«مش معايا غير 1500 جنيه ونفسي أصيّف أنا وولادي».. الشواطئ للعسكر والشهامة للمصريين

- ‎فيتقارير

"لو سمحتم من غير تريقة، أنا معايا 1500 جنيه، ينفع آخد الأولاد والزوجة أسافر أي بحر حتى يومين"، منشور كتبه أحد الأشخاص دون أن يكشف عن هويته قلب السوشيال، وتفاعل معه آلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلا أن ما أثار استغراب المصريين تجاهل الجيش للمنشور، بينما لجانه الإلكترونية تنشط في طول وعرض مواقع السوشيال ميديا .

منشور الأب – الذي تجاهله الجيش الذي يحتكر الشواطئ-  كشف عن المعدن الأصيل للمصريين، الذين تسابقوا على رسائل الدعم للأب، فهناك من عرض عليه سيارته حتى يسافر بها، وآخر عرض بيته في الغردقة، وكذلك مرسى مطروح، بل و عرضوا عليه أن يطيل المدة حتى يستمتع هو وأسرته لأسبوع على الأقل، وخرست لجان العسكر التي تتغنى بخدمة الجيش للمصريين.

الجيش يحتكر مصر

تعاطف المصريين المدنيين وترابطهم وتراحمهم، أثار إعجاب رواد مواقع التواصل من الجنسيات العربية، حيث علقت سيدة قائلة: "أنا فلسطينية بس تعليقاتكم بتجنن وفيها كمية حب، بجد إنتو أحلى شعب بالدنيا".

يأتي ذلك المنشور في وقت تنتشر فيه مشاجرات أولاد الذوات في مصايف الجيش، التي يسود فيها البذخ والرفاهية بأموال الشعب المنهوبة، بينما يعاني سكان مدينة الإسكندرية شمالي مصر من أزمة كبيرة بعدما وضع الجيش يده على مناطق مميزة على كورنيش البحر هناك، وقرر تحويلها إلى أماكن استثمارية تحت مسمى مشروع تطوير منطقة مصطفى كامل، الذي أُطلق قبل 4 سنوات، ليحجب مشهد البحر عن سكان تلك المناطق والمارين عبرها.

ولا يزال العمل في المشروع مستمرا، رغم الاعتراضات الشعبية والنيابية الهائلة، والتي تظهر بصورة واضحة في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا أن العمل فيه تم بليل دون إعلان مسبق أو دراسة الأثر البيئي والنسق الحضاري للمشروع.

ولم يفلح احتجاج أهل الإسكندرية في ديسمبر 2016، في جعل السلطات تتراجع عن المشروع، الذي يُنفذ لصالح الإدارة العامة لنوادي وفنادق القوات المسلحة.

وتقدر ميزانية المشروع، الذي تم افتتاح جزء منه بالفعل حوالي مليار جنيه مصري (64 مليون دولار)، ويهدف بالأساس لربط فنادق وشواطئ القوات المسلحة بمنطقة سيدي جابر ببعضها.

ويضم المشروع مجمعا سياحيا ترفيهيا على شاطئ الكورنيش، يمتد من سيدي جابر وسط البلد حتى منطقة رشدي، بطول يبلغ حوالي 900 متر.

ويتضمن المشروع إنشاء فندق "تيوليب 2" الذي يحوي جراجا مُتعدد الطوابق أمام الشاطئ، وكوبري يربط المشروع بالجهة المقابلة، من خلال مسار علوي معزول، إضافة إلى نفق يربط المجمع السياحي في منطقة مصطفى كامل بالفندق في منطقة رشدي.

وطبقا لما أعلنته القوات المسلحة على الصفحة الرسمية للمشروع على "فيسبوك"، فإنه يضم أكبر مجموعة مطاعم متخصصة، وكافيهات عالمية، وأكبر ماركات الملابس العالمية، إضافة إلى صالة دولفين وأسماك نادرة.

كما يضم المشروع، صالة تزحلق علي الجليد، وبولينج ونافورة راقصة، وملاعب أسكواش، وصالة العاب رياضية "جيم"، ومارينا للرحلات البحرية ومدرسة ومركز للغوص بخلاف مسرح وحديقة للنباتات النادرة وأماكن مخصصة للصيد.

يشار إلى أن الجيش يمتلك 13 فندقا وناديا اجتماعيا في الإسكندرية، إضافة إلى 3 فنادق تحمل علامة "تيوليب"، التي تتبع الشركة الوطنية للفنادق والخدمات السياحية إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

وحسب مواقع حجز الفنادق على الإنترنت، فإن سعر الإقامة في فندق "تيوليب" مصطفى كامل من بين الأعلى في الإسكندرية؛ حيث تبلغ تكلفة الإقامة في الليلة الواحدة 84 دولارا أو ما يعادلها بالجنيه المصري.

ورغم الانتهاء من جزء غير قليل من المشروع بالفعل، حيث تم افتتاح كوبري سيدي جابر منذ أكثر من عام، ثم عدد من المحال التي تحمل توكيلات أشهر الماركات العالمية قبل حوالي شهرين، إلا أن المشروع برمته لا يزال يمثل غُصَّة في قلب كل إسكندراني.

العسكر والقوة

ولعل هذا الغضب، يعود إلى شعور أهالي الإسكندرية باغتصاب مدينتهم دون رضاهم، فلم يكلف أحد من المحافظة أو الجيش نفسه ليجري حوارا مجتمعيا حول المشروع قبل البدء فيه، بل إنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الإعلان عنه قبل الشروع فيه.

ولم يعرف الناس بالمشروع، إلا حينما فوجئوا في صباح يوم بارد من أيام شتاء الإسكندرية بزحام خانق على طريق الكورنيش في منطقة المشروع، كما تسبب ردم بعض أنفاق المشاة التي كانت موجودة على كورنيش الإسكندرية، في وقوع حوادث مروّعة لمن يحاولون عبور الطريق السريع.

"الشواطئ مغلقة، لا سبيل أمامكم إلا الفنادق والمنتزهات الخاصة بالقوات المسلحة"، بتلك الجملة نصح أحد حراس الشواطئ العامة محمد ماهر وعائلته بالاتجاه إلى أحد الشواطئ الخاصة بالقوات المسلحة، من أجل الاستمتاع بإجازة الصيف السنوية.

يحكي ماهر عن تجربة المصيف المريرة في الإسكندرية: "وصلت أنا وأسرتي المكونة من ستة أفراد إلى الإسكندرية في أحد أيام النصف الثاني من شهر أغسطس، في تقليد سنوي نحرص عليه من أجل قضاء بضعة أيام على شواطئ الإسكندرية الجميلة صيفا، والهرب من حرارة الطقس في محافظة المنيا جنوبي مصر، لكننا فوجئنا بإغلاق جميع الشواطئ العامة".

ويضيف شاكيا "يبلغ سعر تذكرة الدخول إلى شواطئ القوات المسلحة 150 جنيها مصريا للفرد الواحد، أي أننا بحاجة إلى 900 جنيه للدخول فقط، إضافة إلى المصاريف في الداخل، وهو ما يفوق قدرتي المادية، خاصة في ظل تراجع الدخل وارتفاع الأسعار خلال العام الحالي".

حُرمت عائلة ماهر ومعها ما يتراوح بين 1.5 و2 مليون مصطافاً يترددون سنويا على المحافظة خلال فصل الصيف، علاوة على 5 ملايين مواطن آخر هم مواطني المحافظة الساحلية، من الاستمتاع بالشواطئ العامة في عروس البحر الأبيض المتوسط، بزعم الإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا، في الوقت الذي فتحت فيه شواطئ القوات المسلحة أبوابها أمام الجمهور للاستمتاع بها مقابل تذكرة دخول تتراوح قيمتها بين 100 و400 جنيه للفرد الواحد، وسط تساؤلات المواطنين ، هل يخشى فيروس كورونا إصابة المترددين على شواطئ القوات المسلحة، ويصيب المترددين على الشواطئ العامة فقط؟.

توجد في الإسكندرية عشرات الشواطئ العامة التي تفتح أبوابها أمام الجمهور بأسعار دخول رمزية تتراوح بين 10 و25 جنيهاً للفرد الواحد، تديرها مجموعة من المستثمرين أو رجال الأعمال التابعين للجيش ويحصلون على حق إدارتها في مزاد علني لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، تعلن عنه الإدارة المركزية للسياحة والمصايف وتنفذ الإجراءات إدارة التعاقدات التابعة لمحافظة الإسكندرية.

وتوجد مجموعة أخرى من الشواطئ السياحية تتبع بعض الفنادق الخاصة وأخرى تتبع بعض الهيئات وبينها فنادق وشواطئ تابعة للقوات المسلحة وفندق تابع لوزارة الداخلية، وفقا لمصدر مسؤول داخل محافظة الإسكندرية، طلب عدم الكشف عن هويته.