تصاعدت أزمة الدواء في السوق المصري، وأصبح قطاع كبير من المرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة لا يجدون الأدوية التي يداومون على تناولها بجانب أنهم يعانون من أسعار الدواء المرتفعة فقط، وبسبب النقص الكبير في الكثير من الأدوية يضطر بعض المرضى لشرائها من السوق السوداء بأسعار باهظة تفوق إمكانياتهم المادية.
ورغم أن مصر تمتلك 177 مصنعا للدواء، إلا أن هناك نقصا حادا في أدوية الدم المختلفة، وأدوية الأمراض المناعية، وأدوية الغدة، وأدوية السكر والقلب والسرطان، وأدوية ضمور العضلات والتصلب المتعدد .
الخبراء كشفوا أن ما تمر به البلاد في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي من أزمة في توفير العملة الصعبة ما حال بين شركات الدواء وبين استيراد مستلزمات الصناعة من الخارج .
وقال الخبراء: إن “عصابة العسكر تحتكر الكثير من أصناف الأدوية، من أجل التربح على حساب المرضى المصريين الذين لم يعد هناك من يساعدهم، نتيجة تخلى وزارة صحة الانقلااب عن دورها ومجاملاتها لمنتجي الدواء، ما أدى إلى راتفاع الأسعار بنسبة تزيد على 500%”.
وحذروا من أن أكثر من 70% من الصيدليات ستضطر لغلق أبوابها، مؤكدين أن حكومة الانقلاب ممثلة في هيئة الدواء المصرية تبيع أصحاب الصيدليات لشركات الأدوية، والصيدليات تواجه خسائر يومية .
المادة الفعالة
من جانبه قال الدكتور بيتر جون، صاحب عدة صيدليات: إن “أزمة الأدوية المستوردة تتفاقم يوما بعد يوم، موضحا أننا في السابق كنا نحاول التغلب على الأزمة من خلال إيجاد المثيل للدواء المستورد، لكن الآن نواجه شحا كبيرا في المثيل أيضا، فأصبح الاسم العلمي للدواء غير متوافر داخل السوق المصرية، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية”.
وكشف «جون» في تصريحات صحفية عن وجود نقص في أدوية الهرمونات والأنسولين وأدوية الفيروسات وأدوية الأورام، ويندرج تحت كل نوع منها أكثر من 100 أو 200 صنف، وتعتبر هذه الأصناف هي الأكثر إلحاحا في الطلب والأكثر أهمية، ولذا لا بد من توفيرها، موضحا أنه إذا كان استهلاك الصيدلية الواحدة من دواء معين 100 علبة، وهيئة الدواء المصرية تصرف للصيدلية 3 علب فقط، فأصبحنا بسبب ذلك لا نستطيع تغطية احتياجات المريض.
وأكد «جون» أن الأدوية التي تعالج فطريات الفم أصبحت غير موجودة داخل السوق المصرية، مما يعنى أن المادة الفعالة للدواء غير موجودة داخل السوق المحلية أو أن الشركة لا تقوم بالتصنيع حتى تضغط على هيئة الدواء لرفع الأسعار، رغم ارتفاع الأسعار خلال الأشهر القليلة الماضية بنسبة تتراوح من 30% إلى 90%، وبعض الأصناف تجاوزت الـ120%، وبعض الأصناف الأخرى ارتفعت مرتين في 3 أشهر فقط.
الصيدليات
وأوضح أن أكثر من 70% من الصيدليات ستضطر لغلق أبوابها، لأن هامش ربح أصحاب الصيدليات ليس من المواطن، ولكنه من شركة الأدوية، وإلى الآن حكومة الانقلاب ممثلة في هيئة الدواء المصرية تبيع أصحاب الصيدليات لشركات الأدوية.
وأشار «جون» إلى أن الصيدليات تواجه خسائر يومية، بسبب 4 عوامل رئيسية، الأول تآكل رأس مال الصيدلية بسبب الارتفاعات المتتالية لسعر الدواء، واضطرار الصيدلي للبيع بالسعر القديم، مع أزمة وجود للدواء سعرين وثلاثة، بالمخالفة للقانون الذي ينص على أن الدواء مسعر جبريا، مما يعني أن للدواء سعرا واحدا فقط مثل البنزين، أما بالنسبة للعامل الثاني فيتمثل في أن الصيدليات تواجه خسائر كبيرة يوميا، بسبب امتناع الشركات عن سحب الأدوية منتهية الصلاحية، وتقاعس هيئة الدواء عن إلزام الشركات بذلك، أما العامل الثالث فهو أن أصحاب الصيدليات يواجهون مشكلات ارتفاع مصاريف التشغيل بشكل كبير، وعلى رأسها بند الرواتب والأجور فضلا عن رسوم الخدمات التي ارتفعت ارتفاعا كبيرا ومنها الكهرباء والمياه، والعامل الرابع المؤثر في انخفاض اقتصاديات أصحاب الصيدليات، هو انخفاض المبيعات بسبب ضعف القدرة الشرائية.
وطالب حكومة الانقلاب بالتدخل السريع، لأننا على الرغم من تفاقم الأزمة، إلا أننا مازلنا في الثلث الأول من المشكلة .
المستشفيات العامة
وقال محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء: إننا “نعاني يوميا من أصناف غير موجودة نهائيا، متوقعا أن يزداد الأمر سوءا خلال الأيام القادمة إذ استمررنا على هذا النهج”.
وأضاف فؤاد في تصريحات صحفية، نتوقع في هذا الشهر أن يطال التأثير الأصناف المحلية التي تغطي 80% من السوق المصرية، وبالنسبة لـ20% الأخرى، تتمثل في أدوية الأمراض المستعصية التي تأتى استيرادا من الخارج سواء كانت كاملة، أو مواد خام يتم تصنيعها بالداخل، ولكن الآن أصبحنا نعتمد على المخازن في السحب مع عدم تعويضه بمواد خام جديدة، بسبب مشكلة أسعار الصرف، مما يعني أننا إذا استمر هذا المعدل فسنواجه مشكلة في أدوية الصداع والقولون العصبي والمعدة وجرثومة المعدة، إضافة إلى الأدوية المتداولة والشائعة التي تستطيع الشركات المصرية إنتاجها بكل سهولة”.
وأوضح أن من أبرز الأدوية المستوردة الناقصة في السوق المصرية أدوية الدم المختلفة، وأدوية الأمراض المناعية، وجميع أدوية الغدة، وبعض أدوية السكر والقلب، وجميع أدوية ضمور العضلات، وجميع أدوية التصلب المتعدد، وجميع أدوية مراحل ما بعد زرع الكلى والكبد، لافتا إلى أن جميع هذه الأصناف غير موجودة بالسوق المصرية سواء كانت استيرادا من الخارج، أو يعاد تصنيعها في مصر بمراحل بسيطة.
وأشار «فؤاد» إلى أن المستشفيات العامة تعاني -أيضا- من نقص في الأدوية، مما دعا وزارة صحة الانقلاب إلى تشكيل لجنة مهمتها تدبير احتياجات المستشفيات، وهي خطوة جديدة من نوعها، لأن هيئة الشراء الموحد مهمتها منذ عام 2019، شراء الأدوية لمصر، ولكن مع زيادة الأزمة اضطرت صحة الانقلاب لهذه الخطوة لإيجاد حل سريع للمشكلة في نحو 700 مستشفى، سواء كانت عامة أو تعليمية.
200 صنف
وكشف أن صناعة الأدوية في مصر يعتمد 95% منها على الاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أنه تم رفع أسعار 200 صنف من الأدوية بنسب مختلفة منذ عام 2022 إلى يوليو 2023؛ مما أدى لمعاناة المستهلك من مشكلتين الأولى هي نقص الدواء، والثانية هي زيادة الأسعار، كل ذلك جاء نتيجة عدم وجود ضبط للسوق، إضافة إلى عدم وجود إدارة للنواقص في هيئة الدواء تستطيع أن تتنبأ بالأزمة.
وأكد «فؤاد» أن هناك أناسا داخل دولة العسكر تستثمر الأزمة لصالحها، لتحقيق أرباح كبيرة، وتخرج من الأزمة بأقصى استفادة ممكنة من خلال تخزين أدوية بكميات هائلة اعتقادا منهم بتحريك سعر الصرف مرة أخرى، ولذا ترتفع التسعيرة للأدوية، ومن هنا يستطيعون تحقيق أرباح مضاعفة.
وكشف عن ظهور نوع آخر من الأشخاص مع تفاقم المشكلة، وبسبب أن مصر محاطة بمناطق نزاعات، يتعمدون تعطيش السوق المصرية من الأدوية لبيعها في الدول المجاورة بأسعار مضاعفة، مما أدى إلى نقص أدوية في السوق المحلية، موضحا أن صناعة الدواء في مصر تحتوى على 150 عضوا في غرفة الدواء، بالإضافة إلى 15 شركة أجنبية بالإضافة إلى 8 شركات قطاع أعمال، كما أن هناك أكثر من 1000 شركة أخرى لكنها ليس لديها مصانع ولذا فهي ليست مسجلة في وزارة صحة الانقلاب، كل هذه المصانع والشركات حتى تستطيع إنتاج دواء يمر بمراحل رقابية معقدة جدا لدرجة تجعل من الاستحالة التلاعب في أصناف الأدوية الموجودة داخل السوق المحلية.