فوجئ المصريون بارتفاع كبير في أسعار الخضر الورقية، مثل البقدونس والكزبرة الخضراء والجرجير والفجل في الأسواق لأول مرة في التاريخ المصري، حيث قفز سعر حزمة البقدونس من جنيه واحد إلى خمسة جنيهات.
وحملوا نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي المسئولية عن ارتفاع أسعار كل السلع والمنتجات، لدرجة أن المواطنين لم يعد بإمكانهم شراء احتياجاتهم اليومية الضرورية .
من جانبهم أرجع الخبراء السبب الأساسي في ارتفاع أسعار الخضر الورقية وعدم توافرها في الأسواق، إلى أن الصيف ليس موسم زراعتها، حيث تتم زراعتها في فصل الشتاء.
وقالوا: إن "المتاح من الخضر الورقية في الأسواق الآن، هو نتيجة إقبال بعض المزارعين على المجازفة بزراعتها في فصل الصيف، بهدف تحقيق مكاسب وعرضها بسعر أعلى".
الموسم الصيفي
من جانبه قال الدكتور محمد عبد ربه مدير المعمل المركزي للمناخ الزراعي بمركز البحوث الزراعية: "يجب قبل الحديث عن ارتفاع أسعار البقدونس والخضر الورقية وانخفاض المعروض منها في الأسواق أن نعرف أن هناك نوعين من الزراعة ، داخل الموسم وخارج الموسم، والزراعة خارج الموسم أي في غير ميعادها، وهو ما يحدث مع الخضر الورقية، حيث إنها في الأساس زراعة شتوية، لكن يتم زراعتها في فصل الصيف وبذلك ينطبق عليها أنها تمت زراعتها خارج الموسم، مشيرا إلى أن المزروع منها في فصل الصيف تسببت موجة الحرارة في انخفاض إنتاجيته، وبالتالي نقص المعروض من الخضر الورقية وارتفاع أسعارها".
وأوضح عبدربه في تصريحات صحفية أن بعض المزارعين يستثمرون عدم قيام الكثيرين بزراعة الخضر الورقية في فصل الصيف وينتهزون الفرصة ويزرعونها في موسم لا يناسبها، ليحققوا مكاسب أكبر لأن السوق عرض وطلب خاصة عند تقديم محصول في غير موسمه.
وأشار إلى أن المجازفة بزراعة الخضر الورقية في غير موسمها وفي ظل المناخ الحار يعرض المزارعين لخسائر ، وفي نفس الوقت يصبح المحصول عبئا على المواطن يسبب نقص المعروض وارتفاع الأسعار .
وتوقع عبدربه، أن تنخفض أسعار البقدونس والخضر الورقية خلال شهر وتصبح في متناول الجميع؛ لأن ظروف الطقس سوف تتحسن بالنسبة لكثير من المحاصيل، مما يساعد على تحسن في النمو والإنتاجية وثبات الأسعار .
سعر الدولار
وأكد أن هناك سببا آخر لارتفاع أسعار الخضر الورقية، وهو زيادة سعر الدولار أمام الجنيه، بجانب ارتفاع درجات الحرارة وزراعة الخضر في غير موسمها، وهذا يجعل المزارع يعمل على زيادة إنفاقه على مستلزمات الزراعة التي ارتفعت أيضا؛ حيث تصل تكلفة الفدان الواحد لـ 20 ألف جنيه، مما يجعل الفلاح يسعى لتغطية تكلفة الزراعة وتحقيق مكسب .
وأشار عبدربه إلى أن زراعة الخضر الورقية في غير موسمها أصبح مجال بيزنس، لأنه في هذه الفترة يزرع على مساحة صغيرة تنتج كميات كبيرة يسهل بيعها، ولكن في نفس الوقت زراعة وحصاد الخضر الورقية تستخدم عمالة كبيرة جدا؛ حيث يتطلب تجميع الخضر الورقية وتقسيمها وربطها في حزم وجود 30 عاملا للفدان الواحد، مما يجعل هناك تكلفة على المزارع، بجانب ما يسببهاإرتفاع درجات الحرارة من خسائر لمزارعي المحاصيل الورقية.
البذور مستوردة
وطالب حاتم نجيب، نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية، بعودة الزراعة التعاقدية مشددا على ضرورة إيجاد سعر ضمان للبطاطس والطماطم والبصل مثل القمح، لأن وجود سعر ضمان من شأنه أن يُحدث طفرة في هذه السلع.
وقال نجيب في تصريحات صحفية: إن "مصر تستورد 80% من البذور الخاصة بالخضروات والفاكهة، وهو ما يستنزف العملة الصعبة، مطالبا بأن توفر المراكز البحثية البذور بنسبة 100%، لأن هذا يوفر الكثير من العملة الصعبة وكذلك مدخلات الإنتاج الزراعية، وبالتالي تأمين الغذاء المصري من الخضروات والفاكهة، دون تأثر بما يحدث في العالم".
وأشار إلى أن المزارع يعاني من الكثير من المشاكل، رغم أنه المكون الرئيسي في الاقتصاد سواء إنتاج الدواجن أو الأسماك أو اللحوم أو الخضروات والفاكهة.
وشدد «نجيب» على ضرورة دعم الفلاح للتحول من الرش بالغمر إلى الرش بالتنقيط خلال المرحلة المقبلة للحفاظ على كل نقطة مياه، وزيادة الرقابة على المبيدات والأسمدة التي تدخل مصر.
درجة الحرارة
وأكد الدكتور إيهاب عوض الله إبراهيم الخبير بمعهد بحوث البساتين، أن نقص المعروض من الخضر الورقية وارتفاع الأسعار يعود إلى ارتفاع درجة الحرارة؛ موضحا أن زراعتها تجود في المناخ الشتوي لذلك لا يقوم المزارعون بزراعتها بكثرة في غير موسمها؛ لأن المحاصيل الورقية تفقد كميات كبيرة منها عند زراعتها في غير موسمها، وبالتالي تحدث خسائر.
واعتبر إبراهيم في تصريحات صحفية أن زراعة المحاصيل الورقية في غير موسمها لتحقيق نسبة من المكاسب به نوع من المغامرة، لأن محصول الخضر الورقية من الممكن ألا يعطي العائد منه عند زراعته في غير موسمه.
وقال: إن "الجميع يقبل على تناول الخضر الورقية لما لها من فوائد لأنها غنية بالكلوروفيل الذي يعتبر مصدر فيتامين " أ" كما أنها مهمة جدا لعمليات الهضم، لأنها غنية بالألياف وتعالج الكثير من المشاكل الموجودة في الجهاز الهضمي، موضحا أن هذه الألياف مهمة في عملية الريجيم لأنها مادة تعمل على ملء المعدة".
وأشار إبراهيم إلى أن نسبة الدهون في محاصيل الخضر الورقية تكون منخفضة، وبالتالي تصبح قيمتها الغذائية مرتفعة، وفي حالة التوسع في زراعة الخضر الورقية هنا يحتاج المزارع معاملات زراعية مرتفعة؛ مما يؤدي إلى ارتفاع سعرها، وحتى إذا تمت زراعتها في الصوب المغطاة بهدف زيادة إنتاجيتها وانخفاض سعرها سيكون العائد منها غير مجزٍ؛ لأن زراعة المحاصيل الورقية في الصوب مكلفة ولا تعطي إنتاجا متكررا في نفس الموسم؛ لأنها محاصيل محدودة في مساحة تحتاج تكلفة مرتفعة مما يجعل تكلفتها غير اقتصادية .
وأوضح أنه لا يوجد حل إلا بزراعة الخضر الورقية في موسمها في فصل الشتاء، لأن الأزمة الحالية أزمة مؤقتة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ونتيجة عدم مناسبة الظروف الجوية للطقس للنمو الأمثل للمحاصيل الورقية، لافتا إلى أن الخضر الورقية تحتاج في زراعتها إلى درجة حرارة منخفضة حتى تعطي إنتاجية عالية.