في ظل غياب المعلومات الواردة من السودان، في ضوء الانشغال العالمي والإعلامي بأحداث غزة، تشهد الساحة السودانية تطورات دراماتيكية منذ يونيو 2023، على المستوى الميداني لصالح قوات الدعم السريع في دارفور تحديدا، التي استطاعت خلال الأسابيع القليلة الماضية مد سيطرتها على غالبية مناطق الإقليم، لتقترب من السيطرة على غرب السودان بأكمله.
ولم يعد يفصل قوات حميدتي عن السيطرة بالكامل على غرب السودان سوى ولايتين فقط، هما الفاشر (شمال دارفور)، والضعين (شرق دارفور).
وتعد الضعين حاضنة لقبيلة قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي)، في حين أن الفاشر قد تكون الأصعب عليها، إذ إن فيها قيادة عسكرية قوية للجيش السوداني، إلى جانب تعقيداتها السياسية ومركزيتها للحركات المسلحة في شمال دارفور، وهي تُعد عاصمة وحيدة متبقية لمناطق غرب السودان.
ووفق تقديرات استرايجية، فإنه في حال تمكنت قوات الدعم السريع في دارفور من السيطرة على الفاشر، فإن ذلك يعني سقوط إقليم دارفور بالكامل في يدها، الممتد غرب البلاد، بالإضافة إلى أنه بذلك يمكنها فتح الطريق للربط بين العاصمة الخرطوم وبقية مدن ولايات غرب السودان في حال سيطرتها على كامل شمال كردفان.
وتمكنت قوات الدعم السريع في دارفور خلال الأسابيع الماضية من السيطرة على كل من: نيالا، جنوب دارفور، وزالنجي، وسط دارفور، والجنينة، غرب دارفور.
وتعد هذه الولايات الثلاث من مدن غرب السودان، وهي أجزاء من مناطق إقليم دارفور.
وتمكنت كذلك قوات الدعم السريع من السيطرة على أجزاء واسعة من مناطق في إقليم كُردفان وسط البلاد، جراء اشتباكات عنيفة خاضتها ضد قوات الجيش السوداني، وتمكنت من إسقاط حامياته العسكرية فيه بالكامل على التوالي، الأمر الذي زاد حدة المعارك هناك.
وفي 26 أكتوبرالماضي، أعلنت قوات الدعم السريع بسط سيطرتها التامة على قيادة المنطقة الغربية المعروفة بالفرقة 16 مشاة، في مدينة “نيالا” حاضرة ولاية جنوب دارفور.
وتبعد المدينة حوالي ألف كيلومتر عن العاصمة الخرطوم.
وجاءت السيطرة عليها عقب معارك دامية استمرت لأكثر من شهر من القتال العنيف ضد القوات المسلحة السودانية، خاصة بعد فرض الدعم السريع حصارا دائريا على محيط قيادة الفرقة التابعة للجيش السوداني، ثاني أقوى القيادات العسكرية له.
ومهد ذلك لقوات الدعم السريع في دارفور الطريق نحو المزيد من فرض السيطرة، لا سيما أن نيالا موقع استراتيجي من حيث الكثافة السكانية الكبيرة التي تأتي ثانيا بعد العاصمة الخرطوم مباشرة، إذ تقدر بـ3,4 مليون نسمة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الهام على الحدود مع كل من دولة جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وتشاد، وإلى كونها تُعد مسار ربط للطرق البرية بين بقية مدن السودان شرقا غربا وشمالا وجنوبا.
كذلك فإنها تمثل الحاضنة الاجتماعية لقوات الدعم السريع في دارفور، المكونة من القبائل العربية التي تقطن معظم محلياتها وقراها، الأمر الذي أسهم في زيادة عدد أفرادها، وسرعة الانضمام من جانب الولاء القبلي والإثني لمنتسبيها ولرمزيتها الخاصة لسكان دارفور بصفة خاصة.
وفي 5 نوفمبر الجاري ، أعلنت قوات الدعم السريع في دارفور السيطرة على مقر قيادة الفرقة 15 في الجنينة، لتسقط حاضرة ولاية غرب دارفور الحدودية مع دولة تشاد وإفريقيا الوسطى، التي تربطها طرق برية بكل ولايات دارفور الأخرى.
تعد هذه المنطقة غنية بالموارد الغذائية، لا سيما الفواكه والحبوب الزيتية، خاصة بمناطق جبل مرة، وغيرها من القرى والمحليات فيها.
تعد المنطقة مهمة من حيث الجغرافيا، فهي معروفة بغاباتها الكثيفة التي تنشط فيها عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، وتسهل فيها عملية إدخال الإمداد بالسلاح واستغلال طرقها البرية لممارسة النشاطات الممنوعة على الحدود مع دول الجوار.
وفي 1 أكتوبرالماضي، أعلنت قوات الدعم السريع في دارفور سقوط قيادة الفرقة 21 زالنجي التابعة للجيش السوداني.
وتعد هذه المدينة ثاني أكبر مدن الإقليم من حيث النشاط التجاري والرعوي وتداخل طرقها ومواردها الطبيعية ككل من زراعية ورعوية.
تُعد الفاشر عاصمة لمنطقة شمال دارفور، وهي المدينة الأكثر عرضة للوقوع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، التي في حال تمكنت من ذلك، فإنها ستفرض سيطرتها على كامل مناطق غرب السودان وإقليم دارفور.
وتتقدم قوات الدعم السريع في دارفور ببطء في هذه المدينة، إذ يقع فيها مقر الفرقة 6 مشاة، وسط توقعات باندلاع اشتباكات عنيفة في حال وصول هذه القوات إلى مقر القوات المسلحة في الفاشر.
كما بدأت قوات الدعم السريع حملتها على مدينة الفاشر شرقا، وتمكنت من السيطرة على محلية أمكدادة الواقعة شرقي الولاية، في 7 نوفمبرالجاري ، وأحدثت خسائر كبيرة في المنطقة، خاصة المرافق الحيوية مثل البنوك والمستشفيات وسط اتهامات بسرقتها السوق ومنازل المواطنين، عقب انسحاب الجيش من حاميته العسكرية خارج المدينة صباح ذلك اليوم، بعد أن استيقظ السكان على أصوات الرصاص والمدافع الثقيلة.
كما قامت قوات الدعم السريع بإخلاء أمكدادة بعد اقتحامها، واتجهت غربا نحو مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، و نشرت في الفاشر تعزيزات عسكرية كبيرة وبالأسلحة الثقيلة، تمهيدا لمحاولة دخولها من عدة جوانب رئيسية.
فيما تتمركز قوات الحركات المسلحة فيما خلت الأحياء الشرقية للمدينة من السكان، الذين نزحوا خارج الفاشر، خوفا مما سمعوه من جرائم حرب وعمليات إبادة قامت بها قوات الدعم السريع.
ومع خلو شرق الفاشر من السكان، فإنه لا شيء يعيق تقدم قوات الدعم السريع في دارفور وتمركزها شرقا، إلا أن هناك سيناريوهات قد تعرقل عملية تقدمها داخل الولاية، خاصة تمركز قوات الحركات المسلحة في مداخل الولاية ومخارجها.
وكانت القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة، قد أطلقت في 3 نوفمبرالجاري تحذيراتها للطرفين في الفاشر، باعتبارها قوة محايدة عن الصراع، قائلة إن حيادها له حدود، وإن مدينة الفاشر آخر مكابح حيادها، في حال دخلت الولاية في حرب بين الجيش والدعم السريع.
يشار إلى أن قوات الدعم السريع في دارفور تحاول سعيها لفرض حصار على مدينة الفاشر من 3 محاور رئيسية:
المحور الشمالي للولاية من جهة مدينة مليط، الواقعة شمالا.
المحور الشرقي، حيث تتمركز قواتها في البوابات الشرقية للولاية، لا سيما منطقة أمكدادة والكومة شرقا، بهدف عرقلة دخول أي إمدادات عسكرية للجيش، وتحصيل الضرائب المالية من الشاحنات التجارية القادمة من الخرطوم وبورتسودان.
المحور الغربي، نحو منطقة خزان “قولو”، وهي محطة المياه الرئيسية للمدينة، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان، خاصة النازحين بمراكز الإيواء بسبب شح المياه وانعدامها عن الولاية.
وأطلق عدد من الناشطين دعواتهم لتسهيل وصول المهندسين والفرق العاملة بمحطات المياه لتزويدها بالوقود، وفك الحصار عن محطة المياه، وعدم تعطيش المواطنين، ولكن دون تجاوب معهم.
وتكتظ الولاية بالفارين من جحيم الحرب في كافة مدن وقرى الإقليم، وصدرت تحذيرات دولية من حدوث كارثة في الفاشر.
ولا تزال المناشدات مستمرة لتجنيب الفاشر الاقتتال، حيث دعا حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الطرفين إلى تجنيب الولاية الحرب، وقال: إن “لديه اتصالات مع قيادة طرفي الصراع لعدم الاقتتال في هذه المدينة”.