في 5 سنوات وائل حنا من مهاجر فقير إلى عميل استخباراتي

- ‎فيأخبار

رصدت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، قصة صعود المتهم المصري وائل حنا من بداية متعثرة إلى صعود سريع، أوصلته نادين عشيقة السيناتور مينينديز ثم زوجته إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ ليغدق من جيب حكومة السيسي عليهما بالرشاوي.

حيث أبانت لائحة اتهام فيدرالية بحق الزوجين وحنا ورجلي أعمال آخرين، تتعلق بدفع رشاوي للسيناتور وزوجته.

وقالت الصحيفة الأمريكية: إن “المعلومات الجديدة عن “حنا” هي من واقع الوثائق القضائية منذ مجيئ وائل حنا للولايات المتحدة في 2006 وعمره 22 عاما، إلى الآن وهو يضع جهاز مراقبة ومصادرة جواز السفر الخاص به وهو في سن 40 عاما”.

بدايات متعثرة

وعن البدايات المتعثرة بالصفقات السيئة إلى احتكار اللحوم، فبعد هجرته من مصر إلى نيوجيرسي، واجه حنا سلسلة من المشاكل التجارية والقانونية، قبل التعرف على نادين.

وقالت نيويورك تايمز: إنه “قبل 5 سنوات فقط، أبرم حنا سلسلة من الصفقات التجارية السيئة في نيوجيرسي من دون أن يحقق نجاحا كبيرا”.

وأضافت أن نقلته كانت بمواعدة صديقته نادين، بوب مينينديز، في 2018، أحد أبرز المشرعين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، ومنها قدم حنا السيناتور الذي كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس إلى عدد كبير المسؤولين المصريين، ثم حدث منعطف كبير في حياة رجل الأعمال فقد حصل على حق حصري لاحتكار شهادات الحلال التي يتم توريدها إلى مصر.

وألمحت الصحيفة إلى أن مال لرشوة ليس خاصا به، حيث قال ممثلو الادعاء: إن “وائل حنا حصل على ما يكفي من المال لرشوة مينينديز بسبائك الذهب والمبالغ المالية الكبيرة”.

علاقة فاسدة

وأضافت أن نادين وحنا قدما مسؤولي المخابرات والجيش المصري إلى مينينديز، وهذا التعارف ساعد على تطور هذه العلاقة الفاسدة التي شملت دفع رشاوي إلى مينينديز ونادين مقابل عمل مينينديز لصالح مصر وحنا، وآخرين، وفق الاتهامات.

عاد ليدافع عن نفسه

وأوضحت أن السلطات قبضت على “حنا” في مطار “جون أف كينيدي الدولي”، في نيويورك، صباح الثلاثاء الماضي، بعد أن عاد طوعا إلى الولايات المتحدة من مصر، وقال محاميه إنه قدم ليدافع عن نفسه ضد الاتهامات.

وقال محامي حنا: إنه “غير مذنب أمام قاض فيدرالي في منطقة مانهاتن، وأمر القاضي بإطلاق سراحه بكفالة شخصية بقيمة 5 ملايين دولار وبشروط صارمة، من بينها تسليم جواز سفره وارتداء جهاز مراقبة “جي بي أس” وفق نيويورك تايمز”.

ونقلت الصحيفة عن متحدثة باسم حنا في بيان إنه بريء من جميع التهم وإنه تعاون مع المدعين الفيدراليين وسمح لهم بالوصول المطلق إلى الوثائق والتحدث مع موظفيه.

وأضافت أنه حجز طوعا رحلة طيران إلى نيويورك من مصر في غضون دقائق من علمه بلائحة الاتهام هذه، تاركا وراءه زوجته وبناته الثلاث.

وأضافت المتحدثة أنه “رجل أعمال قام ببناء العديد من الشركات، وكان يتصرف دائما بشكل أخلاقي وقانوني”.

ولكن الصحيفة أشارت إلى أن الاجتماعات، التي في 2018، بين مينينديز ومسؤولين مصريين أفرت عن ضغط المسؤولين على السيناتور للتوقيع على مساعدات عسكرية حجبتها واشنطن عن مصر بسبب مخاوف تتعلق بسجل البلاد في مجال حقوق الإنسان، وفي المقابل، وضع حنا زوجة مينينديز، نادين، على جدول رواتب الشركة التي يديرها، التي تتمتع بالحق الحصري في التصديق على اللحوم الحلال التي يتم شحنها من الولايات المتحدة إلى مصر، وأثبتت لائحة الاتهام أن مينينديز أساء استخدام سلطته لمصلحة مصر سرا.

عميل وانتهازي

ونبهت الصحيفة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أراد تحديد أكان حنا عميلا للحكومة المصرية طوال الوقت، أم مجرد انتهازي تعثر في موقع نفوذ دولي؟.

ملفات المحكمة والسجلات التجارية والمقابلات مع ما يقرب من 12 شخصا ممن يعرفون حنا أو تعاملوا معه وصل لنيويورك تايمز ما يمكنها من تأميد أنه في بضع سنوات فقط، تحول حنا من رجل أعمال مثقل بالديون ولا يستطيع حتى دفع فاتورة غرفة الطوارئ بقيمة 2000 دولار، إلى وسيط دولي يتفاخر بامتلاكه مجموعة من ساعات الرولكس.

فساد وتجسس

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أنه بالإضافة إلى التحقيق في قضية الفساد والرشوة، فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) تحقيقا يتعلق بالتجسس يخص السيناتور، وفقا لأربعة أشخاص مطلعين على الأمر، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

ولفتت الصحيفة إلى أن وائل حنا كان على رادار مسؤولي إنفاذ القانون ل4 سنوات على الأقل.

وأنه قبل 4 سنوات، نوفمبر 2019، داهم مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) منزله ومكتبه في نيوجيرسي  بموجب مذكرة تفتيش بشأن جرائم محتملة، من بينها العمل بشكل غير قانوني كعميل لحكومة أجنبية، وفقا لوثائق قضائية، وأنه لم توجه إليه اتهامات بهذه الجريمة.

وفي اتهام ثالث، وجهته لائحة الاتهام الفيدرالي قال ممثلو الادعاء: إنه “كان الوسيط مع مينينديز للإفراج عن المساعدات والأسلحة الأميركية إلى مصر”.

وفي تفنيد للاتهام الثاني بالتجسس أوضحت أن السيناتور أرسل معلومات حساسة عن موظفي السفارة الأميركية في القاهرة إلى زوجته، التي أرسلتها بدورها إلى حنا، وأرسلها هو إلى مسؤول حكومي مصري.

مسجل قضائيا

ووصل حنا للولايات المتحدة عبر نظام قرعة الهجرة، في عام 2006، وكان بعمر 22 عاما، وفقا لشخص مطلع. وقال المصدر ذاته: إنه “بدأ العمل في شركة تنظيف والتحق بفصول اللغة الإنجليزية”.

ورصدت أنه على الفور، أنشأ شركة للنقل بالشاحنات تسمى Elmanhry وكانت أول شركة ضمن عدد كبير من الشركات باسمه.

واشترى منزلا في بايون بولاية نيوجيرسي  بمبلغ 450 ألف دولار من شخص كان يرتاد نفس الكنيسة المصرية التي كان يرتادها.

وبحلول عام 2011، انتقل إلى تجارة السيارات الفاخرة، وكان يتفاوض مع وكلاء بورشه ومرسيدس بنز في نيوجيرسي  لشراء سيارات جديدة نيابة عن رجل أعمال صيني، وكان الأخير يبيعها بعد ذلك للعملاء في الصين.

وحولت شركة رجل الأعمال، بوستو نيويورك، 3.6 مليون دولار إلى حنا وشركائه، لكنهم لم يقدموا سوى سيارات بقيمة 2.9 مليون دولار فقط، وفق ما قاله رجل الأعمال في دعوى قضائية رفعت في عام 2012.

وحصلت الشركة على حكم ضد حنا وشركائه لكنه لم يمثل أمام المحكمة ولم يدفع ما كان مستحقا عليه، وفق السجلات القضائية.

وأشارت الصحيفة إلى أن المشاكل القانونية التي واجهها حنا تفاقمت بعد أن اتُهم في دعاوى قضائية بكتابة شيكات غير صالحة، وفي عام 2014، اتُهم أيضا بالقيادة وهو في حالة سكر حيث وجد فاقدا للوعي في سيارة، وعندما نُقل إلى المستشفى، قالت الشرطة إنه هددهم عدة مرات.

وأشارت إلى أنه بين سجلاته، رفع أحد المستشفيات دعوى قضائية ضده، في عام 2017، للمطالبة بآلاف الدولارات من الفواتير الطبية غير المدفوعة، كما فشل في دفع أقساط للرهن العقاري وضرائب، وفقا لسجلات المحكمة، ما أدى في النهاية إلى خسارة منزله في بايون.

متعثر وعميل

وأكدت نيويورك تايمز إنه رغم معاناة حنا المالية في الولايات المتحدة، كان على علاقة وثيقة بالحكومة في مصر.

وأنه ندب صديقه القديم ومحاميه الذي مثله في المحكمة، آندي أصلانيان، إلى عدد كبير من الأصدقاء وشركاء العمل، ومنهم حكومة الانقلاب لتمثيل مصر عام 2016 بشأن نزاع على مبنى كان يراد أن يكون مقر إقامة لممثلي الجيش المصري وعائلاتهم في إيست روثرفورد، في نيوجيرسي ، حسبما قال  أصلانيان لصحيفة The Record.

والتقى أصلانيان وائل حنا في 2009، وقدمه إلى نادين أرسلانيان زوجة مينينديز المستقبلية، وقال أصلانيان: إن “الثلاثة كانوا يلتقون بعض الأحيان بعد العمل في مطعم فرنسي يملكه المطور العقاري، فريد دعيبس، الذي ورد اسمه أيضا في قضية الفساد”.

لحوم “حلال”

وأشارت الصحيفة إلى أنه في نوفمبر 2017، أنشأ آندي أصلانيان وحنا شركة IS EG Halal، وكان غرضها التصديق على أن اللحوم حلال، أو تم إعدادها وفقا للشريعة الإسلامية، وقدم دعيبس الدعم المالي للمشروع.
وبعد ثلاثة أشهر، بحسب لائحة الاتهام، بدأت صديقتهما نادين مواعدة مينينديز.

وتشير الصحيفة إلى دوجلاس أنطون الذي التقى بحنا لأول مرة في عام 2017 من خلال نادين، التي كانت تواعد أنطون في ذلك الوقت.

ويتذكر أنطون أنها قدمت حنا على أنه قريب لـ”شخص رفيع المستوى في الحكومة المصرية”.

وخلف الكواليس، وفقا للمدعين العامين، كان حنا يرسل رسائل نصية مباشرة إلى المسؤولين العسكريين والحكوميين المصريين.

وطوال عام 2018، كان حنا مشغولا بترتيب اجتماعات لتعريفهم بمينينديز. وجاء في لائحة الاتهام أن السيناتور بدأ في استخدام منصبه لتحقيق مصالح مصر، بما في ذلك عن طريق كتابة رسالة خفية لمسؤول مصري كان يحاول إقناع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر.

وأتت اتصالات حنا بنتائج إيجابية له في ربيع عام 2019. وقال ممثلو الادعاء إن الحكومة المصرية منحت فجأة شركته، IS EG Halal، الحق الحصري في التصديق على أن جميع الأغذية الأميركية المستوردة إلى مصر حلال.

ويشير المدعون إلى أن السيناتور كان لديه الدافع لمساعدة حنا لأن الأخير كان يستخدم شركته الحلال لتحويل أموال الرشوة إليه.

وبعد الحصول على الحق الحصري، عاش حنا حياة الأثرياء، وكان المقر الرئيسي للشركة في إيدجووتر بولاية نيوجيروي، قريبا من شقة حنا الفاخرة الجديدة المطلة على نهر هدسون في مبنى تملكه عائلة دعيبس، وأصبح لدى الرجل، الذي كان قد فقد منزله للتو، ما يكفي من المال لمساعدة أصدقائه في سداد قروضهم العقارية.

وفي يوليو 2019، قال ممثلو الادعاء، إن حنا استخدم شركته لدفع حوالي 23 ألف دولار لمساعدة نادين في تجاوز خطر حجز منزلها بسبب تخلفها عن سداد أقساط الرهن العقاري.

ولكن سرعان ما اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمر، وفي نوفمبر 2019، فتش عملاء فيدراليون منزل حنا ومكتبه، وصادروا أجهزة إلكترونية وأوراقا، وخلال التفتيش، سأل العملاء حنا عن اتصالاته في مصر، بما في ذلك مع أحد موظفي السفارة.

وقال ممثلو الادعاء في وقت لاحق: إن “العملاء اكتشفوا أيضا أن الهاتف المحمول الخاص بحنا يحتوي على آلاف الرسائل النصية مع نادين مينينديز”.

ومع ازدهار أعماله، قال ممثلو الادعاء: إن “حنا حاول استرضاء نادين، وفي يونيو 2021، اشترى 22 سبيكة ذهبية تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 40 ألف دولار”.

ومع التوسع السريع في أعماله، سافر بشكل متكرر وفتح مكاتب في أوروغواي والهند والبرازيل ومصر ونيوزيلندا، وتظهر صور منشورة على الإنترنت اجتماعه بسفراء وشخصيات رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم لمناقشة صفقات تجارية مع مصر.

في العام الماضي، ترك حنا انطباعا لا يُنسى لدى أحد الدبلوماسيين الغربيين السابقين في القاهرة، وقال الدبلوماسي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “حنا كان شخصية كبيرة لدرجة أنه كتب عنه في مذكراته، وقال إنه كان يرتدي بدلة باهظة الثمن وساعة رولكس ذهبية، وخواتم ذهبية”.

وأضاف: “عندما تناولنا غداءنا الثاني، أمضى حوالي 20 دقيقة يحدثني عن مجموعته من ساعات رولكس”.