قراءة هامشية على تقرير لجنة تقصي فض رابعة  الحكومية

- ‎فيتقارير

نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يوم الإثنين 14 أغسطس 2023م، بيانا تحت عنوان: «طمس الحقائق من الأوراق الرسمية لعملية فض اعتصام رابعة»، كشفت فيه عن محتوى تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المؤقت  عدلي منصور في 21 ديسمبر2013م؛ بدعوى جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الأحداث التي واكبت أحداث الانقلاب العسكري بداية من 30 يونيو 2013م ثم بيان الانقلاب في 3 يوليو ما تلا ذلك من مذابح وحشية جماعية نفذتها مليشيات الدولة العميقة بالجيش والشرطة.

اللجنة تشكلت من عدد من القضاة لكنها لجنة حكومية في المقام الأول؛ لأن تشكيلها جرى بقرار من السلطة التنفيذية؛ وبالتالي فإن إلحاق كلمة "المستقلة" في تسمية اللجنة لا يغير هذه الحقيقة، ولا يمنح هذه اللجنة الحكومية صفة الاستقلال لمجرد إلحاق هذه الكلمة بها؛ وبالتالي فإنها لجنة حكومية ممثلة بشكل مباشر لتوجهات السلطة التي عينتها والتي تمنحها المكافآت السخية جراء القيام بهذه المهمة التي استهدف بها النظام تبرير جرائمه الوحشية وانتهاكاته الرهيبة والتغطية على الحقائق المرة وطمس الأدلة التي تدين قيادات الانقلاب العسكري من الجنرالات واللواءات. ويكفي للتدليل على ذلك أن المستشار عمر مروان، الأمين العام لهذه اللجنة، كوفئ لاحقا بتعيينه أمينا عاما  للجنة انتخابات البرلمان في 2015، ثم كوفئ لاحقا بعدة مناصب منها وزير شئون مجلسي النواب والشيوخ، حتى كوفئ أخيرا بتعيينه وزيرا للعدل في حكومة مصطفى مدبولي الحالية. وقد كان مسئولا عن الدفاع عن انتهاكات وجرائم  النظام في ملف حقوق الإنسان أمام المحافل الدولية والأمم المتحدة.

المنطلق الذي بدأت به اللجنة عملها يعتمد على الحكم المسبق بأن عشرات الآلاف المعتصمين في ميدان رابعة والنهضة هم مجرد خارجين على القانون؛ ولا أدرى  على أي معيار استندت اللجنة في حكمها المسبق هذا من الناحية الدستورية القانونية؛ ذلك أن المعتصمين كانوا يدافعون الدستور الذي أقره الشعب قبل ستة أشهر فقط بنسبة 63.8%، وكانوا يدافعون عن الرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة قبل سنة واحدة  فقط بنسبة 51.5% من أصوات الناخبين في أنزه انتخابات شهدتها مصر على الإطلاق طول تاريخها كله؛  وبالتالي فالدفاع  عن الدستور والقانون لا يمثل جريمة على الإطلاق ولا يعتبر تمردا على الدولة؛ بل العكس هو الصحيح؛ فحين قرر السيسي أن ينقلب على الرئيس المنتخب  فإنه بذلك يتمرد على الدستور والقانون، وحين قرر عزل الرئيس فإنه لا يملك أي صفة قانونية أو صلاحيات دستورية أو قانونية تؤهله لذلك؛ ولا يوجد في العالم كله من يقرر مثل هذا الإجراء بأن يقوم الأدنى (وزير الدفاع) بعزل الأعلى (رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة الشعب الحرة)، وإذا جرى ذلك فإنه في عرف الدستور والقانون والعالم كله  (انقلاب عسكري وتمرد على السلطة الشرعية المنتخبة). معنى ذلك أن الذين تمردوا على الدولة وخرجوا على الدستور والقانون هم قيادات الجيش والشرطة الذين دبروا الانقلاب وارتكبوا بعد ذلك أبشع الجرائم الوحشية، وعلى رأسها مذبحة رابعة.

وردت بعض العبارات في التقرير دفعتي إلى الضحك من الأسى؛ منها عبارة (قوات إنفاذ القانون)؛ حيث اعتبرت اللجنة أن قوات الجيش والشرطة التي فضت الاعتصام بكل هذه الخسة والوحشية هي قوات لإنفاذ القانون؛ فهل هذا توصيف دقيق فعلا؟ وهم كانوا فعلا قوات لإنفاذ القانون؟! كيف ذلك وقد انقلب السيسي وقادة الجيش والشرطة على الدستور والقانون نفسه؟ كيف ذلك وقد تمرد الجيش والشرطة على الدستور والقانون وتم تجميد العمل بالدستور؟ فمن أين كان يستمد السيسي شرعيته حين انقلب على الرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة؟ غاب عن اللجنة أن وزير الدفاع وقيادات الجيش والشرطة كلهم يستمدون شرعيتهم  من الدستور الذي ينص صراحة على حماية منصب رئيس الجمهورية من أي تمرد أو عصيان، فحين قرر السيسي الانقلاب على الرئيس فإنه بذلك يفقد شرعية منصبه مباشرة؛ ولم تعد له شرعية لا هو ولا قيادات الجيش ولا الشرطة؛ وحينئذ فإنهم يصبحون مجرد مليشيات متمردة، ونجاح الانقلاب وتثبيت أركانه بعد ذلك لا يغير هذه الحقائق مطلقا؛ لأن الحق يبقى حقا حتى لو لم يجد القوة التي يحمي بها نفسه ويدافع بها عن وجوده. وانتصار الباطل لا يحوله مطلقا إلى حق فسيبقى الحق حقا والباطل باطلا.

تقرير اللجنة هو التقرير الرسمي الوحيد، ورغم ذلك فإن الحكومة حين قررت أن تكشف محتواه للناس تعمدت تجاهل خمس خلاصات جوهرية قد تمثل شيئا من إدانة مليشيات الانقلاب؛ وحسب بيان المبادرة المصرية فإن الملخص الذي ألقاه أمين اللجنة عمر مروان تجاهل التوصيات النهائية أو حرفها أو ناقضها. بمعنى أنه بالرغم من أن اللجنة حكومية ومنحازة ابتداء إلا أن هول الجريمة وبشاعتها أجبرت اللجنة على تضمين بعض الفقرات التي تمثل إدانة صريحة لمليشيات الانقلاب العسكري ما دفع  الحكومة إلى تجاهل هذه الحقائق عند نشرى محتوى التقرير الذي اكتفت منه الحكومة بنحو 7 صفحات فقط من أصل نحو 766 صفحة فضلًا عن 11 ألف صفحة ملحقة.

من الفقرات التي تجاهلها عمدا: «لا تشك لجنة تقصي الحقائق في أنه كان من الممكن إنهاء تجمع رابعة دون أن تسال كل هذه الدماء»، «استخدام قوات الأمن للذخيرة الحية بشكل عشوائي وغير متناسب»، «الممر الآمن لم يكن ممرًا ولا آمنًا»، إذ «الممر الآمن لم يكن مفتوحًا ولا آمنًا لخروج المعتصمين على مدار أغلب اليوم». من جهة أخرى تناولت التقرير  تجاهل  قادة الانقلاب للنداءات التي خرجت باقتراحات لفض الاعتصام وفق آليات سلمية مؤثرة منها قطع مرافق المياه والكهرباء عن مكان الاعتصام. و وجود كمائن أمنية عند مداخل الاعتصام  وعدم السماح لأحد بالدخول والسماح فقط لمن يريد الخروج. لكن السلطة الانقلابية الجديدة تجاهلت كل هذه الاقتراحات، لأنها كانت تنفذ مخططا إجراميا يستهدف الترويع بالصدمة عبر تنفيذ مذبحة و حشية للقضاء على روح ثورة يناير التي حررت الشعب من الخوف. وأريد بهذه المذبحة أن تكون مثلا لكل  الشعب بأن الجيش لن يتسامح مطلقا مع أي معارضة لحكمه القمعي وسلطانه الدموي.