أبرمت هيئة السلع التموينية الأربعاء 9 أغسطس 2023م صفقة لشراء 235 ألف طن من القمح تصل خلال شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين من شركة «الظاهرة» الإماراتية، بسعر يصل إلى (279.69) دولار أمريكي للطن الواحد من القمح الروسي، بحسب بيانات المناقصة.
الملاحظة الأولى، على هذه الصفقة أن سعر طن القمح يزيد نحو 12 دولارًا للطن عن السعر الذي تعاقدت عليه الهيئة لشراء قمح روسي في مناقصة مماثلة عقدتها قبل أقل من أسبوع، وتراوح فيها سعر الطن بين 249 و250 دولارًا للطن تسليم على السفينة، بخلاف مصاريف الشحن التي لم تتجاوز 14 دولارًا للطن، بإجمالي 264 دولارًا للطن، وبهذا تكون الأسعار التي تعاقدت عليها الحكومة ارتفعت في خلال أيام بنحو 6%. أسهم في زيادة أسعار القمح عالميا المناوشات العسكرية البحرية بين روسيا وأوكرانيا، وهو الأمر ذاته الذي نقلته وكالة «رويترز» عن تاجر لم تسمه، والذي أوضح أن هناك قلقًا من أن يواجه الشحن البحري من روسيا اضطرابًا بعدما نفذت أوكرانيا هجومًا على ناقلة نفط روسية بداية الأسبوع، وكذلك بعد الهجمات الأوكرانية على قاعدة نوفوروسيسك الروسية في البحر الأسود، والتي تعد أيضًا ميناءً رئيسيًا لصادرات الحبوب الروسية إلى مصر.
الملاحظة الثانية، أن عروض المناقصة جاءت من أربع شركات فقط، مقارنة بـ13 شركة تقدمت لمناقصة الأسبوع الماضي، وهو الاختلاف الذي أرجعه مستورد الحبوب، هشام سليمان، إلى شروط مصر في الدفع في المناقصة الأخيرة؛ حيث طلبت سداد ثمن الشحنات عن طريق خطابات الاعتماد لمدة 180 يومًا وخطابات الاعتماد لمدة 270 يومًا، والتي نادرًا ما كانت تستخدم سابقًا. بينما تعاقدت هيئة السلع التموينية، الأسبوع الماضي، على استيراد 360 ألف طن قمح روسي وروماني، بتمويل من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة. وقال سليمان إن السعر سيستمر في الارتفاع، وستضطر الحكومة للقبول به نظرًا لتواضع ما جمعته من القمح المحلي ومحاولات تقييد الاستيراد، مضيفًا: «مصر ما معهاش فلوس تشترى أكتر من كده، بس قريب هتتزنق وتشترى 600 ألف طن لأن الكميات دى مش هتكفى». كان وزير التموين، علي المصيلحي، قد أعلن، يونيو الماضي(2023)، عن موافقة المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة على منح مصر تمويلًا بقيمة 700 مليون دولار لشراء واردات الحبوب، وذلك في إطار اتفاق تمويل يعود إلى عام 2018، تم تجديده العام الماضي لخمسة أعوام إضافية، مع تعديل حد الائتمان المتفق عليه من ثلاثة مليارات إلى ستة مليارات دولار، حسبما أفادت «سكاي نيوز».
الملاحظة الثالثة، يتفق معظم الخبراء والمهتمين بأن هذه الأوضاع سوف تجبر حكومة الجنرال عبدالفتاح السيسي، على تحمل الزيادة في الأسعار لتأكيد تعاقداتها أو لتأجيل دفع مقابلها، بينما تأتي تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، لموقع «القاهرة 24»، الثلاثاء 8 أغسطس 2023م بأن مصر «لا يوجد بها أزمة دولار»، خارج السياق ومحاولة إنكار للأزمة. الدليل على ذلك أن تصريحات المصيلحي ـ حسب موقع "مدى مصر" ــ تأتي بعد أسابيع من خطاب أرسله مدير إدارة التعاون الدولي وتنمية الصادرات الروسي إلى رئيس مجلس إدارة اتحاد مصدري الحبوب بوزارة الزراعة الروسية، أوضح فيه أن إجمالي الديون المصرية للجانب الروسي وصل إلى 320 مليون دولار، منها أكثر من 167 مليون دولار على هيئة السلع التموينية، فيما بلغت ديون القطاع الخاص 152 مليون دولار، بينها نحو 34 مليون دولار لصالح شركة «سايلو فوودز» التابعة لجهاز الخدمة الوطنية.
الملاحظة الرابعة، تتزامن اتفاقات «التموين» مع ضغوط تواجهها مصر في توفير الحبوب اللازمة لها، بعد ارتفاع أسعار القمح عالميًا بنحو 13% نتيجة انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، يوليو الماضي، فضلًا عن انخفاض الكميات الموردة من القمح المحلي داخليًا. وحسب بيانات التوريد، جمعت الحكومة، حتى 3 أغسطس، ما يزيد قليلًا على 3.414 ملايين طن قمح محلي، من أصل أربعة ملايين طن تستهدفها، ما يعني أن الوزارة جمعت أقل من خمسة آلاف طن قمح منذ قرار إغلاق أغلب نقاط تجميع القمح، منتصف الشهر الماضي. ويتوقع تقرير شبكة المعلومات الزراعية العالمية الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، أن تزداد واردات مصر من القمح في عام 2023 و2024 بنسبة 3٪ لتصل إلى 10.8 ملايين طن.
الملاحظة الخامسة، أن مصر وصلت مرحلة التسول من أجل رغيف الخبز؛ وكان المصيلحي قد أعلن، في يوليو 2023، أن مصر تنوي توقيع اتفاقية تسهيل قرض متجدد بـ100 مليون دولار مع صندوق أبو ظبي للتنمية، لتمويل مشترياتها من الحبوب من شركة الظاهرة الإماراتية، فيما نقل موقع «بلومبرج» حينها عن الوزير أن مصر تجري محادثات مع الإمارات للحصول على تمويل من صندوق أبو ظبي للتنمية بقيمة 400 مليون دولار لمساعدتها في شراء القمح. و«الظاهرة» هي شركة إماراتية مملوكة للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية بأبو ظبي، وهي متخصصة في زراعة وانتاج الأعلاف وتوريدها إلى هيئة التحكم الإماراتية المسؤولة عن الأمن الغذائي للإمارات، وتستحوذ شركة الظاهرة في مصر على 116 ألف فدان موزعة بين توشكى وشرق العوينات والصالحية والنوبارية. وواجهت الشركة، في عام 2011، دعوى قضائية من المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية وذلك للحصول على حكم ببطلان العقد الخاص بمساحة 100 ألف فدان تملكها الشركة في توشكى باعتباره اهدارًا للمال العام وبيع للأراضي بغير ثمنها الحقيقي، حيث بيع الفدان بمبلغ 50 جنيهًا بينما بلغ متوسط سعره وقتها مبلغ 11 ألف جنيه، بحسب تقارير المركز، وأصدر مجلس الدولة وقتها فتوى ببطلان العقد، لكن لم تستكمل النيابة العامة التحقيق في القضية ليغلق الملف دون حكم.
الملاحظة السادسة، إلى جانب شح الدولار في الأسواق المصرية من جهة، والانسحاب الروسي من اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود منذ فجر الإثنين 17 يوليو 2023م، من جهة أخرى؛ هناك أسباب أخرى تؤدي إلى تفاقم أزمة الحبوب عالميا، منها تحول شحنات القمح الروسي إلى الصين، التي تعاني من مشكلات في محصول القمح في الموسم الجاري. والسبب الرابع هو تداعيات الحرب في السودان. فقد أدت ظروف الحرب إلى قيام عدد من السودانيين بشراء الدقيق من المطاحن المصرية وتصديره إلى السودان مباشرة، ما قد يقلص المخزون المحلي من القمح في ظل ندرة الاستيراد بسبب أزمة العملة، وقِلة القمح المحلي المورد إلى وزارة التموين. أحد المصدرين أوضح: «نعرف إن فيه استهلاك كبير للقمح لما بنلاقي سعر الردة انخفض، وسعر الردة انخفض ألف جنيه للطن خلال شهر»، فيما شهدت الشهور الأخيرة تزايد طلب موردين سودانيين على الدقيق المصري بعض النظر عن جودته في ظل ظروف الحرب.
الملاحظة السابعة، أزمة شح الدولار أجبرت حكومة السيسي بداية موسم الحصاد الحالي، لأول مرة على عرض سعر أعلى من السعر العالمي لتوريد القمح من الفلاحين؛ لكن المبادرة فشلت لأسباب أهمها نقص واردات خامات الأعلاف؛ ما دفع العديد من الفلاحين إلى الاحتفاظ بالقمح لاستخدامه كعلف للحيوانات، أو بيعه بمقابل أكبر إلى مصانع الأعلاف التي تعاني منذ أكثر من عام لتوفير خامات الأعلاف، في ظل أزمة الاستيراد. وتستهدف الحكومة هذا العام توريد ما بين 4 إلى 5 ملايين طن من القمح المحلى، بواقع 1500 جنيهًا للأردب كأعلى درجة نقاوة، وسعات تخزينية تصل إلى 5.5 ملايين طن، في حين تحتاج لرغيف الخبز المدعم نحو 10.5 ملايين طن. وسجلت واردات مصر من القمح خلال الـ11 شهرا الأولى من 2022 نحو 3.9 مليارات دولار، مقابل 3.1 مليارات خلال الفترة نفسها من عام 2021، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ثامنا، عادة ما تفشل الحكومة في توريد الكميات المطلوبة من القمح المحلي كل عام؛ ويعزو خبراء أسباب ذلك إلى أن السعر الذي تطرحه الحكومة غالبا ما يكون غير مجز، وليس محفزا، ولا يعادل سعر الأعلاف ولا الذرة الصفراء، ولا حتى النخالة التي تعد من مخلفات طحن القمح وتستخدم في تغذية المواشي". النتيجة المترتبة على ذلك هي تزايد وتيرة استيراد القمح الروسي لأنه الأرخص سعرًا، والذي ربما تتراجع جودته من حيث ارتفاع محتواه العالي من فطر الإرجوت والمحتوى الرطوبي، وهو ما يؤثر سلبًا ــ حسب مستشار وزير الزراعة الأسبق د عبدالتواب بركات ــ على جودة ومذاق وسلامة الخبز المصنوع". ويضيف أنه في ظل شح موارد الدولار، قد تلجأ الحكومة إلى رفع سعر الخبز التمويني مع حذف المزيد من المستفيدين حال ضمان عدم حدوث احتجاجات شعبية".
وفي أغسطس 2020م، قرر وزيري التموين بحكومة الانقلاب علي المصيلحي خفض وزن الرغيف من 110 جرامات إلى 90 جراماً، ليجبر المخابز على إنتاج 1450 رغيفا من كل جوال (شوال) وزن 100 كيلوجرام، بدلا من 1250 رغيفاً. ويبلغ عدد المخابز البلدية، التي تعمل تحت إشراف كامل من الوزارة، نحو 30 ألف مخبز، تنتج ما بين 250 مليوناً و270 مليون رغيف يومياً. وتوزع الإنتاج على 23 مليون بطاقة خبز مدعم، لصالح 72 مليون فرد. أما سعر الخبز الحر فقد رفعت المخابز البلدية في مصر، أسعار الخبز الحر (السياحي) إلى جنيهين للرغيف زنة 80 جراماً، و1.50 جنيه للرغيف زنة 60 جراماً، و1.25 جنيه للرغيف زنة 40 جراماً، بدلاً من 1.50 جنيه و1.25 جنيه على الترتيب. وسبق قرار المخابز البلدية رفع سعر بيع الخبز الحر، أي خارج بطاقات التموين الرسمية، تقليص حجم الرغيف ووزنه بنسبة تصل إلى 40 بالمائة.