بعد حكم محكمة استئناف القاهرة، الأحد 27 أغسطس 2023م، برئاسة المستشار محمد حسين عبد التواب، بقبول طلب رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، الذي طالب فيه بـ"رد الاعتبار" بعد مرور 6 سنوات على خروجه من السجن بعفو رئاسي، بعد إدانته بقضية مقتل المطربة سوزان تميم؛ فإن نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي بات له سجل متخم في العفو عن البلطجية وأرباب السوابق في الوقت الذي يعتقل فيه عشرات الآلاف من العلماء والدعاة إلى الله.
وحسب قانون الإجراءات الجنائية في مادته رقم 536 "يجوز رد الاعتبار إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة، ويصدر الحكم بذلك من محكمة الجنايات التابع لها محل إقامة المحكوم عليه، وذلك بناءً على طلبه، شرط أن تكون العقوبة قد نُفذت أو صدر عنها عفو، وأن يكون انقضى من تاريخ تنفيذ العقوبة أو صدور العفو مدة 6 سنوات إذا كانت جناية". وأضاف الطلب أنه يترتب على حكم "رد الاعتبار" محو الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة إلى المستقبل (المدان) وزوال كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية وحرمان الحقوق وسائر الآثار الجنائية (الترشح والتصويت في الانتخابات المختلفة) وغيرها، بحسب المادة الـ 552 من ذات القانون.
كانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت في عام 2010 بالسجن لمدة 15 عاماً على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، بدلاً من الإعدام (حكم أول درجة). كذلك قضت المحكمة بالمؤبد (25 عاماً) على محسن السكري، ضابط أمن الدولة السابق -خرج بعفو رئاسي أيضاً- والمتهم الأول في تنفيذ الجريمة في دبي عام 2008. وخرج هشام طلعت مصطفى بعفو رئاسي في عام 2017. وكانت النيابة العامة قد أحالت هشام طلعت مصطفى على المحاكمة بتهمة الاشتراك وتحريض الضابط السابق محسن السكري لقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم مقابل مليونَي دولار.
نخنوخ لغز الطرف الثالث
ومن أبرز الشخصيات المثيرة للجدل والتي تم العفو عنها ضمن هذه القوائم، سواء تلك التي تعدها أجهزة النظام أو لجنة العفو ، صبري نخنوخ، وهو أكبر بلطجي في مصر، يقود تشكيلات عصابية منظمة تمارس جميع أشكال البلطجة. تم القبض عليه في أغسطس 2012م داخل فيلته بمنطقة كينج مريوط بالإسكندرية، وكان بصحبته عدد كبير من الخارجين عن القانون، وبحوزتهم كمية من الأسلحة، وتمكنت القوات من السيطرة عليهم والقبض عليهم جميعا. وقضت محكمة الجنايات، في 9 مايو 2013 بمعاقبة "نخنوخ"، بالسجن المؤبد وتغريمه 10 آلاف جنيه عن تهم إحراز السلاح الآلي والأسلحة النارية، والسجن المشدد 3 سنوات وتغريمه 10 آلاف جنيه عن حيازة وتعاطي المخدرات، وبرأته من حيازته طبنجة ماركة "سميث". ورفضت محكمة النقض، في 3 نوفمبر 2014، الطعن المقدم منه على حكم محكمة الجنايات الصادر بمعاقبته بالسجن 28 عامًا في اتهامه "بحيازة أسلحة نارية دون ترخيص والبلطجة" وحيازة وتعاطي المخدرات، وبذلك بات حكم النقض نهائي وبات. لكن السيسي عفا عنه ضمن قائمة العفو التي ضمت نحو 330 سجينا في مايو 2018م، رغم أنه محكوم عليه حكما باتا بالمؤبد 28 سنة. ويمثل العفو عن القبطي نخنوخ برهانا على أنه كان جزءا من الطرف الثالث الذي ارتكب معظم الجرائم القذرة أثناء وبعد ثورة يناير 2011م تحت رعاية وإشراف الأجهزة الأمنية؛ ولذك كوفئ بالعفو عنه رغم سجله المتخم بالجرائم.
مثل العفو عن صبري نخنوخ برهانا على أنه كان جزءا من الطرف الثالث (الخفي) في مرحلة ثورة يناير وما تلاها من مذابح وفلتان أمني وجرائم سرقة ونهب وقطع طرق، وبالتالي تمت مكافأته على هذا الدور المشبوه رغم أنه يستحق الإعدام هو وكل من يرتبط به وبعصاباته المنشرة في البلاد. وكانت رسالة العفو عنه واضحة في رسالتها ودلالتها؛ فمن يقتل ويسرق ويرتكب أبشع الجرائم يمكن العفو عنه، أما من يعارض النظام ويرفض سياساته والاعتراف به بوصفه اغتصب السلطة بانقلاب عسكري فمثواه القتل أو الاعتقال حتى الموت.
وفي 27 يناير 2019م، أصدر السيسي عفواً عن نحو 7 آلاف سجين بمناسبة ثورة يناير 2011. ومن بين من شملهم العفو السجينة البريطانية، لورا بلامر، البالغة من العمر 34 عاما. والتي ألقي القبض عليها متلبسة بتهريب كميات كبيرة من أقراص ترامادول المخدرة، وحُكم عليها بالسجن مدة ثلاث سنوات في 26 ديسمبر 2017م.
فلسفة قوائم العفو
وقوائم العفو عن محبوسين (جنائيين على وجه التحديد) هي سنة يجري العمل بها في مصر منذ عقود، وتشرف عليها الأجهزة الأمنية من الألف إلى الياء، والهدف منها تعزيز نفوذ قيادات الأجهزة الأمنية والمخابراتية بما تتضمنه من مجاملات ومحسوبيات وتوزيع نفوذ على مختلف الأجهزة. وفي أعقاب انقلاب 03 يوليو 2013م، واعتقال عشرات الآلاف من الرافضين للانقلاب، تم اعتقال آلاف المعارضين بتهم الإرهاب وخرق حظر التظاهر، شرع السيسي في إصدار قوائم عفو بالتزامن مع الاحتفالات والمناسبات القومية والدينية مثل (ذكرى انتصار أكتوبر ـ عيد الشرطة ــ 23 يوليو ــ 30 يونيو ــ عيد الفطر ــ عيد الأضحى وغيرها). وقد عفا السيسي عن آلاف السجناء الجنائيين في سنوات الانقلاب الأولى من أجل إخلاء أماكن للمعتقلين السياسيين، وقد رصدت صحيفة "اليوم السابع" في تقرير لها سنة 2019م قوائم العفو التي أصدرها بأعداد المعفو عنهم. ومع تزايد أعداد المعتقلين من كل القوى السياسية الإسلامية والعلمانية في أعقاب التنازل عن تيران وصنافير في إبريل 2016م، احتاج السيسي إلى تخفيف الاحتقان مع القوى العلمانية بابتداع لجنة العفو عن السجناء كتوصية لأحد مؤتمرات الشباب لمنحه أهمية في ظل الانتقادات الموجهة لهذه المؤتمرات باعتبارها شكلية بلا جدوى حقيقية.