تفاصيل إبادة سكان غزة وسط دعم عالمي وتواطؤ عربي وعجز شعبي

- ‎فيتقارير

في ظل ضوء أخضر من  أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأوروبا لإسرائيل، عبر تسارع زيارات المسئولين والقادة الغربيين لإسرائيل، وعبر حاملات الطائرات الأمريكية والأسطول الأمريكي الذي يضم سفينة عسكرية بالبحر المتوسط قبالة إسرائيل، ووصول أسراب طائرات A5   العملاقة  للقواعد الأمريكية في البحرين والإمارات والأردن، دعما للعمليات الإجرامية ضد قطاع غزة، وسط عجز عربي وإقليمي عن  تقديم حتى دعم إغاثي وصحي وغذائي لنحو مليوني ونصف مليون فلسطيني، تحت نيران الاحتلال ، التي لا تفرق بين الأطفال والنساء والشيوخ، تزداد معاناة الفلسطينيين الذين يواجهون مجازر إبادة جماعية.

 ومع استعمال إسرائيل جميع الأسلحة المحرمة ضد سكان غزة، تحولت حياة ملايين الفلسطينيين  إلى عذابات يومية، بين حصار وتجويع وقطع المياه والكهرباء ونضوب الوقود والأدوية ، بجانب القصف الإجرامي المتواصل على مدار الساعة.

ووفق آخر تحديث لوزارة الصحة الفلسطينية ارتفع عدد الشهداء بسبب عدوان الاحتلال على غزة إلى استشهاد 1799 مواطناً منهم 583 طفل و 351 سيدة واصابة 7388 مواطنا اخر بجراح مختلفة منهم 1901 طفل و1185 سيدة، منذ فجر السبت الماضي.

وعاد قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترا مربعا، إلى فترة العصور البدائية، نتيجة للحصار المطبق والإجراءات غير المسبوقة التي اتخذها الصهاينة بدعم أمريكي وغربي، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية السبت الماضي.

 وحذرت مؤسسات إنسانية وحقوقية فلسطينية ودولية من حدوث كارثة إنسانية في حال استمرار منع الماء والكهرباء والوقود عن غزة، وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أعرب يوم السبت الماضي، عن قلقه الشديد بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي الحصار الكامل على قطاع غزة.

ويعيش القطاع منذ السبت الماضي حصارا مطبقا بعد إغلاق جميع المعابر الحدودية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن إغلاق معبر رفح وبوابة صلاح الدين مع مصر بالقوة العسكرية، من خلال القصف الذي طاول المعبر في الأيام الأولى للحرب مع غزة.

ومع توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل بشكلٍ كامل نتيجة وقف إمدادات الوقود من الأراضي المصرية أو من الأراضي المحتلة عام 1948، إلى جانب قرار وزير أمن الاحتلال يوآف جالانت، بقطع كل الخدمات عن القطاع، يعيش الفلسطينيون في ظلام دامس ودون كهرباء.

في الوقت ذاته، تعمل المولدات التجارية المنتشرة في مختلف مناطق القطاع وفقا لجدول ساعات وصل وفصل، وسط توقعات بأن تتوقف بحلول الأسبوع المقبل نتيجة استمرار منع إدخال الوقود إلى غزة ورفض الاحتلال الإسرائيلي إفساح المجال أمام هدنة إنسانية.

وإلى جانب ذلك، توقفت الكثير من محطات المياه عن العمل نتيجة عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاص بالمضخات، فضلا عن توقف الكهرباء بشكل كامل، سواء الخطوط الواردة من الأراضي المحتلة عام 1948 أو محطة التوليد الوحيدة.

 

كارثة صحية

 ويبدو القطاع قريبا من كارثة صحية في ضوء تكدس الجثث داخل الثلاجات بالعشرات إلى جانب الساحات الخارجية للمستشفيات في القطاع، بالإضافة إلى عدم إدخال المساعدات الإغاثية والغذائية واستمرار نزوح العائلات باتجاه المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا.

في الوقت ذاته، فقد أوشكت الكثير من المحال التجارية على التوقف بشكل تام نتيجة نفاد المواد الغذائية وعدم وجود أي مخزون احتياطي لديها.

 وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” فقد بلغ عدد النازحين من منازلهم في غزة أكثر من 338 ألف فلسطيني، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، من بينهم أكثر من 220 ألف شخص لجأوا إلى 88 مدرسة تابعة لوكالة الأونروا.

 في الأثناء، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف: إن “القطاع دخل منحنى خطيرا على صعيد الواقع الإنساني، الذي يشهد تدهورا غير محدود في كل تفاصيله الخدماتية والمعيشية بعد التوقف التام لإمدادات الكهرباء والمياه، مع لجوء الاحتلال إلى محو أحياء سكنية وتهجير مئات الآلاف من المواطنين قسرا عن منازلهم”.

  هذا الواقع يجعل من غزة منطقة منكوبة تتعرض لعقاب ومجازر إبادة جماعية، دون تحرك حقيقي لوقف هذه المجازر، والاكتفاء بالحديث عن محاولات إيجاد ممرات لإدخال المساعدات الإنسانية، وسط خشية من أن تكون غزة مقبرة جماعية.

 

 

تدمير البنية التحتية

 ومنذ بداية المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في السابع من أكتوبر الجاري، عمد الجيش الإسرائيلي إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية وسط مدينة غزة، عبر تكثيف الغارات الجوية وتدمير الشوارع والطرق الرئيسية للمدينة والمدارس والمستشفيات.

وركز الاحتلال في عملية القصف الجوي على تدمير الأبراج السكنية والتجمعات التجارية والمولات الحديثة التي تتجاوز كلفة إنشائها مئات الآلاف من الدولارات في سعي واضح منه لإعادة القطاع سنوات كثيرة إلى الوراء، تزامنا مع استمرار الحصار الإسرائيلي للعام السابع عشر على التوالي، وذلك وفق تقديرات فلسطينية نقلتها “قدس برس”.

 فيما تسيطر مشاهد الدمار وحطام الأبنية على كافة أحياء ومدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة بشكل غير مسبوق، أحياء سويت بالأرض وأخرى طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها تمهيدا لتدميرها، بما يشبه ضرب زلزال عنيف لمنطقة سكنية مكتظة.

 في موازاة ذلك، يخشى الغزّيون من الحرب البرية التي يتوعد بها الاحتلال قطاع غزة، والتي شهدها السكان في حرب 2008 -2009، التي لا تزال مشاهد الدمار والإعدام الميداني حينها عالقة في أذهانهم.

 ففي تلك الفترة نفذ جيش الاحتلال توغلا بريا محدودا، لكن نتائجه كانت قاسية على سكان غزة، رغم قسوتها على الاحتلال أيضاً نتيجة تصدي المقاومين له.

  ومع استمرار قصف غزة، بات ليل غزة، هذه الأيام يشبه نهارها من حيث التوحش الإسرائيلي، لكن جيش الاحتلال يتعمد زيادة قصفه للمنازل والأحياء في ساعات الليل الحالك، ليزيد من الرعب والقلق في صفوف المدنيين، لتدفيعهم ثمن ما فعلته المقاومة في هيبة جيشه، السبت الماضي، في عملية “طوفان الأقصى”.

 ويهرع الناس في غزة من الموت ليجدوه في مكان آخر، فبينما يخلي السكان منازلهم بعد تحذير جيش الاحتلال بقصفها، يعود ويستهدفهم في المناطق التي نزحوا إليها، فيما لم تعد هناك أي بقعة آمنة وبعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي.

حتى الشهداء لم يعودوا يحظون بتوديع عوائلهم أو بمراسم للتشييع، قلة هم من يتمكنون من توديع شهدائهم ودفنهم بعد الصلاة عليهم في المقابر لا في المساجد، وبأعداد لا تزيد عن العشرة مشيعين، وفق شهادات لفلسطينيين.

 

حرب دينية تستهدف المساجد

 وقد جرى خلال الأيام الماضية قصف نحو عشرين مسجدا بالقطاع من كبريات مساجد غزة، وفق الصحفي بقناة الجزيرة أحمد منصور، فيما  باقي المساجد أُغلقت هي الأخرى، إلا بعضها، وعشرات منها قُصفت أو تضررت، فيما يرفع الآذان في كثير منها وسط الخشية من استهدافها وتدميرها فوق رؤوس المصليين.

 الجامعات أيضا مهددة بعد تدمير كبير طاول الجامعة الإسلامية، أكبر جامعات القطاع، ومحو مبان كاملة فيها وتضرر أخرى بفعل القصف الممنهج، وهكذا تعايش غزة إبادة معيشية كاملة، وسط صمت العالم والعرب والمسلمين.