بقلم: د. عز الدين الكومي
في الوقت الذي حملت فيه جماعة الإخوان المسلمين لواء النهضة التعليمية بدول الخليج عامة، حيث كانوا المعلمين وأساتذة الجامعات الذين تربَّى على أيديهم الكثير من الشباب، خاصةً بعد هجرة كثير من علماء الإخوان، في التخصصات المختلفة خلال الحقبة الناصرية، واستقرارهم في بلاد الحرمين الشريفين وغيرها، وقد استمرت العلاقة الطيبة بين الإخوان المسلمين وبين المملكة، ولكن العلاقة أصابها التوتر فى مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد تصريحات واتهامات من وزير الداخلية السعودي الأمير نايف، الذي ألقى باللائمة على جماعة الإخوان المسلمين، وأنها المسؤولة عن معظم ما يعاني منه العالم الإسلامي من عنف وتطرف، وإن الإخوان هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات، و إن الإخوان تسببوا في مشكلات جمة للمملكة العربية السعودية، وذكر فى حديث صحفي عددا من قادة جماعة الإخوان المسلمين مثل الدكتور حسن الترابي وراشد الغنوشي وعبد الرحمن خليفة ونجم الدين أربكان, بأنهم ناصبوا المملكة السعودية العداء أثناء حرب الخليج عام 1991.
وقد اعتبر بعض المراقبين تصريحات الأمير نايف آنذاك أنها تأتي في سياق الدفاع عن سياسات خاطئة تنتهجها المملكة, مستخدما شماعة الإخوان لتبرئة المملكة من تهمة دعم الإرهاب!!
ولكن الحقيقة التي حاول الأمير نايف إخفاءها هي أن السعودية كانت ومازالت تقوم بتصدير الوهابية إلى مناطق العالم الإسلامي، عبر الدعم السخي الذي تقدمه لبناء مساجد ومدارس تدرس المنهج الوهابي!!
ومع ذلك كانت هذه الأزمة سحابة صيف ومرت، وبقيت العلاقة بين الإخوان والمملكة مستمرة، حتى وقوع الانقلاب العسكري، على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، حيث قامت المملكة بإصدار قرار يقضى بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وربما يرجع ذلك إلى خالد التويجري المرتبط بمحمد بن زايد، المتحالف مع قائد الانقلاب العسكري.
وقد شنت هيئة كبار العلماء ووزارة الخارجية السعودية هجوما حادا على جماعة الإخوان المسلمين، زاعمين أن الجماعة ليست من أهل المناهج الصحيحة، ومنهجهم قائم على الخروج على الدولة، وأن جماعة الإخوان المسلمين ليس لهم عناية بالعقيدة، ولا بالسنة، وإن كل جماعة تضع لها نظاما ورئيسا، وتأخذ له بيعة ويريدون الولاء لهم؛ هؤلاء يفرقون الناس، وليس في الكتاب والسنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات؛ بل فيهما ما يذم ذلك!!
وقبل الرد على علماء السلطة الذين اقتصر دورهم على التوقيع فقط، استجابة للحاكم الظالم، سنرد عليهم بفتاوى علماء المملكة التي صدرت فى أوقات مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، التي صدرت باسم المشايخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عبدالرزاق عفيفي، عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان رحمهم الله جميعًا، التي جاء فيها ما نصه:
إن (أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة، وهم أهل الحديث وجماعة أنصار السنة ثم الإخوان المسلمون، وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء مع التناصح والتعاون على البر والتقوى) فتاوى اللجنة: المجلد 34 الصفحة 91.
وقال الشيخ ابن باز: وإِنما الفرقة الناجية: دعاة الكتاب والسنة، وإِن كانت منهم جماعة هنا وجماعة هناك ما دام الهدف والعقيدة واحدة، فلا يضر كون هذه تسمى: أنصار السنة، وهذه تسمى: الإِخوان المسلمين، وهذه تسمى: كذا، المهم عقيدتهم وعملهم، فإِذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإِخلاص له واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وعقيدةً، فالأسماء لا تضرهم ) فتاوى ابن باز المجلد 8، الصفحة 183.
وقال الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله: "وأما تعدد تلك الجماعات فلا نرى أن الجميع من الفرق الضالة لمجرد اختلاف الأسماء إذا كان الهدف واحدًا، فهناك جماعة التبليغ في المملكة وما حولها أغلبهم من خريجي الجامعات الإسلامية وعلى عقيدة أهل السنة لكنهم رأوا الدعوة إلى الله بالأفعال والرحلات أكثر تأثيرًا، وهناك السلفيون من أهل السنة والجماعة رأوا تفضيل التعلُّم والتوسع في المعلومات العقدية، وهناك الإخوان المسلمون رأوا الاشتغال بالدعوة والتصريح بالمنكرات، وهناك من رأى الهجر والبعد عن العصاة ولو كانوا رؤساء، وهناك من أجاز التدخل مع الولاة لتخفيف شرهم، والأصل أن الجميع على معتقد أهل السنة فلا يعدون من الفرق الضالة فإن وجد من بينهم من هو على عقيدة مخالفة كالتعطيل والتشبيه وإباحة الشركيات والقول بالإرجاء أو قول الخوارج، أو إنكار قدرة الله فإنه يحكم على من اعتقد ذلك بأنه من الفرق الضالة ويحذر من الانخداع بدعوته. والله أعلم". موقع الشيخ ابن جبرين فتوى رقم (11622).
وقال الشيخ ابن جبرين أيضًا: "نقول إن كل جماعة وطائفة تعمل بالسُنّة وتدعو إلى الشريعة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المُنكر وتتجنب المُحرمات والبدع والمُحدثات فإننا نواليهم ونُحبهم، وإذا كان معهم شيء من النقص أو المُخالفة ننصحهم ونُحذرهم من مخالفة الشريعة فيدخل في ذلك الإخوان المسلمون الذين يقومون بالدعوة إلى الله تعالى وينصحون المسلمين ويُبينون الخير لمن صحبهم". موقع الشيخ ابن جبرين فتوى رقم (2975)
يقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "ولكن إذا كانوا يدينون كلهم بالإسلام، ويعتقدون مُعتقد السلف، وإنما اختلفوا في الفروع، كالمذاهب الأربعة، واختلفوا في مناهج الدعوة، أو اختلفوا في الأسماء مع اتفاقهم في المُسمى، كالإخوان المسلمين وأهل التوحيد والسلفيين وأهل التبليغ من أهل السُنة،فلا بأس بهذه الأسماء"، موقع الشيخ ابن جبرين فتوى رقم (8326).
وعندما سُئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله عن محاربة الأنظمة العربية وأعوانها من الإخوان المسلمين قال: "الإخوان المسلمون" الذين ظهروا في مصر قصدوا الإصلاح والدعوة إلى الله وحصل بحركتهم أن هدى الله خلقًا كثيرًا تابوا من ترك الصلاة ومن شرب المسكرات ومن فعل الفواحش والمحرمات، ولكن بقي معهم بعض العادات الجاهلية لم يتمكن الدعاة من إزالتها فسعوا في تخفيفها وحيث إنهم أفراد من جملة الشعب ليس في أيديهم قوة وليس لهم سلطة فلذا لم يتمكنوا من هدم القباب على القبور ومن منع الظواهر الشركية وحيث لم يكن لهم منعة فقد تسلط عليهم رؤساء الدول وأودعوهم في السجون وقتلوا الكثير منهم لاعتقادهم أنهم يثيرون عليهم جماهير المواطنين ويبرزون مثالب الرؤساء ومخالفاتهم وما يحكمون به من القوانين الوضعية والعادات السيئة وإسقاط الحدود وإباحة الزنى والخمور فلا جرم حرص أولئك الرؤساء على تفريقهم واضطهادهم وكسر قوتهم. موقع الشيخ ابن جبرين فتوى رقم (11622)
وقال الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي: إن الحركات الإسلامية هي التي واجهت المستعمر، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وإذا انتقلت 10 سنوات بعد الاستعمار تجد مَن بقي منهم حيًّا في السجن، أو تجد أنهم محاصرون، وجاءت فئة علمانية وبتأييد من المستعمر تريد أن تصادر مكتسباتهم، وتفرض على الأمة عقيدة لم يجاهد من أجلها، لم يجاهد في الجزائر، ولا في المغرب، ولا في ليبيا، ولا في مصر من أجل الاشتراكية أبداً، هم قاتلوا لإخراج المستعمر، وإذا بالبلاد تحكم بنظام غريب على دينها وعلى عقيدتها، وإذا بأولئك المجاهدين يقبعون في السجون، وإذا وصلوا إلى السجن من هنا تبدأ الأفكار، ويبدأ الغلو والتطرف وتبدأ مشكلات لا حصر لها".
وعقب الانقلاب العسكري وقع 56 عالمًا سعوديًّا على بيانٍ لهم عقب الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي جاء فيه: (إن ما وقع في مصر من عزل الرئيس المنتخب من قبل وزير الدفاع هو انقلاب مكتمل الأركان، وهذا عمل محرّم مجرّم، نرفضه باعتباره خروجاً صريحًا على حاكم شرعي منتخب، وتجاوزًا واضحًا لإرادة الشعب، ونؤكد بطلان كل ما ترتب عليه من إجراءات).
وأما من حيث مشروعية الأحزاب أو الجماعات التى ينكرها علماء السلطان تمشيا مع منهج الحكم الفرد، فنرد عليهم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: وأما لفظ "الزعيم" فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين قال تعالى: {وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]، فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم، فإن كان قد تكفل بخير كان محمودا على ذلك وإن كان شرا كان مذموما على ذلك.
وأما "رأس الحزب" فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان (مجموع الفتاوى ج11 ص85).
إذا ما المانع من إقامة جماعات وأحزاب تقوم بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الإسلام، والسعي إلى تطبيقه، فإن العمل الجماعي نوع من التعاون والتناصر والتآخي على الحق، ولذا فهو مشروع مرغب فيه لعموم الأدلة الدالة على فضيلة الجماعة والاتفاق والتعاون. ما لم يتخذ ذلك ذريعة إلى التحزب والتعصب للأسماء والشعارات، أو رفض الحق وإنكاره حين يأتي من خارج الجماعة.
فلمصلحة من؟ الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين رافعة لواء السنة، ومزلزلة عروش الطغاة، وصاحبة النكاية فى صفوف أعداء الأمة!!
———————————————————————–
المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها