بعدما كثر القتل على يد الضباط.. لماذا لا يحاكم السيسي على هذه الجرائم؟

- ‎فيتقارير

مع تعدد جرائم القتل على يد ضباط الجيش والشرطة، فإن المتهم الأول في كل هذه الجرائم هو الجنرال عبدالفتاح السيسي أولا  ثم التربية العنصرية التي يتلقاها الضباط في الكلية الحربية أو كلية الشرطة ثانيا؛ حيث يتم تلقين هؤلاء الضباط  وحشوهم بمفاهيم عنصرية تعلي نزعة الاستعلاء والاستكبار في نفوسهم باعتبارهم أسياد هذه البلد وباقي الشعب هم مجرد خدم وعبيد. هي إذن تربية فرعونية كما أوردها الله في قرآنه { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)}. إنه العلو والاستكبار في الأرض، ثم النظرة العنصرية التي تزدري الآخرين وتحتقرهم، ثم النتيجة الحتمية المبنية على هذه العنصرية المتجذرة وهي استغلال الاستضعاف والذبح وكلها صور تؤكد عمق ما تنطوي عليهم نفوسهم من ظلم وفساد وطغيان.

ولا ينسى المصريون التسريب الخطير  الذي بثته شبكة رصد في 3 أكتوبر 2013م؛  حين كان الجنرال السيسي يخاطب مجموعة من ضباط الجيش والشرطة؛ فقال بكل وضوح إن الضابط الذي يضرب بالغاز والخرطوش والقنابل لن يحاكم مطلقا إذا ترتب على ذلك قتل أحد أو فقء عينه أو تعرضه لأي إصابة. وشدد السيسي خلال التسريب: «حد يموت أو حد يحصلوا حاجة في عنيه.. يتحاكم الضابط أحمد؛ لأ. مش حيحصل خلاص. وأنا عايز أقولك أن المتظاهرين قد أدركوا ذلك».

وفي 11 يوليو الماضي 2023، حين قتل ضابط شرطة المواطن فرحات المحفوظي بثلاث رصاصات أمام شركته في مدينة سيدي براني بمحافظة مرسى مطروح، وثار الأهالي على هذه الجريمة  التي جرى تصويرها وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.  بعد 4 أيام من الحادثة، أخلت النيابة العامة في محافظة مطروح سبيل ضابط الشرطة المتهم بقتل المحفوظي رميا بالرصاص، بعدما كيفت القضية على أنها شجار أفضى إلى الموت لتخفيف عقوبة الضابط.

ومع كل الجرائم التي ارتكبها نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي لم يحاكم ضابط واحد محاكمة عادلة  قضت عليه بالعقوبة المستحقة؛ ومعلوم أن تلفيق التهم وفبركة البيانات والكذب على الرأي العام هو سلوك متجذر في مؤسسات الحكم في مصر منذ عقود طويلة؛ والغالبية الساحقة من الشعب باتت لا تحتاج إلى برهان على ذلك من كثرة ما لمسوا هذا السلوك وعاينوه في آلاف المواقف والمشاهد اليومية على مدار  السنوات الماضية؛ لكن هذا السلوك أمسى أكثر  سفورا وفجورا في سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م  الذي أسس لمرحلة جديدة من العنف والبطش والإرهاب؛ فكل شيء في مصر يمكن الحصول عليه بالقوة والعنف؛  والجنرال عبدالفتاح السيسي نفسه  قد اغتصب الحكم عيانا أمام جميع شعوب الأرض بانقلاب عسكري ضاربا عرض الحائط بالدستور والقانون والديمقراطية وإرادة الشعب الحرة.

وفي سبيل  تحقيق أطماعه في السلطة عرقل كل مبادرة قد تفضي إلى تسوية الأزمة سياسيا وسلميا ودبر المذبحة تلو الأخرى لعرقة التوصل إلى أي اتفاق؛ حتى أجهز على آلاف المصريين جملة واحدة في مذبحة رابعة والنهضة ومصطفى محمود؛ ليقطع كل أمل في حلحلة الأزمة بالطرق السلمية؛ وهو السلوك الذي فضحه الدكتور محمد البرادعي عندما استقال من منصبه كنائب للموقت عدلي منصور؛ احتجاجا على مذبحة رابعة والنهضة؛ مؤكدا أن استقالته لم تكن احتجاجا على هذه المذابح فقط بل لأن هناك حلولا سلمية كان قد  تم التوصل إليها فعليا لكن السيسي رفض كل هذه الحلول، وأصر على طريق الدماء.  واعترف البرادعي أنه تلقى تهديدات من جانب أجهزة الدولة المتمردة؛ فآثر الفرار من جحيم الطغاة الجدد بعدما شارك بجهد وافر في وأد التجربة الديمقراطية المصرية بعد ثورة  يناير 2011.

أتذكرون ضحايا سيارة الترحيلات في يوم الأحد  18 أغسطس 2013 عقب مذبحة رابعة؟ والتي راح ضحيتها نحو 39 معتقلا مصريا كانوا داخل سيارة الترحيلات بأبو زعبل،  يستغيثون ويصرخون لأن السادة الضباط تركوا السيارة تحت لفيح الشمس حتى تحولت إلى فرن بالمعنى الحقيقي يتلظى داخلها المعتقلون ألما وتعذيبا دون وجود مياه أو السماح لهم بدخول الحمامات فأغمي على بعضهم من شدة الألم وعندما تعالى صراخهم من شدة الألم والتعذيب كان الرد بضربهم بقنابل الغاز داخل السيارة المغلقة عليهم فماتوا خنقا وحرقا على أعين السادة ضباط الداخلية وهم يضحكون دون  اكتراث لآلام الضحايا الذين يتساقطون، وعندما حوكم هؤلاء الضباط المجرمون أفلت معظمهم من التهمة وقضي على بعضهم بأحكام مخففة رغم بشاعة الجرم وفظاعة الجريمة!

الخلاصة أن  نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي أو بمعنى أكثر دقة ووضوحا أن نظام حكم الجنرالات منذ يوليو 1952م، يسترخص دماء المصريين، ولا يبالي أو يكترث لحجم هذه الدماء البريئة المراقة حتى لو كانوا من بسطاء الناس الذين لم يعرف لهم معارضة تذكر للنظام الدموي؛ فبعد مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وظهور جثته  وعليه آثار تعذيب وحشي في صحاري مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة على مسافة من المبنى المركزي للأمن الوطني بالشيخ زايد في فبراير 2016، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الجانب الإيطالي؛ حاولت أجهزة السيسي إبعاد شبهة التورط في الجريمة عن نفسها، فارتكبت جريمة أخرى لغلق ملف جريمة ريجيني، فتم قتل 5 أبرياء كانوا يستقلون سيارة ميكروباص في طريقهم للعمل كنقاشين، ولمزيد من الحبكة وتستيف المشهد حتى يبدو كأن عصابة متخصصة في سرقة الأجانب هي من ارتكبت الجريمة، رتب الأمن الوطني مسرح الجريمة حتى تبدو على هذا النحو المضلل؛ فوضعوا بندقية آلية وعدة أعيرة كذخيرة  وعدة هواتف وصاعق  كهربي، لكن كل هذه الأشياء لا تربطهم مطلقا بقضية ريجيني ولا تعتبر في عرف أي تحقيق جاد أنهم ضالعون فيها؛ فكان لا بد من سد هذه الثغرة؛ فزعم بيان وزارة الداخلية الصادر في 25 مارس 2016 أن أحد أفراد العصابة احتفظ بأوراق ريجيني عند شقيقته؛ حيث عثر على جواز سفره وبعض أوراقه الثبوتية عند هذه الشقيقة التي اعترفت بذلك! وكانت هذه الثغرة تحديدا هي المدخل لنقض هذه الرواية المفبركة؛ فلماذا يحتفظ شخص محترف سرقة بدليل يدينه كل هذه الفترة؟ الأمر الذي برهن على أن أجهزة السيسي هي المتورطة في جريمة رجيني وتسعى بكل قوة للإفلات من هذه الجريمة وغلق هذا الملف بتحميل المسئولية على تشكيل عصابي اتضح أنه وهمي، وظهرت الادلة تباعا لتثبت أن عصابة الميكروباص أبرياء من تهمة ريجيني. وحتى اليوم لم يفتح أي تحقيق في قضية مقتل الضحايا الخمسة الذين قتلهم الأمن الوطني للتغطية على جريمة قتل ريجيني!

فلماذا يعمل النظام ووزارة الداخلية باستمرار على إفلات الضباط المتورطين في جرائم قتل وتعذيب من العقاب والمساءلة؟ ولماذا تمارس أجهزة النظام الكذب باستمرار من أجل حماية ضباطهم مهما ارتكبوا  أبشع الجرائم والتهم؟  ألا يعلمون أن أساس الملك هو العدل وأن أساس العدل أن يكون الناس سواسية أمام القانون دون محاباة أو تمييز؟  فلماذا تبقى العدالة في بلادنا عوراء على الدوام تنظر بعين الرضا إلى المقربين والمحاسيب وتسمح بإفلاتهم من العقاب مهما كانت جرائمهم عظيمة بينما تتشدد على آخرين وتقضي بأشد الأحكام بطشا وظلما حتى لو كانوا أبرياء مسالمين؟!