراء وتحجيم زيادات أجور العاملين بالحكومة بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، كما ستزيد فترات تأخر سداد الحكومة لمستحقات المقاولين والموردين لها، ويضاف إلى ذلك فرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين والشركات لتقليل عجز الموازنة".
الدين وتكلفته
واعتبر أن بلوغ تكلفة الدين الخارجي وحده بالعام الماضي 24.5 مليار دولار، موزعة ما بين 19.1 مليار دولار للأقساط و5.4 مليارات دولار للفوائد، وهي قيمة كبيرة إذا تمت مقارنتها بقيمة بعض الموارد الدولارية بنفس العام.
وأوضح أنه إذ بلغت إيرادات السياحة 12.2 مليار دولار، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر 11.4 مليار دولار، وإيرادات قناة السويس 7.6 مليارات دولار، كما بلغت أقساط وفوائد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل بالعام الحالي 22.9 مليار دولار، بخلاف 30.9 مليار دولار للقروض قصيرة الأجل، ومع تعود الحكومة تجديد القروض قصيرة الأجل فسوف تتحمل فوائدها السنوية التي لا تقل عن 600 مليون دولار.
وعن مستحقات الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل فإنها تبلغ بالعام القادم 28 مليار دولار، وفى عام 2025 نحو 18.3 مليار دولار وبالعام التالي نفس القيمة، وبعام 2027 نحو 12.7 مليار دولار، أي أنه مطلوب خلال السنوات الخمس من العام الحالي حتى 2027 نحو 100 مليار دولار للسداد، إلى جانب فوائد الدين الخارجي قصير الأجل فى حالة عدم سداده، ومع تدبير الحكومة تلك المبالغ لسداد الأقساط والفوائد، فقد قامت بتقليص الواردات وضيقت على استخدام المصريين كروت الائتمان بالخارج، وهو ما أثر على الصناعة التى تعتمد على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، والنتيجة انخفاض الصادرات خلال الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 27% بالمقارنة لنفس الفترة من العام الماضي، وتأثر العمالة بتلك المصانع، وكلما قل المعروض من السلع المستوردة؛ زادت أسعارها بالأسواق مما يزيد من معاناة الجمهور.
وأشار إلى أن أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية تعود إلى فشل إدارة عملية الاقتراض خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب عدم وجود أولويات مدروسة في إنفاق النقد الأجنبي الذى يتم اقتراضه، مما يضاعف المخاطر التي يتكبدها الوطن والمواطن جراء هذه السياسة ذات التكلفة المرتفعة.
وأكد الولي أن بلوغ فوائد وأقساط الدين العام نسبة 56 % من استخدامات العام المالي القادم يضر بالاقتصاد والمواطن.
وأشار نقيب الصحفيين السابق إلى أن تخارج الاستثمار الأجنبي ووجود سعر موازٍ للدولار يزيد شك المؤسسات الدولية في قدرة الحكومة على سداد أقساط وفوائد الديون، موضحا أن الخليج لم يتخل عن مصر ولكن تغيرت طريقة التعامل.