تنحى السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، مساء أمس الأول ، عن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على خلفية اتهامات فيدرالية بالفساد ضده وزوجته نادين مينينديز، ورجل الأعمال المصري الأمريكي، وائل حنا، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية الإسلامية «ISEG» التي احتكرت إصدار شهادات توريد اللحوم الحلال الأمريكية لمصر، ورجلي أعمال آخرين خوسيه أوريبي، وفريد دعيبس، وكلاهما مقرب من حنا.
الادعاء العام الفيدرالي الأمريكي وجه للخمسة تهمتي «التآمر لارتكاب الرشوة» و«التآمر لارتكاب عمليات احتيال»، فيما وجه تهمة «التآمر لارتكاب عمليات ابتزاز باستخدام السلطة» لمينينديز وزوجته فقط، بحسب لائحة الاتهامات المكونة من 39 صفحة، والتي نشرها الادعاء الأمريكي أمس الأول.
أشارت لائحة الاتهام لخمسة مسؤولين مصريين لم تكشف عن هويتهم، مكتفية بالإشارة أحيانا للجهات التي انتمى إليها ثلاثة منهم تواصلوا مع مينينديز وزوجته مباشرة، أو عبر حنا لتقديم خدمات للحكومة المصرية، مقابل رشاوى نقدية وذهبية وأقساط تمويل عقاري وسيارة فاخرة.
وعلى الرغم من عدم صدور أي رد فعل من الجانب المصري، أو حتى تغطيته من قبل وسائل الإعلام المصرية، والتي تخضع لرقابة دقيقة، إلا أن الاتهامات تسببت في عاصفة سياسية في واشنطن دفعت مسؤولين أمريكيين بعضهم مقرب من مينينديز لمطالبته بالاستقالة، والذي أصبح أول سيناتور أمريكي يواجه اتهامات بالفساد مرتين، المرة الأولى كانت قبل أعوام قليلة، وانتهت محاكمته فيها إلى البطلان بعدما لم تتمكن هيئة المحلفين من الاتفاق على إدانته.
ذهب وأموال مصرية
وضمت لائحة الاتهام هذه المرة سجلا زمنيا للمقابلات والمراسلات التي جمعت مينينديز أو زوجته بمسؤولين مصريين لدعم النظام المصري في التعامل مع حجب المعونة الأمريكية لمصر، بسبب الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب دعم حنا في احتكار إصدار شهادات توريد اللحوم الحلال لمصر.
أشارت لائحة الاتهام كذلك إلى أنه في عام 2018 رتبت نادين سلسلة اجتماعات جمعت مينينديز بمسؤولين مصريين، تناولت الطلبات المتعلقة بالمبيعات العسكرية الأمريكية والتمويل العسكري الأمريكي وهي الاجتماعات التي انتهت بوعود من مينينديز بتسهيل تلك المبيعات وضمان التمويل العسكري لمصر، وفي مارس من العام نفسه التقى مينينديز بالمسؤول المصري الأول المذكور في لائحة الاتهام، كـمسؤول عسكري مصري، إلى جانب مسؤولين عسكريين مصريين آخرين لمناقشة مسائل التمويل العسكري الأمريكي لمصر.
كما كشف مينينديز لحنا، في مايو 2018، بحسب اللائحة، عن معلومات مفادها أن الولايات المتحدة رفعت الحظر عن مصر في ما يتعلق بالأسلحة الصغيرة والذخائر، وبندقيات القناصة إلى جانب أنواع أسلحة أخري، مشيرا لبداية مبيعات الأسلحة الأمريكية لمصر.
ولفتت اللائحة إلى رسالة أخرى طلب مينينديز من نادين أن ترسلها لحنا، يوليو 2018، تفيد بتوقيع مينينديز على بيع شحنة أسلحة لمصر تحتوي على 46 ألف قذيفة من عيار 120 ملم، وعشرة آلاف ذخيرة دبابات في صفقة قيمتها 99 مليون دولار، مضيفا ملاحظة بأن ذخائر الدبابات هي الذخائر التي تستخدمها الحكومة المصرية في سيناء ضمن حملة مكافحة الإرهاب، ليرسل حنا الرسالة للمسؤول المصري الأول، «المسؤول العسكري».
تضمنت لائحة الاتهام قسمًا خاصًا بتهم الفساد الموجهة إلى حنا ومينينديز وزوجته لحماية شركة حنا، التي احتكرت توريد اللحوم الحلال لمصر، ففي ربيع عام 2019، منحت الحكومة المصرية شركة حنا احتكارا حصريا لإصدار «شهادات الحلال» لمصر على الرغم من عدم امتلاك الشركة لأي خبرة سابقة في إصدار هذه الشهادات، ومكنت الشركة لاحقا حنا من دفع الرشاوى لمينينديز وزوجته، التي أرسلت رسالة لمينينديز في اليوم التالي للاحتكار: «يبدو أن الحلال قد مر، قد يكون عام 2019 رائعا على كافة الأصعدة».
في 21 مايو 2019، التقى مينينديز وزوجته وحنا بالمسؤول المصري الثالث بلائحة الاتهام والتي حددت أنه يعمل بالمخابرات، والذي أشارت إليه نادين في رسائلها بـ«الجنرال»، وهو اللقاء الذي تضمن مناقشة المجموعة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر التي أدت لحجب أجزاء من المعونة الأمريكية السنوية المقدمة لمصر، كما رتبت نادين في يونيو 2021 لقاء بأحد فنادق واشنطن العاصمة جمع بين مينينديز والمسؤول المصري الخامس في لائحة الاتهامات، والتي وصفته بمسؤول استخباراتي رفيع، وأرفقت صورة جمعتهم دون الكشف عن وجهه.
قدم مينينديز لمسؤول المخابرات الخامس نسخة من الأسئلة التي يعتزم أعضاء مجلس الشيوخ طرحها عليه فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان بمصر، دون أن تحدد لائحة الاتهامات هذه الأسئلة أو ما يُقصد بالملف الحقوقي المصري.
هدايا من جيوب المصريين
وعقب يومين من اللقاء بفندق العاصمة، اشترى حنا 22 سبيكة ذهب تزن أونصة واحدة لكل منها، عُثر على اثنين منهم لاحقًا أثناء تفتيش منزل الزوجين مينينديز، وبلغ سعرها وقتها حوالي 1800 دولار للأونصة الواحدة، كما حصل الزوجين على مئات الآلاف من الدولارات عبر الشيكات والنقود والسبائك الذهبية، والتي استردت الحكومة الأمريكية بعضها أثناء تفتيش مناطق سكنهما، واستمرت اللقاءات بين مينينديز وزوجته بالمسؤولين المصريين بحسب لائحة الاتهام حتى 2022.
وإلى جانب تلك الأموال الباهظة التي دفعت كرشاوى، غابت عن الصحافة والإعلام المصري متابعة مصير الذهب والدولارات المضبوطة بطائرة زامبيا، والتي جرى التكتم عليها نهائيا في إعلام المخابرات المصرية، لتضيع على المصريين مليارات الدولارات والذهب، الذي يخصم من رصيدهم ورصيد أجيالهم القادمة.
إلا أن المستفييد الأعظم من تلك الواقعة، هي السعودية، التي توسط سفيرها السابق في مصر ومسئول العلاقات الدبلوماسية السعودية مع أفريقيا أحمد قطان، للتكتم على شخصية المتهم السادس، والذي تردد عن كونه هو حسن السيسي، نجل السيسي، وقام بتسوية القضية بمنح زامبيا الأموال والطائرة، مقابل إسقاط الاتهامات عن المتهمين المصريين وإعادتهم لمصر بهدوء، مع تعويضات مالية أخرى قد تدفعها السعودية أو مصر لاحقا، سرا أو علانية.
إلا أن الثمن الأكبر كان للسعودية، التي كشفت عقب أيام من انتهاء أزمة الطائرة الزامبية عن خريطة جديدة للملكة لأول مرة تضم جزيرتي تيران وصنافير، وسط صمت مصري على كافة الأصعدة، وكانت السلطات المصرية تتحفظ على التسليم النهائي للجزيرتين، إلا باشتراطات معينة ، تتعلق بكاميرات المراقبة على الجزيرتين، ووضع القوات متعددة الجنسيات في سيناء ومساعدات مالية أمريكية، ولكن دون أن ينشر أي شيء في إعلام الوطنية للإعلام المسيطر عليها بمخابرات السيسي، جرى بلع لسان مصر.