مع اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بنظام السيسي، وبعد رفض الدول والهيئات المانحة الاستمرار في تمويل السيسي وإقراضه، وسط عجز كبير في التمويل وتفاقم الديون وانهيار قيمة الجنيه وتردي الأوضاع المعيشية للمصريين، شنت أجهزة السيسي الإعلامية والأمنية حملات مضادة تستهدف جماعة الإخوان المسلمين، رغم تواريها الجسدي عن الساحة المصرية، وإن استمر دورها الإعلامي والسياسي من الخارج، كما صعدت السلطات الأمنية من حملاتها الشعواء ضد الإخوان ومقربيهم وأسرهم بلا أية مقدمات.
كما أعاد إعلام المخابرات حملات الهجوم على الجماعة، عبر استضافة عدد من الكوادر البالية للهجوم على الجماعة، كما ظهر مؤخرا من استضافة أحد المذيعين بقناة تلفزيونية للواء السابق فؤاد علام الذي خرج ليشوه صورة الداعية المجاهدة زينب الغزالي، بوصفه لها بأنه حقق معها، وإن أكثر من 80% من التحقيقات معها كانت تتضمن أحاديث ونكات إباحية، وذلك الكذب والزور الذي لا يصدقه عقل، لما هو ثابت عنها من ثبات وصبر ومجالدة الحكام ورفضها الرضوخ لتهديدات نظام عبد الناصر وعسكره، وإنها لو كانت كذلك لما اعتقلت من أساسه ولما عذبت.
كما خرج ثروت الخرباوي ليتهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، بأنه أفتى بجواز الإتجار بالمخدرت والهيروين لتمويل أنشطة الجماعة، مستشهدا بالمجاهدين الأفغان الذين اتهمهم بأنهم كانوا يزرعون الأفيون ويمولون الجهاد من زراعته.
كما صعد إعلاميو البغال مؤخرا من هجومهم على الإخوان المسلمين، في تناولهم للأزمة الاقتصادية التي حمّلوها للإخوان المسلمين، على الرغم من أن الإخوان أغلبهم معتقلون ومشردون في أصقاع العالم هربا من سجون السيسي.
تلك الحالة الملتبسة، يفسرها مراقبون، بأن النظام يحاول النفخ مجددا في المخاوف من الإخوان المسلمين، في رسالة ضمنية لدول الخليج، بأنه إذ لم تدعم نظام السيسي المنهار اقتصاديا، فإن البديل هو الإخوان المسلمين، وقد سبق وأن جرب النظام تلك الفزاعة لابتزاز الغرب ودول الخليج لدعم السيسي بالمليارات التي أنفقها على فساده ومشاريعه الفنكوشية بلا رقابة ولا محاسبة.
إزاحة السيسي
وفي سياق تحليل المشهد المستقبلي بمصر، قال الحقوقي البارز، بهي الدين حسن: إن "أي إزاحة محتملة لعبد الفتاح السيسي ستحدث من داخل نظامه بدعم خليجي"، مؤكدا أن "التغييرات العسكرية والأمنية المحدودة التي يقوم بها السيسي، لن تفيده كثيرا".
وأشار حسن، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن السيناريو الأرجح من وجهة نظره، يتمثل في أن "احتمال عدم التوافق بخصوص استمرار السيسي في سدة الحكم، سيأتي من الشرائح العليا في نخبة الحكم".
وقبل أيام، أجرى السيسي حركة تغييرات عسكرية جديدة، شملت الإطاحة بقادة عسكريين وتعيين آخرين بدلا منهم.
وأضاف حسن: "لا أظن أنه يمكن مقارنة انتخابات 2014 و2018 بانتخابات العام القادم، حتى لو ترشح وفاز بها السيسي؛ ففي الانتخابات السابقة كان فوز السيسي بها أمرا مفروغا منه، بمجرد ضمان توحد نخبة الحكم والمؤسسة العسكرية خلفه، اليوم هذا الأمر صار سؤالا مفتوحا، سنعرف الإجابة عليه تدريجيا كلما اقتربنا من موعد فتح باب الترشح لها".
وأكد حسن، الذي يشغل منصب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن "المنافس القادر على منافسة السيسي في ظل المعطيات السياسية الراهنة، هو مرشح ينتمي للنظام القديم/ الجديد، وعلى الأرجح يتمتع بدعم دول الخليج"، متابعا: "من الصعب تصور حدوث انتخابات رئاسية نزيهة وحرة في مصر العام القادم، دون حدوث ما يشبه الانقلاب أو الثورة قبل انعقادها".
ولفت إلى أن "السيسي في غمار التحضير لانقلابه العسكري عام 2013، فتح باب جحيم التدخل الإقليمي في اختيار مَن يحكم مصر، هذا الباب لم يُغلق، بل انفتح على مصراعيه منذ العام الماضي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، ومن ثم، فإن بعض دول الخليج سيكون لها على الأرجح صوت حاسم في تقرير مصير السيسي ومَن سيخلفه".
ونوّه حسن إلى أن مصر مقبلة على مرحلة ستتفاقم فيها تأثيرات الكارثة الاقتصادية، بما قد يضطر السيسي لاتخاذ إجراءات اقتصادية أشد قسوة، لا يمكن لأغلبية المصريين تحمل تبعاتها، فضلا عن قرارات سياسية يصعب على المعارضة -وربما بعض شخصيات داخل الحكم- ابتلاعها، واستشهد هنا بقناة السويس على سبيل المثال.
عمرو موسى
وأمس، كشفت تقارير إعلامية عديدة، عن احتمال ترشح وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، الذي يحظي بخبرات سياسية واسعة، وعلاقات قوية مع الغرب ومع دول الخليج، ونقل مقربون منه أنه لم يؤكد تلك الأنباء أو ينفيها وإنه في مجال التفكير والدراسة.
ويعد عمرو موسى منافسا حقيقيا للسيسي في حال قرر المشاركة، وإن السيسي لن يستطيع التلاعب بالنتائج، خاصة في ظل رغبة خليجية متصاعدة للتخلص من السيسي والإتيان ببديل مدني مقرب من الجميع، من العسكر والغرب والخليج، ويحظى بقبول شعبي.
ومن حانب آخر ، يفكر السيسي في ظل انغلاق فرص المناورة للخروج من الأزمة الاقتصادية الكبيرة، الزج بشخصية مدنية تتحمل التبعات، وهو ما قد يكون أحد خيارات العسكر التي تدرس، للابتعاد بنفسها ومؤسساتها واستثماراتها عن مواجهة مغبة سياساتها التي أغضبت عموم المصريين، ووضعتهم على حافة الانفجار.
وقد أكد حسن بأن مصر
قد لا تستطيع الوصول لمحطة الانتخابات الرئاسية، فهناك عدة أسباب محتملة لذلك؛ مثل تفاقم سخط المصريين وخروجه عن دائرة السيطرة بسبب العجز المتزايد عن تأمين الحد الأدنى من احتياجات المعيشة اليومية، أو عجز الدولة عن سداد الديون المستحقة قبل نهاية عام 2023، أو عدم التوصل لاتفاق مع كبار الدائنين على إسقاط جزء من الديون أو إعادة جدولتها، أو تصاعد التوتر داخل دوائر الحكم بسبب ضغوط الكارثة الاقتصادية، والتبادل أو التقاذف المحتمل للاتهامات بالمسؤولية عنها، بالطبع، لا يتوقع أي محلل حصيف أن تكون المؤسسة العسكرية بمنأى عن هذا التوتر، بل ربما صارت في قلبه.
ومن خلال قراءة الواقع، يتوقع حسن أن المجتمع المالي الدولي (هذا يشمل كبرى دول الخليج العربي أيضا)، يتجه للتعامل مع الأزمة الحالية باعتبار أنها أكبر وأعمق من أن يستطيع تفكيكها، طالما أن المسؤولين عنها وعن تفاقمها لا يتخذون خطوات جادة لتذليلها قبل وبعد الاتفاق مع الصندوق، بما في ذلك الوفاء بما سبق أن وضعوا توقيعهم عليه.
بالطبع هذا لا يعني قرارا بإغراق مصر؛ فالمسؤولية تقع على مَن اتخذوا قرارات لا تخضع لأي رقابة شعبية بإغراق مصر بديون جرى إنفاقها في مشاريع يفتخر رئيس الدولة علنا بأن جدواها لم تُدرس، بينما يلقي القبض على كل مَن ينتقد إدارة الحكم وأسلوب اتخاذ القرار في البلاد.
وبالطبع، هذا لا يستبعد الوصول لاتفاق خلف أبواب مغلقة بتأجيل أو إسقاط بعض الديون (مثال إسقاط ألمانيا مؤخرا لدين محدود: 54 مليون يورو، وطلب من السيسي تخصيصه لتحسين المناخ في مصر) لكن هذا سيكون مجرد ترحيل مؤقت للكارثة، ما لم يحدث تحول جوهري في فلسفة الحكم في مصر، وطريقة اتخاذ كبرى القرارات السياسية والاقتصادية والمالية الكبرى، ليسير على النحو الذي تُدار به الدول التي تستحق توصيفها كـدول، هذا هو جوهر المسؤولية التاريخية والأخلاقية التي تقع على عاتق عقلاء النخبة الحاكمة والمثقفة والمعارضة السياسية في هذا المنعطف المصيري.
اعتقالات أغسطس
ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في مصر، والمرجح أن تبدأ إجراءاتها في فبراير المقبل، شهدت العديد من المحافظات حملات اعتقال مكثفة، خصوصا في السويس والشرقية والقليوبية والجيزة، استهدفت قواعد لجماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها وأنصار الرئيس الراحل محمد مرسي.
وألقى فرع الأمن الوطني بالسويس القبض على 21 من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، وتمت إحالتهم إلى نيابة أمن الدولة العليا، وصدرت قرارات بحبسهم فورا، كما أحال فرع الأمن الوطني بمدينة قليوب إلى نيابة القناطر الخيرية الجزئية 7 ممن زعم انضمامهم لجماعة الإخوان،
كما شملت الاعتقالات أيضا محافظة الشرقية، حيث ألقت قوات الأمن القبض على عشرات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مراكز الزقازيق، وأبو حماد، ومشتول السوق، ومنيا القمح، وأبو كبير، وكفر صقر، حيث جرت إحالتهم بعد إخفاء قسري امتد لعدة أيام، إلى النيابة، التي قررت حبسهم على ذمة القضايا المتهمين فيها، والتي تمحورت حول الانضمام لجماعة إرهابية.
التحقيقات ركزت على موقف كوادر وقواعد الإخوان من الانتخابات الرئاسية، وإمكانية دعم الإخوان لأي مرشح في مواجهة السيسي، سواء كان مرشحا له خلفية عسكرية، أو المرشح الأبرز حتى الآن في مواجهة السيسي، وهو البرلماني السابق أحمد طنطاوي.
وبحسب مصادر قانونية، فإن هذه الاعتقالات تأتي في إطار سياسات الأمن الوقائي التي تتبناها الأجهزة الأمنية خلال المرحلة المقبلة، والتي تأتي عقابا لجماعة الإخوان المسلمين على جهودها المكثفة في الخارج لتدويل الاستحقاق الانتخابي، وتصاعد مطالبة المنظمات الحقوقية بفرض عقوبات على النظام المصري احتجاجا على تردي سجله في مجال حقوق الإنسان.
وقد طاولت حملة الاعتقالات والإحالة إلى النيابة شخصيات متقدمة في العمر، أغلقت ملفاتها منذ أكثر من 20 عاما، ولم تجر أي ملاحقات لها منذ سقوط حكم مرسي، بشكل يرجح معه استمرار التصعيد الممنهج ضد كوادر جماعة الإخوان، بعد أن كانت هذه الحملات قد تراجعت بشكل ملموس خلال الأعوام القليلة الماضية.
ووفق سياسيين، فإن حملات الاعتقالات تستهدف قطع الطريق على أي دور لجماعة الإخوان وقواعدها خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، بجانب استخدامهم كفزاعة لدول الخليج، بعد أن رفضت مد يد المساعدة والدعم عن نظام السيسي.