رغم تهديداته المستمرة باستخدام القوة الغاشمة ونشر الجيش في عموم مصر لهدم أي مخالفات بناء على الأراضي الزراعية، تزيد سياسات السيسي الغاشمة من معاناة الأرض الزراعية بمصر، وتهدد بتقلص مساحتها ونقص آلاف الأفدنة بشكل متدرج.
منع الغاز عن مصانع الأسمدة
تهدد قرارات السيسي بتعطيش السوق من الأسمدة عبر تقليل كميات الغاز الطبيعي والطاقة التي تحتاجها المصانع وشركات الأسمدة والصناعات الزراعية، ما يتسبب في وقف خطوط الإنتاج التي تمد السوق المصري بحاجياته من الأسمدة والمنتجات الزراعية المختلفة، وهو ما انعكس خلال الأيام الأخيرة برفع جنوني لأسعار سماد اليوريا بقيمة 15 ألف جنيه للطن، ما يهدد بشلل واسع عملية الزراعة، في وقت تحتاج مصر لسد حاجيتها من القمح والأغذية، إذ تعتمد مصر في غذائها على 95% من الاستيراد.
ويصف خبراء قرار السيسي بتقليل كميات الغاز الواردة لمصانع الأسمدة، بأنها جهل وسفاهة غير مسبوقة، تهدد الأمن الغذائي المصري، وسط انهيار مستويات خصوبة التربة للأراضي المصرية، التي تضربها أزمات التصحر ونقص المياه أيضا.
بينما يرى آخرون أن القرار وراءه كم كبير من الابتزاز، إذ إن أغلب مصانع الأسمدة تم بيعها ضمن خطط بيع أصول مصر، لشركات إماراتية وسعودية، ومن ثم فإن تقليل إمداداتها بالغاز والطاقة، ييستهدف ابتزاز دول الخليج للمسارعة في إمداد مصر بالدعم المالي والدولارات من أجل شراء غذائها.
إلا أن الخبراء يجمعون على أن المخاطر والانعكاسات الأكبر ستكون على المواطن المصري.
والكارثة أن يحدث هذا رغم ما تعانيه مصر من أزمة نقص سلع غذائية طاحنة، على وقع التضخم المتصاعد، والديون المتراكمة، ونقص الحبوب جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وتجلت تلك الأزمة في شح القمح شديد الأهمية عند المصريين، إضافة إلى مواد أخرى كالأرز والبذور وغيرها.
وكان يسمح الاتفاق لسفن الشحن بالمرور عبر البحر الأسود من موانئ أوديسا، وتشورنومورسك، ويوجني/بيفديني الأوكرانية، رغم ظروف الحرب المتواصلة بالمنطقة.
قرارات الاستيلاء على الأراضي الزراعية بالقوة
ومن جانب آخر تقع أراضي مصر، كما بقية المقار والمباني والشركات بل والأفراد الطبيعيين، تحت سطوة العسكري المستبد الغاشم، حيث قرارات المصادرة والتأميم والاستيلاء بدواعي مختلفة، وهو ما أدى لتدمير الرقعة الزراعية بمساحات هائلة من أخصب الأراضي، وضرب الأمن الغذائي لأكثر من مئة مليون مصري في مقتل.
فالمساحة الزراعية لمصر مشمولة في معظمها حول وادي ودلتا نهر النيل، ويعيش على تلك الأرض 85 % من الشعب المصري، بحسب تقرير النقابة العامة للزراعيين الصادر عام 2017.
ويعمل فيها 28% من القوى العاملة في الوجه البحري، وتوفر أكثر من 55% من فرص العمل في صعيد مصر.
وتمد هذه الأراضي الاقتصاد المصري بـ 12% من الناتج القومي، ونص دستور عام 2012 لأول مرة على أن تلتزم الدولة بـ"حماية الرقعة الزراعية وزيادتها.
ونصت المادة (29) من دستور عام 2014 بأن الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية.
فيما تم تعديل قانون الزراعة في 26 أكتوبر 2022، ليشدد عقوبة الاعتداء على الأرض الزراعية بصفتها من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة.
أرض مستباحة
ورغم تلك التشريعات، لم يلتزم السيسي بها مطلقا، وعمل عكسها؛ فالسيسي الذي اتهم المصريين بالاعتداء على الأرض والجهل بقيمتها، أصدر قرارا جمهوريا رقم 233 لسنة 2016 بتخصيص الأراضي بعمق 2 كيلومتر على جانبي 21 طريقا جديدا يتم إنشاؤها وإصلاحها، لوزارة الدفاع، على أن تعد مناطق إستراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها.
وفي 12 مارس 2018، خصص 31 ألف فدان زراعي لصالح هيئة المجتمعات العمرانية لبناء مدينة سفنكس الجديدة، تحت بند المنفعة العامة.
وفي 3 أكتوبر 2019، وسع المدينة لتشمل 59 ألفا و417 فدانا زراعيا.
ثم أصدر قرارا آخر في مطلع عام 2020، بتخصيص 76 ألفا و931 فدانا زراعيا لصالح هيئة المجتمعات العمرانية، بجوار مدينة السادات.
وفي نفس العام (2020) خصص 70 ألف فدان زراعي من الحزام الأخضر في محافظة الجيزة لصالح الجيش، لاستخدامها في الاستثمار العقاري وبناء مساكن عليها.
وعاد السيسي وأصدر في 20 مارس 2022، القانون رقم 15 لسنة 2022 والذي يقضي بجواز تخصيص جزء من الأراضي التابعة للهيئة العامة للإصلاح الزراعي، ومساحتها تزيد على 900 ألف فدان، لتنفيذ مشروعات أو لإقامة منشآت ذات نفع عام.
ونص القانون في مادته الأولى على أنه يجوز تخصيص جزء من الأراضي المستولى عليها بالمجان، كما يجوز إسقاط المديونيات المستحقة للهيئة العامة للإصلاح الزراعي على الجهات المخصصة لها الأراضي.
ووفق الخبير الزراعي عبد التواب بركات، فإن كثير من الطرق والكباري التي أنشئت على الأراضي الزراعية في الدلتا يمكن الاستغناء عنها برفع كفاءة الطرق القديمة، لكن السيسي لم يفعل.
فالهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة تسارع الزمن لإنشاء طرق جديدة، ويجتهد السيسي في افتتاح الكثير منها على فترات متقاربة.
وأوضح: "لقد اعترف صراحة بعدم ممانعته البناء على الأرض الزراعية بقوله: "أنا بقبل إني أبني، وحتى على أرض زراعية أيوة طبعا، لكن أنا أخططلك الأرض، وأبني لك حتى لو كانت على أرض زراعية".
وذكر بركات أن البناء على الأرض الزراعية أدى مع أسباب أخرى إلى تقويض الأمن الغذائي المصري، حيث أصبحت مصر الأولى عالميا في استيراد القمح، والثالثة في استيراد الذرة، وتستورد 95% من زيوت الطعام.
ووفق تقديرات اقتصادية، فقد بلغ مقدار ما تم استيراده في سنة 2020، من القمح 13 مليون طن، والذرة 10 ملايين طن، وفول الصويا 4 ملايين طن، والبذور الزيتية وزيوت الطعام 5 ملايين طن، بإجمالي 32 مليون طن.
وأدت تلك السياسة لتهديدات فعلية للأمن الغذائي لأكثر من 100 مواطن، ففي 20 يوليو 2023، حلت مصر في المركز السابع عالميا في تضخم أسعار الغذاء بعدما بلغ 60 %، بحسب تقرير البنك الدولي.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أصدر بيانه في مطلع يونيو 2023، عن معدلات تضخم الغذاء السنوي.
وذكر أن المعدلات العامة بلغت 64.9%، فيما ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 58.9%، واللحوم والدواجن 92.1 %، والأسماك والمأكولات البحرية 83.6 %، والألبان والجبن والبيض 67%.
مصيبة القمح
ويمثل ما يحدث مع القمح، الجريمة الأبرز، ففي 13 يوليو 2023 كشف تقرير الهيئة القومية المصرية لسلامة الغذاء عن تراجع كميات القمح الموردة للحكومة بـ 400 ألف طن عن عام 2022.
وأورد أن المساحة المزروعة من القمح تراجعت إلى 3.2 ملايين فدان، مقابل 3.65 ملايين في عام 2022، وهو ما أثر بالطبع على الإنتاجية الإجمالية للقمح.
وهو ما يهدد المصريين بمجاعة وأزمة غذاء غير مسبوقة، على وقع الغشم العسكري الذي لا يفهم في إدارة ملفات الزراعة والمياه والاقتصاد، خاصة وأن الأزمات الزراعية مرشحة للتفاقم في الفترة المقبلة، على وقع أزمة سد النهضة والذي يحرم مصر من أكثر من 34 مليار متر مكعب سنويا.