فشل وخيانة.. القمح الذي تمول الإمارات شراءه للمصريين مزروع بمصر

- ‎فيتقارير

في 20 يوليو 2023، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية بحكومة الانقلاب علي المصيلحي، اعتزامه توقيع اتفاقية مع “صندوق أبو ظبي للتنمية”، للحصول على قرض بقيمة 400 مليون دولار على شرائح، كل شريحة بقيمة 100 مليون دولار لتمويل مشتريات القمح.

وكشف أن الشريحة الأولى تشمل قرضا بقيمة 100 مليون دولار سيتم بموجبها تمويل شراء مصر حبوب من شركة الظاهرة للأعمال الزراعية الإماراتية ومقرها أبو ظبي، بحسب وكالة بلومبرج الأميركية.

المثير في الأمر أن الصندوق الإماراتي الحكومي اتفق في ضوء القرض مع شركة “الظاهرة” الحكومية أيضا، والتي تزرع الحبوب والأعلاف في عدة مناطق بمصر، على إمداد الأخيرة، بالقمح المزروع في أراضيها بمنطقة توشكى جنوب مصر، والتي كانت اشترتها في صفقة بمبالغ زهيدة أثارت ضجة قضائية كبيرة آنذاك.

أي أن الإمارات، على طريقة المعونة الأمريكية، سوف تدفع الـ 100 مليون دولار لمصر، مشترطة دفعها للشركة الإماراتية التي تعمل في مصر لتبيع للمصريين القمح الذي تنتجه على أرضهم بحسب تقرير نشره موقع “الاستقلال”.

وتشترط الولايات المتحدة على مصر أن تستخدم المعونة السنوية العسكرية في شراء أسلحة من شركات أميركية، أي أن واشنطن تدفع المعونة لشركات أسلحتها الوطنية بصورة غير مباشرة.

وجاء اتفاق وزارة التموين مع صندوق أبو ظبي للتنمية وشركة “الظاهرة”، بالتزامن مع ضغوط تواجهها مصر في توفير الحبوب اللازمة لها، من ارتفاع أسعار القمح عالميا بنحو 9% نتيجة لانسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.

وارتفعت أسعار القمح في البورصة الأوربية بنسبة 8.2% في 19 يوليو 2023، ليصل ثمن الطن الواحد إلى 253.75 يورو.

وقفزت قيمة العقود الآجلة للقمح الأمريكي بنسبة 8.5 %  في نفس اليوم، وهي أعلى نسبة ارتفاع في اليوم الواحد، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتحتاج الحكومة المصرية سنويا تسعة ملايين طن من القمح لسد احتياجات منظومة الخبز المدعوم.

 

الفدان بـ 50 جنيها

يشار إلى أن شركة "الظاهرة" الإماراتية مملوكة للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، وهي متخصصة في زراعة وإنتاج الأعلاف وتوريدها إلى هيئة التحكم الإماراتية المسؤولة عن الأمن الغذائي للإمارات.

وتستحوذ الشركة في مصر على 116 ألف فدان موزعة بين توشكى وشرق العوينات والصالحية والنوبارية، وتشير تقارير أخرى إلى أن إجمالي ما تستحوذ عليه 400 ألف فدان أراضٍ زراعية بمصر، بحسب مجلة “عالم الزراعة” في 17 يناير 2023.

وصدرت هذه البيانات عقب لقاء بين وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، مع رجل الأعمال الإماراتي خديم الدرعي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "الظاهرة" لتعزيز استثمارات الشركة الإماراتية في مصر.

ويقام مشروع الظاهرة بتوشكى وحدها على مساحة 37 ألفا و400 فدان، وكشفت صحيفة “العين” الإماراتية في 31 أكتوبر 2022 أن الشركة تتوسع في مصر في مجال زراعة وإنتاج الأعلاف والحبوب.

وتدير الشركة حوالي 35 مستودعا في مختلف المواقع بسعة تخزينية تبلغ حوالي 210 آلاف طن متري من الأعلاف في عدة فروع، منها: “الظاهرة الزراعية مصر” بشرق العوينات، و”الظاهرة السعودية العالمية”، وغيرها من الفروع في بعض البلدان.

وفي 26 فبراير 2023 أكدت صحيفة “أموال الغد” أن الشركة الإماراتية أطلقت مشروعا جديدا للمحاصيل الإستراتيجية في مصر باستثمارات 500 مليون دولار.

وتوجد “الظاهرة” في أكثر من 20 دولة وتلبي منتجاتها احتياجات أكثر من 45 سوقا حول العالم، كما يعمل بالشركة خمسة آلاف موظف، بحسب شبكة “سكاي نيوز” الإماراتية في 13 مايو 2020.

لكن في عام 2011، رفع “المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية” دعوى قضائية ضد الشركة الإماراتية للحصول على حكم ببطلان العقد الخاص بمساحة 100 ألف فدان تملكها الشركة في توشكى.

 

إهدار أموال المصريين

وجاء في عريضة الدعوى أن طلب فسخ التعاقد مع الشركة الإماراتية بصفته إهدارا للمال العام وبيعا للأراضي بغير ثمنها الحقيقي، حسبما نشرت صحيفة “المصري اليوم” في 18 أبريل 2023.

وقالت الدعوى: إن "حكومة مصر في عهد حسني مبارك باعت الفدان بمبلغ 50 جنيها للشركة الإماراتية، بينما بلغ متوسط سعره وقتها مبلغ 11 ألف جنيه".

وطالب المركز بإبطال العقد، وإعادة هذه الأراضي لملكية الدولة مرة أخرى، لبيعها بأثمانها الحقيقية، بما ينص عليه القانون.

وقد أصدر مجلس الدولة وقتها قرارا ببطلان العقد، لكن لم تستكمل النيابة العامة التحقيق في القضية وتم غلق الملف دون حكم.

 

فساد كبير

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن "وراء هذا المشروع الإماراتي (الظاهرة) شُبَه فساد كبيرة، حيث تم النظر لمصالح شخصية ضيقة للحكام لا المصالح العليا لمصر".

مشيرا،  في تصريحات صحفية، أن مصر تعاني ليس فقط من الفساد ولكن من غياب إستراتيجية للاستثمار الأجنبي المباشر، تجعل مصر تستفيد ويكون لها نصيب من الإنتاج في المشاريع الاستثمارية مثل أن يكون لها نصيب من قمح الشركة الإماراتية.

وأشار إلى أن قرارات الاستثمار في هكذا مشاريع تم اتخاذها من أنظمة بعيدا عن احتياجات مصر من هذا الإنتاج على أراضيها والاستفادة من الاستثمار الأجنبي، سواء من السلع والخدمات أم العمالة.

وشركتا “الظاهرة” و”جنان” هما أكبر الشركات الزراعية الإماراتية المستثمرة في الخارج باستثمارات ضخمة تصل لنحو 15 مليار درهم (4 مليارات دولار) وتتنوع منتجات الشركتين بين الحبوب والفواكه والأعلاف.

وتستهدف الاستثمارات الإماراتية الزراعية في الخارج تنفيذ إستراتيجية الإمارات للأمن الغذائي والتي تقوم على محورين، أولهما ضمان الاكتفاء الذاتي واستدامة توريد السلع الأساسية، والحفاظ على الموارد المائية المحدودة.

وثانيهما أن تكون الإمارات هي المركز الرئيس لإعادة تصدير السلع الأساسية لدول المنطقة.

 

اديني عقلك

ومن المثير السخرية، أن  الشركة الإماراتية زرعت القمح على أرض مصر وبمائها وبأسعار زهيدة، ثم جاء السيسي ليقترض من الإمارات ملايين الدولارات لشراء محصول القمح الذي تنتجه، وهو ما يراه مراقبزن “قمة العبقرية العسكرية”.

فيما قال أشخاص مطلعون على صفقة القمح الإماراتية لوكالة “رويترز” في 21 يوليو 2023 إن “القرض سيتم تسهيله من خلال مكتب الصادرات في أبو ظبي بصندوق أبو ظبي للتنمية، الذي يمتلك شركة الظاهرة أي أن الإمارات تبيع لنفسها".

ويقول باحث ريفي: إن "قرض الإمارات لشراء قمح يبدو إنه مشروط بالشراء جزئيا من شركة الظاهرة الإماراتية، لأن لديها آلاف الأفدنة في مصر (توشكى- العوينات- الصالحية) وحصلت على امتيازات مهولة في النفاذ للأرض والمياه والكهرباء".

وكان لافتا تعلق سعوديين على أنباء شراء مصر قمح زرعته الإمارات في أرض توشكى بقرض تم تسليمه من يد إماراتية ليد إماراتية بالتلميح لعمليات فساد ونهب.

إذ كتب الخبير المصرفي السعودي “راشد غوريري” على تويتر: “عملية بيع القمح الإماراتي سليمة وليست غريبة إذا كان القرض يدفع مباشرة من صندوق أبوظبي لشركة الظاهرة".

واستدرك قائلا: “لكن المصيبة لو القرض تم تسليمه لوزارة التموين المصرية هنا الكارثة، لأنه سيتم شراء 50 ألف طن بدل 100 ألف طن وأكيد تعرف الفرق وين راح؟”.

 

أزمة حادة

وفي 25 مايو 2023 كشفت وكالة “رويترز” أن الهيئة المصرية للسلع التموينية، مشتري الحبوب في الدولة، أجلت مدفوعات مشترياتها من القمح نتيجة لأزمة العملة الحادة بمصر.

وتوضح الأرقام الرسمية أن 80 %  من واردات مصر من القمح خلال عام 2021 جاءت من كل من روسيا وأوكرانيا.

وكانت وارداتها من روسيا خلال ذلك العام نحو 4.2 ملايين طن بقيمة 1.2 مليار دولار ونسبة تصل إلى 69.4 %  من إجمالي الواردات المصرية.

وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية على القائمة حيث اشترت منها مصر خلال عام 2021 أكثر من 650 ألف طن بقيمة تصل إلى 650 مليون دولار تقريبا.

وتم إجراء العديد من مشتريات القمح أخيرا بقروض من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC)، والتي ضاعفت عام 2022 التسهيلات الائتمانية الممنوحة لمصر إلى 6 مليارات دولار.

أيضا مول البنك الدولي عدة صفقات لتوريد القمح في 2023 لمصر، حيث تشتري ملايين الأطنان من القمح سنويا من الخارج، وهي واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم.

وكان خبر انسحاب روسيا في الأيام الأخيرة من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود، وإطلاق رصاصة الرحمة عليها، أضر بمصر بشدة، ولذلك وجهت انتقادا نادرا لروسيا.

حيث وصف وزير التموين والتجارة الداخلية، علي مصيلحي، قرار روسيا بأنه نبأ غير سعيد سيؤثر بشكل سلبي على الدول الضعيفة، في إشارة إلى مصر أيضا.

ويقول مؤيدو الاتفاقية: إن "فائدتها الرئيسية كانت خفض أسعار المواد الغذائية، لاسيما في أفقر مناطق العالم، حيث انخفضت الأسعار بأكثر من 23 % منذ مارس 2022".

الأغرب أن إثيوبيا باتت تصدر أيضا القمح لمصر، وفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” في مارس 2023، فإن إثيوبيا تحتل المرتبة الأخيرة من حيث صادرات القمح إلى مصر.

وأعلنت وزيرة التخطيط والتنمية فيتسوم آسيفا، في مؤتمر أممي أن إثيوبيا أصبحت دولة مصدرة للقمح في عام 2023.

وتسعى أبو ظبي، لتوقيع اتفاق مع الحكومة الإثيوبية، يمنحها حق الحصول على أراض زراعية لتنفيذ مشروع زراعي ضخم على الحدود السودانية- الإثيوبية، يتضمن زراعة آلاف الأفدنة.

ويتوقع أن يستفيد المشروع الإماراتي، من المكاسب التي ستحصدها إثيوبيا، من تشغيل “سد النهضة”، من أرض خصبة، ووفرة مائية، ما يؤمن لأبو ظبي أمنها الغذائي، والبيع لدول العالم، وهو ما يتعارض مع أمنمصر القومي.

ويقول خبير اقتصادي لـ “الاستقلال” إن "هذه المكاسب الإماراتية وراء سعيها للوساطة بين مصر وإثيوبيا في ملف سد النهضة، لأن النتائج النهائية ستكون لصالحها وتنمية مشاريعها الزراعية والصناعية هناك".

يشار إلى أن الإمارات تمتلك حاليا حوالي (100) مشروع استثماري في إثيوبيا في قطاعات مختلفة كالزراعة والصناعة والعقارات والصحة والتعدين وغيرها.

وهذا هو ما يدفع الإمارات دائما لوأد ومنع وإنهاء أي حروب أهلية أو اضطرابات في إثيوبيا.

وهكذا تتقزم مصر ، التي باتت تتسول لتأكل، بينما تصعد دول أقل من مصر وأفقر كأثيوبيا وغيرها.

وهو ما يؤكد أن مشروع السيسي الأساسي الذي وافق عليه الرئيس الأمريكي أوباما في 2013، وفق الفورين بوليسي، هو تقزيم مصر وتقليص دورها المحوري في الإقليم والمنطقة، وعدم السماح بنهوضها أو تقدمها، أو تحقيق اكتفاء ذاتي استراتيجي ، من القمح والغذاء والدواء والسلاح، كما كان يتعهد الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، وهو ما عجل بانقلاب الخائن السيسي عليه، ومن يومها تتزايد فضائح مصر على كافة المستويات، بجانب ترجعاتها وانكساراتها المستمرة.