في ظل أزمات الفشل الإداري الذي يعانيه نظام الانقلاب الفاشل في إدارة الدولة المصرية، والذي نجم عنه أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية غير خافية على أحد، والتي حذر منه خبراء العالم ومؤسساته المتخصصة، خرج السيسي بالأمس، محاولا استغفال المصريين بأحاديث معسولة عن الدولة، ومبشرا بزوال الغمة، دون تقديم خطط واضحة أو قرارات ناجزة.
فبعد شهرين من الاستجمام في منتجع العلمين الفاخر، المبني بأموال المصريين، ليتبرأ مما اقترفته يديه من تسبب في عجز مالي كبير إثر إهدار الاحتياطات النقدية المصرية في مشاريع وهمية، أكثرها بلا جدوى ولا فائدة منها، وكان يمكن تأجيلها لسنوات، كالعاصمة الإدارية وشبكات قطار سريع بصحاري مصر، ومحاور وطرق يجري إسنادها على الهواء مباشرة بلا دراسة متخصصة، وغيرها من الكوارث الاقتصادية، والتي حذر منها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمانحين الدوليين، والمعارضين لحك السيسي ورافضي الانقلاب العسكري بل وكثير من القيادات الأمنية والعسكرية من داخل نظام السيسي، إلا أن السيسي أصر مستكبرا على استكمال مشاريع كبرى لا جدوى منها في الوقت الحالي، على حساب توفير فرص عمل وإقامة مصانع وتشغيل المعطل منها وتشجيع التصدير والاستثمار في الإنسان المصري، والتركيز على الاستثمار في الحجر.
وبعد كل ذلك يتحدث السيسي -مبرئا نفسه- عن إن الأزمة التي تمر بها مصر ليس السبب فيها.
متناسيا أن كل دول العالم تأثرت بأزمتي كورونا والحرب الروسية، وخرجت منها واستعادت قواها الاقتصادية والإنتاجية وتقدمت، بينما مصر التي تعاني خللا ذاتيا وإدارة فاشلة ما زالت تقبع في الحضيض وتنزل إلى القاع في كل شيء بلا توقف.
إنكار المسؤولية
وقال السيسي: "لسنا مسؤولين عن أزمتي جائحة كورونا والحرب الروسية، لكننا تأثرنا بهما بشكل كبير".
وزعم السيسي : "لم نتخذ أي قرار من شأنه توريط الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، أو أي إجراء يتصف بعدم الرشد" متجاهلا أنه هو نفسه من اعترف أن مشروع التفريعة الثالثة لقناة السويس، التي ابتلعتت كثر من 100 مليار جنيه وأهلكت الاحتياطي الدولاري بنصر باعتراف رئيس البنك المركزي السابق هشام رامز، كانت لرفع الروح المعنوية للمصريين وأنها لم تحقق المرجو منه.
وتناسى السيسي أنه اعترف بفشل مشروع زراعة المليون ونصف مليون فدان التي تعهد بها وأنفق عليه المليارات، وكذا هو من اعترف بأن مشروع مدينة الأثاث بدمياط كان فاشلا وليحقق الهدف منه وأنه قام على غير دراسة علمية ودراسات اقتصادية واجتماعية، وكذا مشروع البتلو والاكتفاء الذاتي من اللحوم ، وكل ذلك وغيرها ذهب بمليارات مصر أدراج الرياح.
وأضاف السيسي، في لقاء مع أهالي محافظة مطروح الأربعاء، أن "الدولة تعمل بكل ما أوتيت من قدرة على التقليل من تأثير الأزمة الاقتصادية، التي تولدت نتيجة الحرب الروسية، وقبلها أزمة كورونا، وذلك عبر برامج يجري تنفيذها تستهدف في المقام الأول المواطنين الذين يعانون من ظروف صعبة".
وهو ما يتصادم مع حل قرارات السيسي، بفرض مزيد من الضرائب والرسوم على كل شيء، ورفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز، والمواصلات، وزيادة مصاريف المدارس والجامعات والكتب الدراسية والسلع والخدمات ، حتى أسعار السلع التموينية ورفع أسعارها، وتحول كل المصريين إلى دائرة المعاناة والفقر والشكوى من الغلاء، بينما ينعم السيسي وزمرته في خيرات مصر.
وتابع: "الظرف الاقتصادي الذي تشهده مصر يمثل تحديا لها، ونحن مصرون على مواجهته، وأعلم بتأثر الكثير من ظاهرة ارتفاع الأسعار، لكننا كمسؤولين في الدولة لا نبغي إلا الخير لكل الناس وبلدنا، وليس لدينا هدف آخر بخلاف ذلك"، على حد قوله.
معاناة اقتصادية
وهو ما يتصادم مع كل قراراته، التي تصيب المجتمع لمصري بالمعاناة الاقتصادية من كل الجهات ، مصرا على التوسع في إسناد المشاريع بالأمر المباشر للجيش، وهو ما يحرم ملايين المصريين من العمل ويحيلهم إلى البطالة والتسول، بل إن إعفاءات السيسي للجيش وشركاته والتي يستفيد منها لواءاته وقياداته العسكرية فقط، ولا تدخل موازنة الدولة، تتوالى يوميا ، سواء بتقنين حصول شركات الجيش على عمولة ارتفعت من 30% إلى 40%، أو استثناء شركات الجيش من قواعد المنافسة بين الشركات المدنية في الدولة والقطاع الخاص.
وأكمل السيسي: "الظرف الاقتصادي الصعب لا بد أن ينتهي، ليس لأنني موجود، لكن لأنها حكمة الله في الدنيا، أي أن الإنسان والمجتمع والعالم يواجه تحديات، وبالجهد والتخطيط والإرادة يتجاوزها، حتى يقابل تحديات أخرى، ويتغلب عليها".
وتناسى السيسي أنه يسجن الدعاة وحفظة القرآن الكريم، لمجرد أنهم يتمسكون بشرع الله أو يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بل إن ضباط السيسي لا يتورعون أن يسبوا الله بالباطل في الزنازين التي يعذبون فيها الآلاف الشباب الطاهر المستمسك بشرع الله ودين الله، مرددين أقوال الكفر، بأن الله لو جاء إليهم ليحبسونه "تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا".
بل إن السيسي نفسه الذي يتشدق بالإيمان وبالله، حارب مساجد الله ومنع أن يرفع فيها الآذان وشعائر الله، بزعم الإرهاب، فهدم مئات المساجد وأزال المآذن ليقيم الطرق والمحاور المرورية، بل إن السيسي أحرق وثائق وزارة الأوقاف المصرية التي تنص على أوقاف لله في خدمة مساجد الله، ليلتهمها ويستولي عليها.
وأردف السيسي: "الدولة لا تستطيع مواجهة أي تحد بمفردها، لكنها تحتاج إلى الشعب، وفهم ووعي المصريين وتحملهم المسؤولية".
هذا الشعب الذي يستجلب رضاه السيسي اليوم، هو من حاربه السيسي وقصفه بالطائرات في سيناء وفي ميادين مصر وقراها، وهو من أفقره وخرج مغاضبا نابحا فيه "أنتو مين؟"في أوقات سابقة ، مقللا من رأيهم ومن رغباتهم في البناء والتطوير، بل هدم عليهم منازلهم واستولى على أراضيهم، وطرد مرضاهم من المستشفيات، بداعي أن "اللي عاوز الخدمة يدفع ثمنها"، وكذلك "هتدفع يعني هتدفع" وغيرها من العبارات المحفورة في أذهان الشعب، الذي يحاربه السيسي ليل نهار في رغيف الخبز وفي طعامه وشرابه.
وكاذبا قال السيسي: "الظروف الحالية لم تكن انعكاسا لأي إجراء يتسم بعدم الرشد من الدولة، ففي العشر سنوات الماضية كانت الحكومة حريصة على عدم المغامرة بالناس في أي شيء يكون له مردود غير جيد على البلاد، وما نعيشه من ظروف حالية يعتبر تحديا صعبا مثل مواجهة الإرهاب عقب أحداث 2011، وحالة عدم الاستقرار الذي انتهى بجهد ودماء المصريين”.
ولعل من أبرز المغامرات التي خاضها السيسي وتسببت في إفقار الشعب ومفاقمة الديون وفوائدها التي تبتلع أكثر من 114% من إجمالي الدخل القومي للبلاد، إنشاء مشروع الدلتا الجديد الذي فشل في صحراء مصر، ومشروع الصوب الزراعية الذي يستهدف أنفق 3 تريليون جنيه، وأيضا مشروع العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة وأبراج الساحل الشمالي وشبكات المونوريل في الصحراء، والطائرة ملكة السماء التي تتكلف نحو مليار دولار، والقصور الرئاسية والاستراحات الرئاسية التي تبلغ أكثر من 40، وأيضا النهر الأخضر في العاصمة الإدارية، والتفريط في مياه النيل والسماح لأثيوبيا بافتراس مياه النيل بتوقيعه على اتفاقية المبادئ في 2015، وكذا بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والتفريط في أكبر أصول الدولة الاقتصادية التي بُنيت عبر عقود من الزمن من أجل سداد ديونه، وغيرها الكثير التي دمرت الاقتصاد المصري.
انقطاع الكهرباء
وتطرق السيسي إلى أزمة انقطاع الكهرباء، بقوله: "كانت هناك أزمة تتعلق بتلك الطاقة، غير أنه جرى تجاوزها بفضل الله، وعندما مرت البلاد بارتفاع شديد في درجات الحرارة خلال الشهرين الماضيين اضطررنا إلى تخفيف الأحمال يوميا، لأن حجم الوقود المطلوب اللازم لتشغيل محطات الكهرباء ارتفع ثمنه عالميا، وبات عبئا على الدولة".
وهوما يتصادم تماما مع الرواية الحكومية، بأن مصر تريد تصدير الغاز لأوروبا من أجل الدولار، وهو ما استدعى توفير الطاقة والغاز لتصديرها، هو سبب القطع المبرمج للكهرباء وأنه مستمر وسيستمر حتى نهاية العام.
وذكر أن "أسعار بيع الكهرباء أو وقود السيارات للمواطنين تكون بالجنيه (العملة المحلية)، وليس بالدولار، في حين تشتري الدولة هذا الوقود من الخارج بالدولار، وبالتالي يجب مراعاة هذا الأمر، علما بأننا لا نخفي على المصريين شيئا".
وتعبر تلك الكلمات عن نوايا السيسي لبيع الوقود للمصريين وفق الأسعار العالمية، رغم أن دخولهم أقل من مستويات دخول دول لعالم مئات بل آلاف المرات، وهو ما يمثل إفقارا جديدا للمصريين، في ظل سياسات السيسي المتوحشة رأسماليا.
يشار إلى أن الموازنة العامة منذ 4 سنوات، لا تحتوي على أي دعم للطاقة والوقود، ويبلغ قيمة الدعم لها صفر.
يكذب ويتحرى الكذب
وعن مشكلة نقص مياه الشرب في مطروح، قال السيسي: "الدولة نفذت محطات مياه كافية للمدينة، والأزمة تتمثل في صعوبة تقديم الخدمات في بعض النجوع، لأن الأهالي ليسوا في كتل سكنية متجاورة".
وتعبر تلك الكلمات إجمالا عن هروب متعمد من السيسي من المسئولية عن أي أزمات واأة مشكلات ناجمة عن سياساته الفاشلة، التي يمهد لاستمرارها لعقود أخرى من الزمن، فيما يواجه المصريون الجوع والعطش والفقر والغلاء وانهيار الخدمات الصحية والاجتماعية.