ينظر كثير من الخبراء والمحللين إلى قرار وزير التموين والتجارة الخارجية بحكومة الانقلاب علي مصيلحي، بإلغاء حصة الأرز من بطاقات الدعم التمويني بعين الريبة؛ بوصفه خطوة جديدة نحو إلغاء الدعم العيني وتحويله إلى دعم نقدي؛ وهو ما يرتبط ارتباطا وثيقا بإملاءات صندوق النقد الدولي الرامية إلى تقليص مخصصات الدعم والاعتماد على الدعم النقدي فقط. فيما يرى آخرون أن الهدف هو تحقيق فوائض من الأرز من أجل تصدير نحو مليون طن أرز لتوفير الدولار في ظل الأزمة الطاحنة التي يمر بها نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي حاليا فيما يتعلق بالالتزامات الخاصة بأقساط وفوائد الديون.
وفوجئ المصريون بقرار وزير التموين السبت 26 أغسطس 2023م، رفع الأرز من بطاقات التموين، ضمن السلع التموينية المدعمة بسعر 12.5 جنيهاً للكيلوجرام، بحجة أنّ الـ 50 جنيهاً، ما يعادل 1.6 دولار، المقررة لدعم الفرد تتيح شراء زجاجة زيت بسعر 30 جنيهاً، وكيلوجرام سكر بسعر 12.6 جنيهاً، ومكرونة زنة 400 غرام بسعر 6.5 جنيهات، وأنه لن يتبقى للمواطن مخصصات مالية لدعم الأرز. فلماذا يفترض الوزير أن المواطن سيحصل على الزيت والسكر والمكرونة ولن يختار الأرز؟! هو إذا شيء من الإكراه بقرار فوقي له اعتبارات اقتصادية بحتة تتعلق بأزمة الدولار.
ويرى الدكتور عبدالتواب بركات، المستشار الأسبق في وزارة التموين بحكومة الدكتور هشام قنديل (2012 ـ2013) أنه لا يوجد مبرر اقتصادي أو سياسي لإلغاء سلعة الأرز من منظومة البطاقات التموينية، خاصة أنه منتج محلي غير مكلف ولا يتم استيراده بالدولار، بالإضافة إلى أهميته كسلعة شعبية تدعم الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي، وهو ما ينعكس بشكل عام على تحقيق مستهدفات الأمن القومي.
وحول التأثير العكسي لهذا القرار يتوقع بركات ـ في تصريحات صحفية ـ بأن «يؤدي ذلك إلى مزيد من الارتفاع بأسعار الأرز بالسوق المحلي»، نتيجة تزايد معدلات الطلب على السلعة في الأسواق وهو ما تستفيد منه مافيا الاحتكار الداخلي ومافيا الاستيراد من جهة أخرى. ويؤكد أن "حذف السلع من منظومة الدعم التمويني يؤدي لارتفاع أسعارها في الأسواق الحرة، بما يمثل ضغوطًا أخرى توضع على كاهل المواطنين، الذين يقع 60% منهم تحت خط الفقر".
إذعان لأجندة الصندوق
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يرى أن خروج الأرز من قائمة السلع المدعومة "له علاقة بتنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي من تحول الدعم العيني للسلع إلى دعم نقدي، متوقعا خروج السكر والزيت من تلك القائمة خلال الفترة المقبلة. ويعزو أسباب القرار إلى التفاوت الواسع بين السعر المدعوم والسعر الحر مع الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية خلال السنوات الماضية؛ ما ترتب عليه ارتفاع فاتورة الدعم. مستدلا على ذلك بأن سعر الأرز المدعوم في 2011م كان يقدر بـ1.50 جنيه للكيلو، في حين كان في السوق الحر يصل إلى 1.75 جنيه".
لكن عبدالمطلب يعزو السبب الأهم وراء قرار الحكومة بأن خروج الأرز من السلع التموينية المدعمة "يجنب الهيئة العامة للسلع التموينية، حال حدوث أزمة سلعية، فتح باب الاستيراد في ظل أزمة نقص السيولة الدولارية"، لافتًا إلى أن "عدم قيام الحكومة بعد ذلك بالدخول كمشترٍ للأرز من المزارعين سيعمل على استقرار الأسعار"، متجاهلا تزايد الطلب على الأرز بما يسهم في رفع الأسعار بناء على قاعدة "العرض والطلب".
التوجه نحو تصديره
يمكن النظر إلى أزمة الأرز من زاوية أخرى؛ فالنظام لن يتهرب فقط من المسئولية عن توفير الأرز من أجل توفير الدولار بتجميد صفقات الهيئة العامة للسلع التموينية حال حدوث أزمة في السلعة، بل ربما يتجه النظام إلى تحقيق فائض بإجبار الشعب على تقليل الاستهلاك من أجل تصدير الأرز لتوفير العملة الصعبة التي يعاني النظام من شحها كثيرا. وتوقعت شعبة الأرز باتحاد الصناعات المصرية وصول إنتاج الأرز الشعير إلى نحو 7.5 ملايين طن، وهو ما يعني إنتاج أكثر من 4.2 ملايين طن أرز أبيض، في حين تراجع الاستهلاك من 3.6 ملايين طن سنويًا إلى نحو 3.2 ملايين طن بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما قد يوفر فائضا فوق حاجة الاستهلاك المحلي بنحو المليون طن.
ويبدو أن النظام يريد استغلال أزمة الحبوب العالمية من أجل تصدير فوائض الأرز؛ لا سيما وأن الهند، أكبر منتج للأرز، وتمثل أكثر من 40% من صادرات الأرز العالمية فرضت قيودا على كل صادراتها من الأرز بمختلف أنواعه، وفرض حد أدنى لسعر تصدير شحنات الأرز البسمتي قدره 1200 دولار للطن، وفرض رسوم بنسبة 20% على صادرات الأرز المسلوق بأثر فوري، وهو ما أربك الأسواق العالمية، لما للهند من ثقل كبير، سواء في إنتاج الأرز وتصديره، أو إنتاج غيره من السلع الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح. فالهند، وصدرت الهند نحو 7.4 ملايين طن من الأرز المسلوق في عام 2022، كما بلغت صادراتها نحو 4 ملايين طن من الأرز البسمتي إلى بعض الدول، مثل إيران والعراق واليمن والسعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة، وغيرها. وأسفرت هذه التطورات السلبية وغيرها عن ارتفاع أسعار الأرز، لتصبح عند أعلى مستوى في 15 عاماً، مع زيادة السعر يوماً بعد آخر في سوق التصدير. وهناك توقعات بأن يبلغ الحد الأدنى من الزيادة حوالي 50 دولاراً للطن، وقد يصل إلى 100 دولار أو أكثر، وفق تجار حبوب، وهي تكلفة عالية بالنسبة لكبار مستوردي الأرز في المنطقة العربية.
ويعزو كثير من الخبراء والمحللين أسباب تصاعد أسعار السلع الغذائية في مصر بمعدلات جنونية رغم انخفاضها عالميا خلال الفترة الأخيرة في يوليو وأغسطس 2023م؛ إلى النهم الحكومي الشديد نحو زيادة الصادرات الزراعية من أجل توفير الدولار. الغلاء لم يتوقف عند حدود السلع المستوردة بالدولار بل تجاوز ذلك إلى اشتعال أسعار السلع المزروعة محليا؛ حيث شهدت أسعار البصل والثوم والبرتقال والمانجو والبطاطس والعنب والطماطم والبطاطا والفاصوليا والرمان والسكر والأجبان ارتفاعات قياسية، لم تعرفها البلاد من قبل. وقد واكبت رغبة محمومة من قبل بضع شركات احتكارية متخصصة في تصدير السلع الغذائية للأسواق الدولية، مستفيدة من ندرة العرض، وانخفاض قيمة الجنيه، وجودة إنتاجية عالية، لسلع تكاد تختفي من الأسواق المحلية.
وترتفع أسعار السلع الغذائية في مصر رغم انخفاضها عالميا بنحو(23.4%) وفق منظمة الغذاء العالمية (فاو) في بيانها الصادر الجمعة 7 يوليو 2023م؛ إذ انخفضت الزيوت بنسبة 54%، والحبوب بـ27%، ومنتجات الألبان بـ22%، واللحوم بـ6%، في حين ارتفع السكر بنسبة 25%، وفقًا لمؤشر الغذاء العالمي. وتستهدف حكومة الانقلاب زيادة الصادرات الزراعية لتصل إلى 5.7 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2023-2024، مقابل 5.4 مليارات دولار، العام الماضي، لتمثل 15% من قيمة الصادرات السلعية غير النفطية، «وفقاً لبيانات وزارة التخطيط. وحسب بيانات حديثة للبنك الدولي فإن على مصر سداد 55.2 مليار دولار بين ودائع وأقساط ديون، في الفترة من مارس 2023 إلى مارس 2024م».